خالد مولاي ادريس: النخبة لا تفهم مدلول الصورة لأنه غائب عن ثقافتنا المحلية | صحيفة السفير

خالد مولاي ادريس: النخبة لا تفهم مدلول الصورة لأنه غائب عن ثقافتنا المحلية

أربعاء, 24/06/2020 - 13:11

يقول عن نفسه:"احترفت الفن ليس كوسيلة للترفيه؛ بل كوسيلة للتعليم والتثقيف وتغيير العقليات والمحافظة على تراثنا الوطني"..

يقول العارفون بفنه:"إن لوحاته دفق من الأحاسيس الملونة، بسيطة في شكلها، عميقة في أبعادها".

حول جدران منازل الحي الواقع قرب ثكنة الحرس الوطني والذي قضى فيه طفولته؛إلى لوحات بريئة تعكس موهبته القادمة باستخدام الطباشير الملونة وقطع الفحم.

تخرج من كلية الآداب بعد حصوله على لإجازة في "علم النفس" من جامعة انواكشوط؛ وشارك في العديد من المعارض داخل الوطن وخارجه.

جريدة "الشعب" تتشرف باستضافة الفنان التشكلي ورسام الكاريكاتير خالد مولاي إدريس؛ الذي سيحدثنا عن ألوان وحركات ريشته في فن "الكاريكاتير".

كيف يعرف رسام الكاريكاتير نفسه وكيف يعرف بفنه؟

عادة ما يحب الفنان التشكيلي الغموض الذي هو جزء من شخصيته؛ وقلما تجد فنانا يعرف نفسه ويمكن عموما تعريف الفنان التشكييلي بأنه شخص يتنفس الحرية ويلعب بريشته بين الألوان ليستكشف الحقيقة بعين بصيرة ناقدة.

أما عن حالة المدنية فانا "خالد عال مولاي إدريس" حاصل على شهادة "المتريز" في الفلسفة وعلم الاجتماع، كانت بداياتي مع الرسم مبكرة ونظرا لغياب معلومات عنه في المنهاج المدرسي، فقد اعمدت على بعض الكتب والمراجع، وكنت أستغل كل المساحات لممارسة هوايتي.

كنت أتدرج حسب مراحل التعليم ولكل مرحلة إضافاتها؛ وبعد التخرج سافرت إلى دول عربية وإفريقية وأوربية؛ وعدت بتجارب هامة، طورت من قدراتي في كافة الفنون البصرية بما فيها فن "الكاريكاتير" .

وقد التحقت بالجمعية الموريتانية لترقية المعاقين عقليا، وحصلت منها على منح دراسية إلى السينغال وتونس والمغرب لتلقي التكوين في "علم النفس التربوي" وكانت وسليلة التواصل طيلة هذا التكوين بصرية بيني وبين المعاقين عقليا من الأطفال؛ وبالتالي كان من الضروري تطوير هذه الهواية في إطارها العلمي والأكاديمي والبحثي.

وبالنسبة لتعريف "فن الكاريكاتير" فله أكثر من تعريف دارج في القواميس الأكاديمية البصرية، والتعريف الذي أختاره لكم هو: "فن التواصل ونقل التجارب البشرية بأجزائها البصرية والثقافية"

في مجتمع يهمش الصورة البصرية ويعلى الذائقة الشفوية، أي دور للكاريكاتير؟

في البداية إود أن أشير إلى أنني فنان تشكلي متعدد الاختصاصات، وأول رئيس "لاتحاد الفنانين التشكيلين" وفي ظل مرحلة معينة من التطور الديمقراطي توفرت مساحات للتعبير، وقد حاولت من خلال رسوماتي أن أسس لإطار تثقيفي صحي وتنموي، إلى أن مارست "الكاريكاتير" كجزء من الصحافة؛ وقد عملت في عدة جرائد أذكر منهم "أخبار انواكشوط" وجريدة متخصصة في البيئة تسمى "التيدومة".

وكان وراء اختياري لفن الكاريكاتير أسباب منها أنه فن يتخطى حدود التعبير الأكاديمية، إلى حدود فنون التعبير التواصلية؛ كما أنه يصل إلى قاعدة كبيرة من أفراد المجتمع، بخلاف الفن الأكاديمي الذي تختلف حوله القراءات.

ما هي بدايات ظهور فن الكاريكاتير في موريتانيا؛ ومن هم رواده الأوائل؟

ظهر الكاريكاتير الموريتاني مع بدايات تأسيس الدولة الحديثة، وكانت هناك مجموعة من ممارسيه تخونني الذاكرة في استحضار أسمائهم؛ وإن كنت اطلعت على بعض أعمالهم.

ومع بداية عقد السبعينيات كانت هناك أسماء من قبيل:عبد الودود الجيلاني والمختار ولد البخاري وقد كانت رسوماتهم إرهاصات لتشكل هذا الفن.

هل للمرأة الموريتانية إسهامات في هذا الفن؟

 ليست هناك إسهامات للمرأة الموريتانية؛ فهذا الفن لا يزال ذكوريا في هذه الربوع، وذلك عائد إلى خشونته من جهة وبعض الإكراهات الاجتماعية من جهة أخرى؛ وإن كانت هناك بعض المحاولات الخجولة التي لا ترقى إلى أن تسمى كاريكاتيرا؛ إلا أنه ومع انتشار هذا الفن لا أستبعد أن تظهر"نون النسوة" في هذا المجال خلال السنوات القادمة؛ لأنه أصبح وسيلة تعبير وكسر للحواجز ما بين الفنان والمتلقى.

ما هو الدور الذي لعبه الكاريكاتير في التوعية المجتمعية خلال جائحة (كورونا)..؟

 مع بداية الجائحة قمت بالعديد من رسوم التوعية بالتعاون مع وزارة الصحة الموريتانية، ومنظمة الصحة العالمية؛ وتمت طباعة العديد من الملصقات في العاصمة نواكشوط والمدن الداخلية، كما قمت برسم العديد من رسوم الكاريكاتير الرامية إلى التثقيف حول مخاطر الجائحة وهي موجودة على صفحتى في "الفيس بوك" نعم  لقد كان الكاريكاتير حاضرا.

ماهي خصائص أسلوب خالد في رسوماته الكاريكاتيرية؟

 من أهم خصائص أسلوبي في فن الكاريكاتير هو اشتغالي بأن يكون طابعه موريتانيا صرفا، رغم أن الثقافة الشفاهية مسيطرة على ما هو مرئي ومسموع.

تعالج رسوماتي الجزئيات الثقافية وتحترم العادات والتقاليد، وإن كان فن الكاريكاتير فن تكسير كل شيء، وإعادة صياغته بشكل مختلف، وقد حاولت أن تكون لوحاتي منسجمة مع الخصوصية الثقافية لبلادنا، وإن كانت تشبه إلى حد بعيد غيرها من التجارب في المجتمعات التي نتقاطع معها في المستوى الثقافي والمعيشي.

 يقال إن الغموض هو روح الفن، من هذا المنظور ألا ترى أن رسوماتك مباشرة لحد جعلها تفقد جمالها؟

بصورة عامة على الفن أن يتسم ببعض الغموض، إلا أن فن الكاريكاتير تختلف غاياته عن غيره من الفنون البصرية؛ فإلى جانب تكسيره للجوانب الجمالية، يهتم بالجوانب الدلالية، وهذه الجوانب تحتاج إلى أن تكون مباشرة وصادمة ومعبرة؛ لأنها تستهدف فئات مختلفة؛ وبالتالي لا يمكن أن يكون فن الكاريكاتير كله غامضا بل يجب أن يكون مباشرا بل وسطحيا في بعض الأحيان.

وفي بلادنا يغيب مدلول الصورة عن النخبة لأنها غائبة عن ثقافتنا المحلية، أو قل جديدة عليها فما بالك بالعامة من الناس، وبالتالي قد أختلف معك أو أتفق حول رسالة الكاريكاتير؛ لكنه ينبغي أن يكون معبرا ومستفزا وواضحا وسهلا ممتنعا؛ لكنه يعبر عن حالة وجدانية أو سياسية أوعاطفية للفنان تكون مباشرة أو غير مباشرة لأنه يعتمد على خصوصية الثقافة التي يعالج داخل إطارها هذه المعضلة أو الخلل الاجتماعي.

هل وظفت الموروث الشعبي في رسوماتك؟

كان الموروث الشعبي والأدبي دائما حاضرا في رسوماتي، وكما قلت آنفا يجب أن تحمل اللوحات شحنة الموروث الشعبي للبلد وذاك ما يعطيها خصوصيتها؛ وقد عرف الكاريكاتير الموريتاني من خلال رسوماتي التي شاركت بها في  عدة مناسبات دولية وإقليمية.

 من أين تأتي فكرة لوحة الكاريكاتير؛ من متابعة الأخبار أم من هموم الناس أم عن طريق الصدفة؟

 فكرة الكاريكاتير وليدة استفزاز سواء كان سياسيا أو أخلاقيا، لا يمكن لرسام الكاريكاتير أن يرسم إلا إذا أحس باهتمام نحو الموضوع.

من المعروف أن الصحافة الورقية تشهد تراجعا ملحوظا؛ وهي حاضنة الكاريكاتير الذي ارتبط بها منذ النشأة؛ هل أثر واقعها على هذا الفن خاصة في بلادنا؟

 مرت الصحافة الورقية بسياق تاريخي معين، لكن نظرا للثورة الرقمية فقد طغى جانبها الأليكتروني؛ وأصبحنا افتراضيين أكثر مما نحن في الواقع؛ وبالتالي ستتوجه الأنماط الفنية ومنها الكاريكاتير إلى الرقمنة؛ وهكذا لم تعد الصحافة الورقية الحاضن الأساسي له بل أصبح الحاضن رقميا وهو ما ساعده على الانتشار بين الجمهور وتحقيق غاياته، يظهر ذلك في التفاعل مع رسومه من خلال المنصات المختلفة؛ وبالتالي فقد خرج الكاريكاتير من سجنه الورقي إلى فضاءات أرحب.

يرى البعض أن الثورة التكنولوجية طورت فن الكاريكاتير؛ إلا أنها أفقدته الدهشة والألق ما هو رأيك؟

لا جدال في أن التكنولوجيا طورت فن الكاريكاتير، وسهلت من انتشاره؛ وليس صحيحا ما يدعيه البعض من أنها أفقدته الدهشة والألق وذلك عائد إلى أن فكرة الكاريكاتير ترتبط دائما بالموضوع الذي يرسمه الفنان وليس على الدعامة لأنها صورة بصرية، سواء كانت على شاشة تلفزيونية أو جريدة ورقية، يتم لمسها والتفاعل معها.

والمحتوى البصري ليس كالمحتوى الكتابي لأن الأخير يتطلب نوعا من التركيز وفك رموز اللغة وطلاسمها، أما بالنسبة لفن الكاريكاتير فإنه يبقى دائما محتفظا بألقه ودهشته.  

يقال إن حرية التعبير التي أتاحتها مواقع التواصل الاجتماعي؛ أثرت كثيرا على مكانة الكاريكاتير؛ في نظرك هل هذا صحيح؟

 أعتقد أن السؤال كان ينبغي أن يكون بالمقلوب؛ فحرية التعبير التي أتاحتها مواقع التواصل الاجتماعي زادت من انتشار الكاريكاتير؛ لأنه كلما زاد مستوى الوعي بالحقوق وحرية التعبير عند الفرد تطورت وسائل التعبير،وقد واكب فن الكاريكاتير كل هذه المتغيرات.

ما هي المعارض التي شاركت فيها؛ وهل صقلت تجربتك الإبداعية؟

 شاركت في العديد من المعارض الدولية المرتبطة بالفن التشكلي، وأخرى خاصة بوسائل التعبير لذوي الاحتياجات الخاصة؛ وبعض المعارض المرتبطة بالرسومات الثقافية والتوعية حول الأبعاد التنموية للشعوب الأقل حظا في التعليم؛ وطبعا فإن هذه المعارض صقلت موهبتي وإدراكي وفتحت أمامي آفاقا أرحب، وتعرفت من خلالها أكثر على دور الفنان والرسام داخل مجتمعه وأهمية ما يمكن أن يسهم به من تغيير العقليات والتثقيف حول كل المقاربات التنموية في الجهد التعليمي والصحي.

ختاما كيف ترى دور الفنان  في المجتمع ؟

أعتقد أن دور الفنان في مجتمعه دور مهم وأساسي؛ ويجب أن يدرك المثقف الموريتاني أن ما يسمى بفنون الصورة عامة هي وحدة لقياس تطور الشعوب، وهي الوحدة البصرية لإنتاجها ومساهماتها في الحضارة البشرية سواء ببعده الاقتصادي أو الثقافي وهي الحاضن الأساسي ووسيلة الدفاع الأولى عن المجتمعات المستهدفة ثقافيا.

ومن المعلوم ضرورة أن ما يعرف بالاستيلاب الثقافي أو الغزو الثقافي أصبح سمة تطبع شعوب العالم الثالث.

 

حوار: محمد ولد سيدناعمر