الكون في إجازة! | صحيفة السفير

الكون في إجازة!

سبت, 21/03/2020 - 22:27

لربما تحتاج الأرض إلى أيام من السكينة و الهدوء بعد مئات السنوات من الضوضاء ، لربما تحتاج الشوارع إلى خلع ثيابها والاستجمام تحت أشعة الشمس بعد أن اقلقتها العربات والمارة والبائعون والمتجولون والصارخون والمنادون..
نعم تحتاج جبهات الحروب إلى إيقاف القتل والذبح والقصف كي نتأمل السلام والأمان ونترك فرصة للنوم دون ارتعاش
تحتاج المدارس والجامعات والمعاهد إلى لحظة هروب ، واستعادة الصمت علها تتجدد مرة أخرى بروح مختلفة بمنهاج يحاكي الإنسانية روحاً وشعوراً
ولا ضير أن تغلق أبواب مباني الأمم المتحدة وتوصد شيئاً من الاشهر لتكون الطاولة المستديرة في قاعة مجلس الامن خاوية ومقاعدها دون أصنامها فيتوقف القرار الذي هدد الدول واستنزف المقدرات وأطاح بالسلم وعزز الفرقة وداس على العدالة
نعم ... يحتاج الفقير أن يملك مسافة زمن كي يسترخي أمام مشهدية كهذه يتساوى فيها الناس أمامه ، جميعهم خلف جدران الذعر والهلع وهو الوحيد اللا خائف لأنه لا يملك ما يملكون.
يحتاج المغدور خلف قضبان الظلم أن تدمع عيناه وهو يرى ظلامه محبوسين في غرف ضيقة جدرانها ليست محصنة
لا بأس أن منصات الخطابة ذاهبة إلى فراغ ، بعد أن تكدست بكلام زعماء أهملت شعوبها وتجاوزت خطوطها واختطفت مقدارتها واحتجزت أخيارها وانتهكت حدودها وارتدت اليوم كمامات بيضاء كي تحمي أفواهها.
نعم قد احتاجت المساجد والمعابد والكنائس في أيام معدودات إلى طرد روادها لتعقيم قلوبهم وأرواحهم من الكذب والدجل والنفاق والاتجار بالدين والهرج وقلة صلة الرحم والفجور وآكل الحقوق والزيف والبهتان والرجس والانكار ، فأغلقت بابها حتى ترتدي الأجساد أثواب الطهر والنقاء.
تحتاج البحار إلى ركود مياهها بعض الزمن بعد أن اتعبتها السفن المبحرة والبارجات العملاقة والقوارب السيارة ، لعل أسماكها تسبح بحرية دون انتظار صنارة صيادها.
تحتاج السماء إلى فضاء أكثر صفاء دونما آلاف الطائرات التي تحلق وتنفث العوادم ، لعل الطيور تفرد أجنحتها غير أبهة بالمعادن الطيارة ، وتعلن تحرير السماء من الاحتلال البشري.
يحتاج الحب إلى زمن طويل ، لتتم محاكمة مستخدميه ، هل أنتم محبون ؟ هل انتم تعيشون معاني الحب ؟ كيف أحببت ومنحت وآثرت ؟ كيف قلبت الوهج إلى ظلام؟ والمسامحة إلى كره ؟ والوفاء إلى غدر ؟ والروح إلى مادة ؟ والإحساس إلى فولاذ ؟
تحتاج البنوك والبورصات إلى راحة ما ، تسكت خلالها ماكينات عد النقود التي باتت معيار البشرية ومقياسها وهدفها وعقلها وروحها ، والتي صارت نظرية لها أنصارها واتباعها وجيشها وحماتها من الجشعين والطماعين والبخلاء والمرابين .
يحتاج الساعي وراء المال إلى صفعة على خده ، ليستيقظ من غلوه ، من اختلاف أولوياته ، من هرولته ليزداد رصيده ، من إصراره على تحطيم الأرقام ، من شرب نخب انتصاره في صفقة ما ، من اطاحته بمنافسه بأدوات الشيطان ، من احتكاره ، من تهميشه لمربعه الأول ، من تحوله إلى روبوت منزوع المشاعر . من قسوته ، من تحجره ، يحتاج ذاك الساعي إلى أن يتيقن أن صرخة ابنك وهو يريدك لا يتم تلبيتها بالمال ، إن انتظار حبيبتك لك لا يوازيه أيضاً المال ، عليك أن تتيقن أن قيمة الاشياء الجميلة لا تتحق بعمليات البيع أو الشراء
نعم أيها البشر أينما كنتم ...يحتاج المرء خلال إجازته أن يقف أمام ذاته ويراجعها وتراجعه لاستصدار كشف حساب ماذا قدمت وماذا فعلت ومن ظلمت ومن حاربت ومن خدعت ومن سرقت ومن هاجمت ومن طعنت ومن شتمت ، من خنت ،؟؟
نحتاج أن نصارح ذاتنا بأمور لا يمكن أن يعلمها إلا نحن ، نحتاج أن نتعلم ونتدبر ونتعظ ونفهم علنا نصير أكثر بشراً ، علنا ندافغ عن آخر معاركنا ونعيد الأخلاق التي غادرتنا.

 

الكاتب: مازن الحساسنة