البيطرة في موريتانيا: صورة من الواقع .. (تحقيق) | صحيفة السفير

البيطرة في موريتانيا: صورة من الواقع .. (تحقيق)

أحد, 18/10/2020 - 14:56

تقوم السلطات المختصة في بلادنا  منذ ظهور الحالات الأولى من مرض "الباستريلا"  بحملات شاملة  لتلقيح المواشي بالإضافة إلى جهود مكثفة للتحسيس.

ويعود السبب المباشر لهذا المرض "الباستريلا" إلى فيروس ينتقل عن طريق ملامسة الحيوان المصاب أو شرب لبنه وأكل لحمه.

إن قطاع البيطرة؛ هو المعني بالحفاظ على صحة الحيوان، من منطلق أهمية الحفاظ على صحة الغذاء، الذي يعد الحيوان مصدره الأول في بلادنا، ورغم ذلك  لا توجد معلومات واضحة عنه (قطاع البيطرة) من حيث التنظيم والوظائف التي يقوم بها، في بلد يمتلك ثروة حيوانية معتبرة يجب أن يتم الاعتناء بترقيتها  من طرف السلطات المعنية.

نظرة عن كثب..

كانت البداية من "مـسلخ تنويش" عند مدخل العاصمة الشرقي .

قريبا من المسلخ؛ تتكشف لك الحظائر وأشباه المنازل ويـصم آذانك رغاء الإبل وخوار البقر، وعند مدخل المسلخ تصطف عشرات السيارات والمواطنين الذين جاءوا للتزود بما تيسر من اللحوم الحمراء.

أثناء تجوالنا في المسلخة  لاحظنا أنها تعاني من مشاكل عديدة، من بينها الطاقة الاستيعابية، حيث كانت مخصصة لذبح مابين( 75 إلى 80 رأس ) يوميا وهي تزيد على هذا الرقم كثيرا حيث يذبح فيها ما يتجاوز 200 رأس ـ بحسب شهادات بعض الجزارين ـ

وحسب مشاهداتنا فإن المسلخة بها نقص كبير في المعدات، كما تحتاح أرضيتها إلى الترميم، وهناك بعض الجزارين الذين لا يهتمون بمظهرهم  إلا نادرا، يتخطفون ذات اليمين وذا الشمال لاصطياد الزبناء القادمين.

طريقة شحن اللحوم عشوائية، ولا تقل فوضوية عن طريقة الذبح والسلخ، سيارات متهالكة  ينخرها الصدأ وجحافل ذباب هنا وهناك ..إنها ظروف تعرض صحة المواطن لخطر كبير.

جولتنا شملت أيضا مسلخين للأغنام أحدهما في الحي الساكن والثاني في الميناء ويشبه الأخير في ظروفه مسلخ "تنويش" ويذبح  فيه يوميا  700 رأس  حسب القائمين على إدارته .

بينما يعتبر مسلخ الحي الساكن؛ حديثا  حيث يتم فيه ذيح 100 رأس يوميا ومعداته جيدة ويقصده زبائن كثيرون  لوجوده في منطقة وسطى بين عدد من مقاطعات العاصمة ذات الكثافة السكانية العالية.

تجرى الفحوص البيطرية للحيوانات قبل النحر وبعده للتأكد من سلامتها من الأمراض قبل أن  توزع لحومها في  الأسواق والمجازر.

وتشير إحصائية حديثة إلى أن الثروة الحيوانية في موريتانيا  تقدر على النحو التالي: 1.4 مليون رأس من الإبل و1.8 مليون رأس من البقر و19.3 مليون رأس من الأغنام.

وتنتج موريتانيا 268 طن من اللحوم سنويا وتصدر 370 ألف رأس من الأغنام إلى دول غرب أفريقيا.

عبد لله ولد سيدي أحد الزبناء قال في شهادته لنا: نستحق كمواطنين توفير مجازر عصرية تعرض لحوما نظيفة وتنقل لها بطريقة  عصرية وآمنة .

وأضاف الدولة مطالبة بسن قوانين صارمة في هذا المجال، وبالاستثمار في هذا الميدان؛ من خلال تشييد محلات مكيفة ومجهزة للجزارين، مقابل أقساط شهرية يدفعونها لتسديد التكاليف، والباعة عليهم مسؤولية نقل اللحم بطريقة صحية، فلا يعقل أن تكون اللحوم  في بيئة غير آمنة وتنقل بطريقة مكشوفة تعرضها للتلوث.

وختم بالقول 60% من أمراضنا ناتجة عما نأكله من لحوم معرضة للتلوث فهل من منقذ؟

وظائف نجهلها للطبيب البيطري

الكثيرون يعتقدون أن الطبيب البيطري هو من يقوم بعلاج أمراض الحيوانات فقط، ولا يدركون ما له من أدوار أخرى تعود بالنفع على صحة المواطن وغذائه؛ فهو الذي يسهر على سلامة لحوم الحيوانات والدجاج وحتى الأسماك، ويستعين بالبحث العلمي على تطوير السلالات لتنتج اللحوم والألبان بغزارة وبتكلفة أقل..

ولا يقتصر دوره على صحة الثروة الحيوانية فحسب؛ بل يتجاوزها إلى المحافظة على صحة الفرد والمجتمع من الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان.

يقول محمد ولد محمد سالم بيصة دكتور بيطري مفتش لحوم في حديثه إلينا: إن الذبح العشوائي في الأماكن البعيدة عن الرقابة ترجع أسبابه إلى التهرب من فحص اللحوم، ودفع الضرائب، وشدد على أن هذا النوع من اللحوم لا ينصح البيطريون باستعماله بل تجب مصادرته وتطبيق القانون على مرتكبه.

ونوه إلى ضرورة وجود أختام المفتشين البيطريين على اللحوم قبل شرائها، مشيرا إلى أنه لا ضرر للمادة الصبغية للأختام على الصحة العامة.

وأكد ولد بيصة أن الحيوانات المذبوحة في مسلخة تنويش تخضع للفحوص اللازمة قبل وبعد الذبح وأنها صالحة للاستهلاك البشري، بشرط أن لا تتعرض للتلوث من العاملين أو من السيارات التي تنقلها باتجاه الأسواق.

ويعتبر ولد بيصه أحد جنود الخفاء، الذين يسهرون على حماية صحة المواطن برقابة  سلامة الحيوانات التي سيتم  نحرها بمسلخ "تنويش" حيث يسايق ساعات الفجر الأولى  للوصول إلى المسلخ  بغية القيام بعمله ـ حسب شهادة منتدى المستهلك الموريتاني ـ

وتأكيدا لما ذهب إليه ولد بيصه يقول حبيب الله رئيس مصلحة الطب البيطري بوزاراة التنمية الريفية  إن السلطات الصحية تقوم بحملات تحسيس على عموم التراب الوطني لنشر ثقافة الذبح في المسالخ وعرض اللحوم على البيطريين، مشددا على ضرورة التبليغ بالمخالفين الذين تطبق عليهم فورا العقوبة المتمثلة في مصادرة اللحوم وإطعامها للمساجين بعد إجازتها من البيطريين.

البيطرة..الدراسة والاختصاص

حول واقع أطباء البيطرة تحدث لنا الدكتور محمد ولد عبد الرحمن خبير في المجال، حيث أكد أن الطبيب البيطري يعاني الأمرين في دراسته وبعد التخرج يتعرض للتهميش؛ويخطئ البعض حين يتصور أن الدراسة في الطب البيطري أسهل من دراسة الطب البشري.

وقال إن عدد الأطباء البيطريين الموريتانيين يبلغ حوالي 125 ولا يتجاوز أصحاب التخصص منهم 7 موزعين على قطاعات التنمية الريفية والصيد ووزارة التجارة والصناعة والسياحة.

وتابع أنه منذ سنة2011  يتم تكوين 19 فني في البيطرة يدخلون سوق الشغل من تخصصات مختلفة.

وطرح تساؤلات عن  أسباب  عدم اكتتاب أطباء البيطرة في الوظيفة العمومية رغم الحاجة الماسة لهم في أغلب  القطاعات.

وقد تحدث لنا بإسهاب عن الأمراض الشائعة في الثروة الحيوانية بموريتانيا  فقال:

تصاب الثروة الحيوانية في بلادنا بأمراض كثيرة ومتعددة، خاصة في موسم الخريف وهناك أمراض خاصة بكل نوع:فالإبل تصاب بما يسميه المنمون (إيمندي) وهو مصطلح يطلق على الديدان المعوية والكبدية، وهناك الطفيليات الخارجية التي تسبب الجرب والقرع والكردان.بالإضافة إلى الأمراض الجرثومية، وهو ما يطلق عليه أهل الإبل (انحاسة)

كما أن هناك بعض الأمراض التي تعتري صغار الإبل (الحيران) وتسمى محليا بـ (ادويدة) وهو مرض شائع سيما في هذه الموسم، و الإصابات الهضمية الناتجة عن الغذاء كالتي تتسبب فيها الأعلاف وبعض أنواع النباتات (حمى الوادي المتصدع) التي تظهر أعراضها في الرعاف والإجهاضات انتهاء بالنفوق الجماعي للقطعان.

وبخصوص البقر فإنه يعاني في هذا الموسم من الإسهالات والتورم (انفاخ)  ويرجع ذلك إلى تناول النباتات السامة؛ وأنوه هنا إلى ضرورة  أن توفر الدولة بالتعاون مع المهندسين الزراعيين قائمة بالنباتات السامة على عموم التراب الوطني، لتكون معروفة من قبل المنمين والأطباء البيطريين.

ومن الأمراض الشائعة في البقر كذلك الالتهابات الرئوية والإسهالات الحادة، وتنتشر حاليا بين صغارها بشكل قاتل، وهو ما يعرف عند المنمي المحلي  بـ "بوكعارة" كما تتسبب الحشرات في نقل أنواع من الحميات مما يستدعي مكافحتها من طرف السلطات الصحية حتى لا تكون ثروتنا الحيوانية عرضة للخطر.

كما تنتشر الملاريا في المناطق الأكثر رطوبة في الشرق.

هذا عن الأبقار أما الأغنام: فتعاني أيضا من أنواع الديدان الداخلية بأشكالها المختلفة، وكذلك القمل والجرب وفي هذا الموسم ينتشر "اطيار" الموت المفاجئ للدواب، وتسببه أنواع من الجراثيم، وهناك لقاح وقائي منه، وفي الكثير من الحالات تكون دابته مصابة بديدان الكبد، وعليه فإنه من الخطأ الصحي الجسيم أكل هذه اللحوم لما لها من أضرار على صحة الإنسان.

 وهنالك أمراض مشتركة بين الإنسان والحيوان منها الحميات النزيفية التي تصيب الحيوان وتنتقل عن طريق اللحوم والألبان والأجبان...وكذلك جميع أنواع الإسهالات بالإضافة إلى السل الرئوي والأمراض الفيروسية...

الطب البيطري .. صورة من الواقع  

يقول الدكتور البيطري جبيب الله رئيس مصلحة ...

توفر السلطات عيادة صحية بيطرية لعلاج الحيوانات قرب المدرسة رقم 2 بلكصر يديرها دكتور بيطري  صحبة فنيين في القطاع؛ وتقدم هذه العيادة خدماتها لملاك الحيوانات من فحوص ووصفات وأدوية.

وقد تم ترميم العيادة المركزية بالتعاون مع "ريم راب" بدعم من الاتحاد الأوربي، وهي أكبر وأقدم العيادات في بلادنا، ولكن نظرا لنقص الكادر البشري؛ لم يتم افتتاحها رسميا وهي التي كان الأطباء البيطريون الموريتانيون يقضون فيها فترة التربص التي تطلبها الجامعات التي يدرسون فيها قبل الحصول على شهادة التخرج.

 وعدا عن ذلك فإنه كثيرا ما يتم اللجوء إلى الصيدليات البيطرية قرب سوق العاصمة من طرف أصحاب الحيوانات المريضة للتشخيص والعلاج الذي قد يكون بتشخيص مباشر من طرف البيطري للمرض بعد معاينة الدابة المريضة ووصف العلاج المناسب لحالتها، وقد يكون بوصف مالك الدابة لأعراض مرضها ووصف العلاج وصرفه بشكل مباشر للزبون.

وأخيرا فإنه من المعروف أن بلادنا تمتلك ثروة حيوانية كبيرة، يمكن الاستفادة منها بشكل اقتصادي  إذا ما تم وضع استراتيجية فعالة لحمايتها وضمان جودة ومردوديتها.

إن قطاع البيطرة هو صمام الأمان لحماية الثروة الحيوانية، ولديه طرق علمية شتى للعمل على جودة منتوجها من جهة وضمان وفرتها من  جهة  أخرى.

 

تحقيق من إعداد: محمد ولد سيدناعمر