بعد تجاوز حاجز الألف إصابة: كيف وصل "كورونا" إلى هرم السلطة؟! | صحيفة السفير

بعد تجاوز حاجز الألف إصابة: كيف وصل "كورونا" إلى هرم السلطة؟!

أربعاء, 10/06/2020 - 12:26
صورة الغلاف

طفرة جديدة في عدد الإصابات بوباء كورونا في موريتانيا، أربعة أسابيع فقط، كانت كافية لإعلان إصابة 1039 شخص بالفيروس وسط حالة من الهلع والتوجًس تنتاب الجميع، رغم أن العودة للحياة الطبيعية كانت قاب قوسين أو أدنى، لولى إعلان يوم 16 مايو، الذي كان بمثابة الشرارة الأولى لتفشي الجائحة.

ومع إعادة تشديد الإجراءات بعد شهر رمضان المبارك، وزيادة ساعات حظر التجول، إلا أن استمرار فتح الأسواق ظلً هاجساً يؤرق الكثيرين على الرغم من أن اغلب الإصابات التي أعلن عنها تعود لمخالطين للحالة التاسعة أو لمخالطيهم، فيما انحسرت معظم الحالات في العاصمة انواكشوط، لتتطاير بعد ذلك بضع حالات في بعض الولايات في حين بقيت أخرى بمنأى عنه لحد الساعة.

ما بين 16 مارس و 16 مايو..

لم تكن طائرة عصر يوم 16 مارس القادمة من باريس، والتي حملت معها الفيروس إلى موريتانيا، أكثر غموضاً من الحالة التاسعة التي أعلن عنها بعد شهرين وتحديدا مساء الـ 16 مايو الماضي، بل كانت بمثابة الشرارة الأولى للأرقام المهولة التي سُجلت في غضون شهر واحد، لتأتي بحسابات عكسية وتؤكد بأن الفيروس موجود داخل موريتانيا وليس بالضرورة أن يكون حصراً ضمن رحلة باريس تلك.

تغيرت المعطيات يومها، واصبح لزاماً على الطواقم الصحية تشخيص الوضع والتكيًف معه بأقصى سرعة، لتبدأ مرحلة البحث والتقصي عن مخالطي "التاسعة" التي لم تغادر ارض الوطن قبل سنتين، لكن تحرك الفيروس كان أسرع  ولحق بالطواقم الصحية نفسها؛

كانت حالة "كيفه" أول قطرة ليتبعها طبيب رئيس في مستشفى الصداقة وسيدة تيارت فيما بعد، غير أن المزعج والمحيًر في آن واحد، هو أنه لحد الساعة لم يكشف عن السبب الحقيقي لإصابة الحالة 9 الذي وافاه الأجل المحتوم ساعات بعد إعلان إصابته، رغم تأكيد وسطه الاجتماعي بأنه كان يعاني من أمراض مزمنة.

تخبًط أم ضعف؟

يقع اللوم كله في الحالة الصعبة للبلاد وهي تعيش مرحلة الذروة في انتشار كوفيد19، على وزارة الصحة، رغم تضافر جهود أكثر من قطاع حكومي في مجابهة جائحة كورونا (اللجنة الوزارية لمكافحة كورونا)، لكن هل وفرت لوزارة الصحة كل المستلزمات الضرورية؟.. وهل كوًنت الطواقم الصحية حقاً على التعاطي مع الحالات الطارئة؟.. وكيف تعاملت مع أكثر من ألف مصاب بعد أن كانت الإصابات لا تتجاوز 9 توفيً من بينهم حالتي شفاء وحالتي وفاة؟!

"في الأسبوع الأول بين 11 و17 مايو سُجّلت 53 حالة جديدة. و في الأسبوع الثاني 18 – 24 مايو فقد تضاعف عدد الحالات ثلاث مرات ووصلت إلى 175 حالة أسبوعيا. وفي الأسبوع الثالث بلغت الزيادة نسبة 68 بالمائة ووصل عدد الحالات الأسبوعية إلى 294 حالة.  

أما في الأسبوع الرابع فقد بلغت نسبة الزيادة 93 بالمائة ووصل العدد إلى 566 حالة أسبوعيا". 

جغرافيا، سُجّلت حالات جديدة في 8 ولايات بالإضافة إلى نواكشوط وولاية كوركول التي سُجلت فيها حالات سابقا ولم تبق هناك سوى أربع ولايات فقط هي التي لم تسجّل فيها حتى الآن أي حالات.

شفافية الوزارة واختفاء الوزير!

عمدت وزارة الصحة منذ نهاية الشهر المنصرم، إلى إجراء نقطة صحفية يومية، عوضاً عن نشرتها التي كانت تنشر عبر وسائل الإعلام الرسمية، محاولة منها لإطلاع الرأي العام على جديد الحالة الوبائية في البلد، غير أنها بالمقابل اقتصرت على إعلان الإصابات والوفيات وحالات الشفاء، دون إعطاء تفسير لتساؤلات ظلت عالقة، خصوصاً عن سبب ما يسمونها الحالات المجتمعية، وكيف ظهر المرض من الداخل رغم كون الصين وأوروبا المصدر الأول لتفشيه؟!

أصبح المواطن ينتظر يومياً ظهور مدير الصحة العمومية لمعرفة جديد الفيروس، بعد أن ضاق ذرعاً من الوزير نذيرو الذي كان يظهر في أوقات متأخرة من الليل لإطلاعه على الحالات المسجلة، غير أن الوزير سرعان ما اختفى تحت تأثير التندُر وصيحات استهجان رواد التواصل الاجتماعي، ليصبح المدير سيدي ولد الزحاف فيما بعد، موضع سخرية بل وتطيًر في بعض الأحيان على الرغم من الحرص اليومي على تزويد الجمهور بآخر الأرقام.

وقد تفاقمت حالة السخط تلك في الأوساط العامة، بسبب تزايد إلصاق صفة الفيروس بالوفيات الجديدة، حيث تُسجل في انواكشوط حالة إصابة بكورونا من بين كل ثلاثة وفيات، ما دفع بعض الأهالي إلى الاحتجاج على المستشفيات التي ترفض تسليم الميًت لذويه قبل تعقيمه!

وفي الوقت الذي كان يرى فيه الرأي العام أن السلطات لم تقم بواجباتها تجاه آلاف الأسر التي تضررت من إغلاق الأسواق والحظر، وأن التدخلات التي قامت بها كانت خجولة ومهينة أحيانا، ولا تكفي التوزيعات التي قيم بها لسد حاجياتهم رغم الأموال الباهظة التي حصدها صندوق كورونا، جاء قرار إعادة فتح الأسواق بارقة أمل لاستئناف دورة الحياة بالنسبة للبعض، لكنه كان تهوراً غير محسوب العواقب للبعض الآخر، بسبب عجز الطواقم الصحية عن علاج المصابين، وهو ما كشفه الرقم الكبير لعدد الوفيات الذي فاقَ قبل أسابيع عدد حالات الشفاء، وعكس ضعف المنظومة الصحية في موريتانيا وعدم جاهزيتها لمجابهة الجائحة خصوصاً فيما يتعلق بدقة الفحوصات التي أربكت المرضى وأثرت على نفسياتهم لكثرت البلاغات الكاذبة.

ومع تزايد الأصوات الأصوات المطالبة بضرورة رفع الإجراءات الاحترازية ودخول مرحلة التعايش مع الفيروس برزت حالات "مجتمعية" مخيفة، تنذر بموجة جديدة قد تكون أكثر خطورة، وهي الحالات التي "لا تصاحبها أعراض المرض المعروفة"،.. لكن كيف انتقل الوباء إلى كبار المسؤولين في الدولة، وهم من يفترض أنهم أكثر احترازا وحيطة؟!.

بعد مرور أسبوعين على تسجيل أول إصابة لمسؤول سامي بالدولة، ويتعلق الأمر بالأمين العام المساعد للحكومة، تسلًل الخوف والهلع إلى نفوس عامة المواطنين، خصوصا وأنه إن أصيب من يفترض أنهم أكثر وعياً بخطورة بالوباء فهذا يعني أن الجميع أصبح مهدداً، وأن كل ما قيم به ذهب أدراج الرياح، لكن هول إصابة قائد الدرك ومن بعده وزير التوجيه الإسلامي، كان أكثر وقعاً ما يعني أن ابرز قيادات الجيش وأعضاء الحكومة دخلوا دائرة الخطر، وبات لزاماً عليهم حجر أنفسهم والتطبيق الصارم للإجراءات الاحترازية، وهو ما يطرح أكثر من استفهام عن حجم الاستهتار وعدم الاكتراث بتعليمات الطواقم الصحية من طرف من هم في هرم السلطة، قبل معرفة كيفية وصول الفيروس إلى صناع القرار؟!

 

 

الموضوع الرئيسي لعدد "السفير" رقم 1165، الصادر الثلاثاء: 09/06/2020