إسرائيل... الثابت في السياسة الأمريكية | صحيفة السفير

إسرائيل... الثابت في السياسة الأمريكية

اثنين, 10/02/2020 - 14:01
إسرائيل... الثابت في السياسة الأمريكية

آراء كثيرة تناولت تحليل ودراسة «صفقة القرن»، تباينت حسب كاتبيها وما يحملونه من وجهات نظر، ولكنها على تعددها اتفقت على أنها لا تحقق السلام، وأنها رمت بكل ثقلها في جانب ما تريده «إسرائيل». هذه «الصفقة» لا يمكن فهم صفحاتها دون وضعها في السياق التاريخي والسياسي والعقدي الذي يحكم العلاقات الأمريكية الإسرائيلية.

خطة ترامب ليست إلا ترجمة كاملة لثابت السياسة «الإسرائيلية» في السياسة الأمريكية، وهذا نجد جذوره مع وعد بلفور عام 1917، فقد كان واضحاً في هدفه الاستراتيجي بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، والمقصود به دولة يهودية، وتحويل السكان الأصليين إلى مجرد أقليات لهم بعض الحقوق؛ هذان الركنان لوعد بلفور هما ملخص صفقة ترامب. 
وفي الحقيقة وعد بلفور هو وعد أمريكي، فلم يكن ليصدر من دون موافقة وتشاور مع أمريكا، كما أشار رئيس وزراء بريطانيا جورج لويد الذي تردد كثيراً في إصداره قبل الحصول على تأييد الرئيس الأمريكي ويدرو ويلسون، وهذا ما حدث.

وفي عام 1922 تبنى الكونجرس الأمريكي وعد بلفور رسمياً، ليصبح منذ ذلك التاريخ الأولوية الأساسية للكونجرس، وصولاً إلى اليوم. فلا يمكن فهم كل القرارات السياسية التي تصدر عن الرئاسة الأمريكية والكونجرس بدون فهم هذه الحقيقة التاريخية الثابتة. 
لقد وظفت الولايات المتحدة «الفيتو» لإجهاض كل القرارات الدولية ضد «إسرائيل»، مما ساعدها على التوسع والتمدد دون خوف من أية عقوبات دولية. ومن المحطات المهمة كان عدوان 1967، حيث احتلت «إسرائيل» كل سيناء والجولان وكل الأراضي الفلسطينية في الضفة وغزة، وهي الحرب التي ترتبت عليها في ما بعد كل التداعيات السياسية التي نراها اليوم، ثم لا ننسى حرب تشرين الاول 1973، وكيف أن إدارة الرئيس جونسون هددت بحرب نووية. 
وبعدها دخلت الولايات المتحدة في مرحلة الرعاية السياسية للتسوية بدءاً بالمعاهدة المصرية مع إسرائيل في عهد الرئيس كارتر، وبعدها معاهدة وادي عربة مع الأردن ثم أوسلو، وصولاً إلى إدارة الرئيس ترامب. 
بتحليل وقراءة مبادئ وأهداف السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الوسط نجد أن الثابت في هذه المبادئ هو الالتزام بأمن «إسرائيل» وبقائها وتفوقها، واعتبار أمنها بمثابة امتداد لأمن الولايات المتحدة.

كل الإدارات الأمريكية بدأت بوعود من الرؤساء الأمريكيين بإيجاد حلول للصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، والمنطلق الرئيسي لكل هذه الوعود يبدأ من نفس المنطلقات التي ارتكزت عليها صفقة الرئيس ترامب: أمن إسرائيل، و«شرعنة» الاحتلال، والقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، والاعتراف بيهودية «إسرائيل» كدولة للشعب اليهودي، وعدم عودة اللاجئين الفلسطينيين، بما يؤكد ثبات إسرائيل في السياسة الأمريكية. 
وما نراه اليوم في «صفقة القرن» التي تبدو أكثر تفصيلاً وشمولاً، هو أنها تلخيص وتجميع لكل هذه المواقف والوعود السابقة، وما قد يميزها هو أنها جاءت في بيئة سياسية تعمل لصالح طرحها، ولا شك في أن الضعف والانقسام الفلسطيني، إلى جانب شخصية الرئيس ترامب وحروبه التجارية وسياسة العقوبات التي يمارسها ضد العديد من الدول، جعلت الزمن مناسباً لطرح هذه الصفقة التي تدخل معها العلاقات الأمريكية الإسرائيلية مرحلة الاكتمال؛ أي مرحلة تحقيق أحلام «إسرائيل الكبرى»!

الصفقة تمنح «إسرائيل» كل ما حلمت به عبر عقود طويلة كما صرح الرئيس ترامب نفسه، فقد أعطاها السيادة الكاملة على كل فلسطين، والأولوية لأمنها، وشطب كامل ملفات القدس واللاجئين، وفوّضها بأن تعطي للفلسطينيين كل ما تراه مناسباً لأمنها. ولا شك في أن عملية إخراج الصفقة بحضور نتنياهو في البيت الأبيض، هي إعلان صريح بأن الخطة إسرائيلية بالكامل، وهو فعلاً ما أرادت أن تفرضه على الفلسطينيين على مدى أكثر من ثلاثين عاماً من التفاوض.

 

الدكتور ناجي صادق شراب*استاذ في العلوم السياسية - غزة