هل تدفع جائحة كورونا "الموريتاني" إلى الإنتاج؟! | صحيفة السفير

هل تدفع جائحة كورونا "الموريتاني" إلى الإنتاج؟!

ثلاثاء, 28/04/2020 - 03:03

في موريتانيا عندما يمتلك المواطن عقارات بغرض السكن لا يتضمن المخطط العمراني وجود حديقة منزلية رغم أهميتها الطبيعية بإنتاجها الأكسجين وامتصاصها لثاني أكسيد الكربون، والبصرية "من حيث الزينة" وأهميتها الاقتصادية إذ بمقدورها توفير الخضروات الطازجة في الوقت المناسب.

لكن وفي ظل تأثيرات انتشار  جائحة  كورونا  واتخاذ  إجراءات خاصة من أجل الوقاية  من ضمنها  حظر التجوال وإغلاق  المعابر الحدودية وتقليص حركة البضائع، فإن التفكير والتفاعل مع الإجراءات  بات  ضروريا لأن الموضوع يعنى  بقاء  الجنس البشري.

ولذلك  فإن التفكير في  الاكتفاء الذاتي  في مجالات اقتصادية حيوية قد يكون المنقذ  الأوحد إذا ما طالت أزمة كورونا.

موريتانيا  من بين بلدان  العالم  التي تمتلك اكتفاء  ذاتي  في مجال اللحوم الحمراء، إلا أن ذلك وحده  لا يكفي إذا ما تحدثنا عن موجات الجفاف التي ضربت البلاد خلال السنوات  الأخيرة و كانت فيها الحاجة ماسة  إلى الأعلاف ،

غير أن صناعة الأعلاف  نتيجة حتمية للزراعة و مشروعية  الحلم  والطموح  لتحقيق  اكتفاء فيها  وإن بنسب متفاوتة حسب الظروف  والتحديات  والعوائق  .

وهو ما جعل  الحكومة خلال العام المنصرم تتدخل بخطة رعوية  استباقية لدعم المنمين  في أماكن  تواجدهم  من خلال توفير الأعلاف، في عملية ضخت الحكومة من خلالها أكثر من  مليار و171 مليون أوقية قديمة.

وذلك من أجل التخفيف على المنمين في حال تأخر أو ضعف التساقطات المطرية خلال موسم  الخريف المقبل.

ليس كل الموريتانيين مزارعين فرغم اختصاص البعض بحكم الموقع الجغرافي والظروف المناخية المصاحبة  في الزراعة (الجنوب الموريتاني +دلتا نهر السنغال )  إلا  أن الحديث  عن  الاكتفاء  الذاتي  في مجال الخضروات مثل محورا  قديما جديدا رغم تجربة الزراعة  في الجنوب وكذلك في الشمال، فالمنتوج الزراعي من الخضروات  موسمي ويحتاج  عناية  خاصة تمكنه  من الاستمرار والعرض  الدائم في السوق المحلية على الأقل.

واليوم  وبفضل ظلال جائحة كورونا  التي خيمت على العالم بات من الضروري التفكير الإستراتيجي  في خطة شاملة لتغيير العقليات وترتيب الأولويات  والتغلب على  الأخطاء والوعي  بضرورة  الإكتفاء  الذاتي؛ فلم تعد الحرب العالمية تقليدية فلا هي حرب سباق للتسلح وامتلاك  المعلومات  الإستخباراتية إنها حرب القدرة على البقاء والتكيًف مع ضرورات المرحلة  وما تفرضه من  إكراهات.

فمن الجلي أن جائحة كورونا  لا تعترف بالحدود  السياسية  ولا بالأسبقية التكنولوجية .. إنها حرب البقاء والقدرة على المقاومة والصمود و الاكتفاء  الذاتي.

كان من المفترض  أن يكون الموريتاني آخر الموقنيين والواعين بحجم التحدي  لكنه  اليوم في مركز متقدم بضرورة  ترتيب  اولوياته تجاه  نفسه وعائلته  ووطنه؛ ضمن  مجهود  عام وتعبئة وتأطير  لذاته  ومحيطه فعليه  بالإنتاج  ومواكبة التكيف  مع المرحلة.

 

الأرز وحده لا يكفي...!

 

يعد الأرز في موريتانيا من أكثر المواد الغذائية استهلاكا، فهو عنصر أساسي في الأطباق الرئيسية اليومية،  و قد بلغت وارداته حسب مصادر رسمية عام 2013 أكثر من 240 ألف طن.

وتؤكد وزارة التنمية الريفية أنه خلال الحملة الزراعية لسنة 2018-2019 وصل المحصول من الحبوب التقليدية إلى 106 آلاف طن،

وتقدر الأراضي الصالحة للزارعة والري بأكثر من خمس مائة ألف هكتار، تم استصلاح 46 ألف منها حتى الآن. وتستهلك البلاد سنويا  أكثر من  ثلاث مائة ألف طن من الأرز.

وانطلاقا من  هذه  الأرقام  والإحصائيات يلاحظ تطور  نسبي في  المحاصيل الزراعية من  الأرز  كما أن حجم الإستثمارات الخاصة  يعرف هو الآخر تطورا  خلال السنوات الأخيرة  وكذلك  ودعم  الدولة الموريتانية  للحملات  الزراعية خلال  موسمي  الصيف والخريف  ؛لكن الجهود يجب أن تضاعف الآن وليس غدا  لخلق  منتوج زراعي يغطي حاجيات  السوق المحلية مع فائض  قابل للتسويق.

 

لا تدفعوا بالمزارعين الى الفشل...

 

نجاح  التجربة الزراعة  في موريتانيا محكومة  بالفشل  إذا  قارنا حجم  القروض الميسرة  للمزراعين  والتي في غالب  الأحيان لا تغطي تكاليف موسم زراعي كامل فيتعثر المزارع  ويبدأ  في  البحث  عن بديل  ما يجعله أحيانا كثيرة يترك  المجال ويختفي  خوفا  من  أن يطالب  بتسديد  القرض الزراعي لتبقى الحاجة ملحة  لمنح قروض  تناسب  تحديات  الإنتاج بكل احتمالاتها مع ضمان التسديد المناسب.

لكنها في المقابل تجربة ناجحة  إذا ما قارنا  المناخ  والتربة  والإضاءة (الشمس) على مدار العام بتجربة بعض دول  العالم  فيما ينقصها تنظيم وتقنيات الاستثمار  فيها.

وهنا يجب أن يكون  ضمن أولويات الحكومة، تسهيل إجراءات استيراد المحاصيل الاستراتيجية المطلوبة للمواطنين، ودعم المؤسسات الإنتاجية والحيوية واستمرار عملها لدعم الاقتصاد الوطني، وهو ما سيكون له بالغ الأثر الإيجابي  في ظل تداعيات أزمة كورونا الحالية.

 

الإصلاح  العقاري...

 

من واجب الدولة كذلك الشروع بشكل مباشر في خطة دقيقة ومنظمة  لإصلاح العقار الزراعي، بحيث يضمن للأهالي النفاذ إلى الملكية العقارية  كما  أنه سيمكن القطاع الخاص الوطني بشكل كثيف ومستدام.

 إن تنفيذ  هذه الخطة بشكل استعجالي  سيمكن من زيادة المساحات المروية بصورة معتبرة من خلال تثمين واستصلاح المساحات القابلة للري انطلاقا من قناة مشروع آفطوط الساحلي ونهر السنغال وروافده.

على أن يصاحب هذا الإصلاح  بتطوير البنى التحتية المائية الزراعية وفك العزلة عن مناطق الإنتاج وتحسين تنافسية الشٌعب الزراعية المختلفة بغية التنويع الزراعي.

ومن بين أهم الإصلاح الزراعي الشامل؛ التغلب على ضعف القدرات الفنية للمزارعين وقلة الامكانات المادية الضرورية لتأمين المدخلات الزراعية من بذور وأسمدة  وغيرها.

 

الجيش رافعة اقتصادية.. 

 

لطالما ظل الجيش والقوات المسلحة  الضامن  الوحيد للحوزة الترابية والمدافع  عبر الثغور  عن الأرض والعرض؛ وبما  أن المرحلة توجب تأمين الحدود من المتسللين وتجار السلاح والمخدرات و الجريمة العابرة للحدود، فإن إشراكه في قطاع الزراعة قد يكون الضامن  الوحيد  أيضا للنهوض بمشروع  (موريتانيا تستهلك  ما تنتج  وتحقق  الاكتفاء الذاتي )..

فروح  قواتنا المسلحة  المشبعة بحب الوطن والإستعداد للتضحية من أجله  تستطيع  تحويل دلتا  نهر السنغال  إلى سلة غذائية دائمة تعود بالنفع على الجميع  وكذلك  أي منطقة أخرى من البلاد.

إن وجود  بطالة في صفوف الشباب والطاقات القابلة للتأطير هي الضامن الأول إذا تم استغلالها  في المشاريع التنموية الصغيرة والمتوسطة والزراعية والتنموية والصيد البحري    لنتجاوز كل الصعاب.

إن معركة  التنمية الاجتماعية والاقتصادية تؤجل  كل المعارك الوهمية الأخرى سواءً ما تعلق منها  بالعرقية أو القبلية أو الجهاتية وتجعل  منا بلدا عظيما منتصرا  في حربه ضد الفقر والإقصاء، متآزرا في مكوناته ورقما صعبا  في منطقة تتعاورها الأطماع الاقتصادية  التقليدية  فهل  تغيًر "كورونا" الجائحة فكر المواطن الموريتاني وتدفعه إلى الإنتاج..؟!