مذكرات الأسير بسجون البوليساريو محمد فال ولد أكًاه (الحلقة التاسعة) | صحيفة السفير

مذكرات الأسير بسجون البوليساريو محمد فال ولد أكًاه (الحلقة التاسعة)

اثنين, 25/11/2019 - 17:08

ليلة في السماء: خرجنا من مخفر الشرطة وتم نقلنا على دفعتين حيث أن السيارة التي يستقلها مستقبلانا كانت صغيرة لا تتسع لنا جميعا وحين وصلنا إلى الفندق الذي تتخذ منه البوليساريو مقرا لمكتبها جهزوا لنا غرفة كبيرة بملحقاتها وزودونا بمستلزمات الشاي وقد ألح مسؤول المكتب نفسه (داهي ولد ابنيجارة) وكان شابا لطيفا بأن يعد لنا الشاي بنفسه وحين رفضنا خرج وطلب منا أن نخبره إن احتجنا لأي شيء وأن نحاول أن نستريح قدر المستطاع لأنه أمامنا غدا رحلة طويلة وشاقة .

في مساء اليوم الموالي وكان يوم العشرين من ابريل 1979 انطلقنا نحو المطار بصحبة مرافقنا الجديد وجلادنا في المستقبل (احمد سلامة أبريك) وفي المطار أذكر أنه عندما هم أحد أفراد الجمارك بتفتيش أمتعتنا اليدوية احتج عليه بأنها أمتعة دبلوماسية فأشفقت على الدبلوماسية من نعل مغبر كان مدسوسا تحت الملابس وكأن ذلك الجمركي اضطلع على ما كنت أفكر فيه فأخرج ذلك النعل الذي ليس غريبا علي ورفعه وهو يبتسم ساخرا :" هل هذه أمتعة دبلوماسية ؟".

بعد عملية التفتيش "الدبلوماسية" المهينة تلك صعدنا وأقلعت بنا طائرة الخطوط الجوية الجزائرية في حدود الساعة السادسة مساء وكانت شبه خاوية إذ أنه باستثنائنا نحن الأربعة ومرافقنا لم يتجاوز عدد الركاب خمسة أشخاص فقط ، بل أننا سنكتشف لاحقا أن أحد هؤلاء الركاب الخمسة هو شاب موريتاني من قومية (الولار) يدعي أنه "معارض للنظام الموريتاني" ومن خلال انزعاج مرافقنا من الحديث معه عرفت أن ثمة سر في الأمر لا يريدنا أن نضطلع عليه ، وخلال حديثي المقتضب معه حدثني عن التمييز ضد الزنوج في موريتانيا وعن رسالة 19 إطارا زنجيا التي صدرت سنة 1966 .

حين صعودنا للطائرة كنا نعتقد أن الرحلة لن تستغرق ليلة كاملة غير أنها استمرت حتى الساعة السادسة من صباح اليوم الموالي الواحد والعشرين من ابريل 1979 ، اليوم الذي سيكون بداية التحول الدراماتيكي في حياتي وحياة العشرات من الموريتانيين الأبرياء الذين سيصبحون ضحية لقيادة نظرت إليهم كألد أعدائها وبتمالئ أو على الأقل بعلم ممن يحكم بلادهم .

كانت المحطة الأولى لنا في مطار نيامي بالنيجر حيث نزل الركاب الأربعة الذين كانوا على متنها وبعد انتظار فترة ليست بالقصيرة صعدت معنا سيدة واحدة متوجهة إلى العاصمة المالية بماكو والتي ستكون محطتنا الأخيرة قبل الجزائر وحين أقلعنا منها تقدم أحد أفراد الطاقم لقدم اعتذارهم لعدم التمكن من تقديم أية وجبة بسبب عدم توفر الطعام في المطارات التي توقفنا فيها وبعد الاعتذار قدموا لنا بعض المكسرات والبسكويت وقنينة ماء صغيرة لكل واحد منا ، بعدها أصبح لدينا الوقت لينام كل واحد منا على صف كامل من المقاعد لوحده فتلك الطائرة الطويلة العريضة لم يعد على متنها سوى أفراد الطاقم ونحن الأربعة مع مرافقنا وذلك "المعارض" الغامض .

 

يتواصل .......................