"السفير" تحاور شيوخ قبائل الصحراء بجنوب المغرب (الحلقة الأولى) | صحيفة السفير

"السفير" تحاور شيوخ قبائل الصحراء بجنوب المغرب (الحلقة الأولى)

أربعاء, 11/07/2018 - 19:28
محمد فاضل ولد الشيخ امربيه ربه

موفد السفير: محمد عبد الرحمن ولد الزوين/

مع مرور أزيد من ثلاثة عقود على بروز قضية الصحراء تعيش الأقاليم الصحراوية في الجنوب المغربي نهضة عمرانية واقتصادية ضخمة مكنت من إذابة الفوارق بين مدن الأقاليم الصحراوية ومدن المملكة الأخرى..

وشهدت الثلاثون سنة المنصرمة مسارا متكاملا لدمج السكان المحليين في مختلف مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية.

ويرى عدد من شيوخ قبائل الصحراء أن السكان في الأقاليم الجنوبية اندمجوا بشكل كامل في النسيج المغربي الذي هم جزء منه، حسب قولهم.. وأوضح هؤلاء أثناء لقاءات أجرتها معهم "السفير" أن الحل النهائي لملف الصحراء بات بيد الأمم المتحدة، وأن تصريحات المبعوث الخاص للأمين العام للمنظمة الأممية، بيترفان والسوم مؤخرا بخصوص قضية الصحراء، تؤكد أن المطالبة باستقلال الصحراء عن المملكة المغربية غير واقعية ومستحيلة.. وهو ما يرون أنه يبرهن على أن كل المؤشرات تؤكد الرؤية المغربية القائلة بمنح الأقاليم الصحراوية حكما ذاتيا موسعا ضمن السيادة المغربية..

ويؤكد ممثلو قبائل الصحراء أن دول الجوار -خاصة موريتانيا والجزائر- تضطلع بدور مهم في تسوية الملف الصحراوي الذي يعوق مسيرة اتحاد المغرب العربي.. معتبرين أن على الدول المغاربية واجبا أخلاقيا في إنهاء ما يسمونه معاناة إخوتهم في مخيمات لحماده؛ وهو واجب يقع كذلك -حسب طرحهم- على عاتق منظمات حقوق الإنسان العالمية وهيئة الأمم المتحدة..

ويسود الاعتقاد في أقاليم جنوب المغرب بأن مقترح المغرب منح هذه الأقاليم حكما ذاتيا موسعا، يشكل أفضل خيار أمام السكان لتجاوز الوضع الراهن؛ خاصة وأن المقترح المذكور يحظى بقبول معظم قبائل الصحراء، ويدعمه جل دول العالم؛ وخاصة القوى الدولية ذات التأثير في الساحة العالمية..

وهو تصور يدعمه التحاق العديد من مؤسسي وقادة ونشطاء جبهة البوليساريو بالمملكة المغربية وإعلانهم تبني مبدأ مغربية الصحراء الغربية..

محمد فاضل ولد الشيخ امربيه ربه زعيم قبلي (أهل الشيخ ماء العينين) تحدث في هذا الإطار إلى "السفير" فقال:

هذه فرصة طيبة أشكركم عليها؛ فالحق أحق بالذكر وأحق بالاستماع إليه.. هذا المشكل وهذا الملف الذي مضى عليه ردح من الزمن، نرجو من الله سبحانه وتعالى أن يجد حلا عادلا ونهائيا في الدوائر العليا التي وصل إليها.. حيث لم يعد على مستوانا نحن ولا حتى على مستوى بعض المسؤولين الذين هم في مواقع أعلى منا.

لكن حين نسأل عن هذا الملف، فإننا نقول بداية إن الحديث عنه والإلمام بجميع جوانبه وأبعاده يتطلب كثيرا من الوقت، ولا تكفيه جلسة أو مقابلة واحدة.. إلا أن ما لا يدرك كله لا يترك بعضه أو جله..

على أية حال هذا الجنوب المغربي يكن كل الاحترام للجمهورية الإسلامية الموريتانية ورعاياها؛ وقد علمنا أن صاحب الجلالة نصره الله سيزور موريتانيا ونسأل الله عز وجل أن يزيد من مكانة الروابط الطيبة بين بلدينا الشقيقين.. ونحن محكوم علينا بالمضي قدما على طريق التعاون الثنائي في كافة المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.. ذلك أن ما يجمعنا هو أواصر الجوار والجغرافيا والتاريخ الواحد والأصول المشتركة، ويجب على كل من الجمهورية الإسلامية الموريتانية والمملكة المغربية الاستمرار في توثيق التعاون بشأن جميع القضايا؛ خاصة هذه القضية المطروحة على عانق الأمة المغربية بشكل خاص، وحتى على عاتق الأمة الموريتانية؛ لأننا نعول عليها كثيرا في العمل على تسويتها.

سأترك لغيري الحديث عن موضوع الحكم الذاتي.. ما أود قوله هو أن هذا المشكل يجب أن يطوى الجدل بشأنه، وحبذا لو أن الصحافة الموريتانية ساهمت في إسماع صوت الحق وكشف ما يعانيه أبناؤنا ونساؤنا وإخواننا وشيوخنا في منطقة لحماده، والكل يتفرج عليهم؛ ليس من اللائق أن تترك شعوب وحكومات المغرب العربي إخوتهم من الرجال والنساء والعجزة أكثر من ثلاثين سنة محتجزين في مخيمات لحماده؛ كما أن ذلك غير مقبول من جميعات وهيئات العالم التي تنادي بحقوق الإنسان، وفوق ذلك لا يليق بالأمم المتحدة أن تقبل بهذه الوضعية.. نحن كشعب وكشيوخ قبائل حددنا هويتنا وتفاعلنا مع هيئة من هيئات الأمم المتحدة جاءت هنا في إطار "المونيرسو" كما تعلمون؛ وهي هيئة تحديد الهوية، التي هي هيئة ضخمة وتمثل لب منظومة تسوية المشكل وأكملت عملها وكان الموضوع منتهيا..

الحقيقة أن أبناء الأسرة الواحدة قد يكون بعضهم غير راض تماما عن معاملة والد الأسرة لهم؛ لكن ذلك لا يغير من الواقع شيئا، فالأب يظل أبا والأم تظل هي الأم.. والأمر ينطبق تماما على الوطن وأبنائه..

لم يتقدم المسار.. بل توقف بفعل بعض العراقيل التي جرى الحديث كثيرا بشأنها في وسائل الإعلام الوطنية والدولية.

نحن ليس لدينا سوى مشاعر نعبر عنها بصدق، ورأيي الخاص هو أننا عشنا هنا طيلة هذه العقود الثلاثة ضمن الأمة المغربية، بعد أن رحل الإسبان -لا ردهم الله- واندمجنا كليا.. نحن أغلبية صحراوية إن جاز التعبير وكانت هناك أغلبية وأقلية، وإن جاز الحديث عن وجود عدة شرائح اجتماعية وعدة جهات مكونة للمغرب..

هذه الأغلبية اندمجت منذ ثلاثة عقود من الزمن، وأبناؤنا اليوم منهم المهندسون والأطباء والأساتذة والخبراء ومختلف التخصصات والكفاءات.. والواقع عندنا أنه يوجد مغاربة إلى جانب بعضهم البعض، ودورنا هو -تماما- كدور جميع أفراد الأمة المغربية، والمشكل مشكل الشعب المغربي؛ وهنا يكمن الغلط الذي يقع فيه البعض أحيانا..

فحسب رأيي، وانطلاقا من متابعتي للملف الذي تم اصطناعه أمام عيني؛ حيث كنت من مؤسسي الجبهة وأعرف جميع مؤسسيها الذين كانوا يدرسون في الجامعات المغربية في شمال المملكة، وغيرهم.. لكن 80%  من الضحايا على الصعيد الإنساني كانوا منا نحن السكان المحليين. عانينا من انعكاسات في المجال الاجتماعي جراء هذا الملف المصطنع.. وهي انعكاسات صعبة لا يدركها الذين يعيشون في انواكشوط أو الرباط أو إسبانيا.. لا يعرفها سوى السكان هنا..

نتمنى إيجاد حل يكشف الحقائق ولا يقلبها.. وفي عالمنا اليوم عندما يتم قلب الحقائق، لن يكون بإمكاننا أن نتحدث.. ورحم الله جلالة الملك الحسن الثاني، عندما قال: "لا غالب ولا مغلوب".

التصريح الأخير الذي أدلى به فالسوم حول عدم إمكانية حصول استقلال كامل في هذه المنطقة، استنتجه من دراسته العميقة لجوانب القضية ومن خلال تشابك المشكل وتداخله مع الدول المجاورة مثل موريتانيا والجزائر، وحتى جنوب المغرب نفسه ككل.

هذا التشابك يجعل من الصعب قيام دويلة مستقلة تطل على المحيط الأطلسي؛ لكن في إطار المغرب العربي، وتفعيل الاتحاد المغاربي وتطوير هيكلة المغرب العربي، الذي لم يتمكن من البروز والتشكل، يجب حل هذا المشكل والمساعدة في تخليص عجائزنا وإخوتنا وأخواتنا وأبنائنا، الذين أمضوا أزيد من ثلاثين سنة لم يروا فيها البحر يوما؛ تتم المتاجرة بهم في أوروبا وأمريكا اللاتينية، يعانون في مخيمات مزرية، يتم التلاعب بهم وبأطفالهم الذين يتم تنصيرهم أحيانا..

حديث السيد فالسوم الذي أشرت إليه آنفا أعطانا أملا بإمكانية حدوث اتفاق وإمكانية توصل الأطراف إلى حل واقعي ومعقول يضمن بقاء هذه الأرض تحت السيادة المغربية؛ لأنها تاريخيا وجغرافيا وسياسيا وإنسانيا، تكفلها البيعة، ونحن مسلمون لله الحمد والمنة.

والبيعة الإسلامية قوية جدا، وربما لا تعرف الأمم المتحدة قيمتها وقوتها القانونية في الإسلام..

نتمنى التوصل إلى حل يضمن السيادة المغربية واستمرارية البيعة.. وفي الأخير أشكركم على هذه المبادرة الطيبة وأتمنى مزيدا من الاهتمام والتواصل المستمر على مستوى الصحافة وعلى مستوى النخبة إن صح التعبير؛ ولكن أيضا مستوى التمثيل التقليدي الاجتماعي وعلى مستوى الشباب والجمعيات والمجتمع المدني حتى يفهم الجميع حقيقة هذا المشكل ويضعه في إطاره الصحيح ضمن التصور الإيجابي..

 

السفير- العدد: 720

الصادر بتاريخ: 02 يونيو 2008