أزمة الإعلام المرئي العربي | صحيفة السفير

أزمة الإعلام المرئي العربي

خميس, 03/12/2020 - 14:40
   يوحنا أنور داود / كاتب صحفي مصري

منذ بداية عهد القنوات الإخبارية العربية الكبرى ذات التمويل المادي والبشري المهول، أطلَقت قطر قناة الجزيرة الإخبارية عام 1996.ثمّ لحَقت بها المملكة العربية السعودية بعد ثماني سنوات عندما أطلقت قناة العربية، ثم قناة العربية الحدث وتبعتهما الإمارات بإطلاق قناة سكاي نيوز. كان واضحاً أن لهذه القنوات توجهاً محدداً يختلف باختلاف سياسة الدول التي أطلقتها أو بحسب تغير مصالحها.

 في البداية كان هذا الأمر ضمنإطار معين ودرجة معتدلة إلى حد ما.وقد يكون هذا النهج ذا الإطار المحدد مقبول،فهو حال القنوات الإخبارية العالمية مثل بي بي سي أو سي ان ان أو غيرها من القنوات الإخبارية الغربية أو حتى الصحف العالمية الكبرى مثل واشنطن بوست ونيويورك تايمز والاندبنتي، فجميعها لها توجهات ومصالح معينة .

والحقيقة أن هذه القنوات بدأت باحترافية شديدة في بث أفكارها،  بعد أن تعاقدت مع أطقم إعلامية كاملة سبق أن عملت في قنوات إخبارية غربية كبرى. فقد كانت تبث الرأي والرأي الآخر حتى لو تم التشويش على الرأي الآخر دون أن يشعر المتلقي!

لكن الآن بعد كل هذه السنوات لم يعد لتلك القنوات ذات التمويل المادي الضخم أي وقت. ونزعت تماماً عنها برقع الحياء. ولقد أصبح واضحاً جلياً لأي محايد متتبع لهذه القنوات،أن هذه القنوات أداة إعلامية تحركها مخابرات بعض الدول والمنظمات . كما أن إعلاميي تلك القنوات أصبحوا كقطع الشطرنج، تحركها هذه المخابرات والمنظمات طبقا لمصالحها. وابتعدت تماماً عن التغطية الإعلامية "شبه" المحايدة وما تقدمه لا يمت للمهنية بصلة.والتحمت بصورة مباشرة بالحروب والصراعات في المنطقة وناصرت بوضوح طرف ضد الآخر وتبنت وجهة نظره ومصطلحاته واستضافت مؤيديه ومناصريه .

ولعل المثال الأبرز لهذا هو الصراع الدائر حالياً في ليبيا بين حكومة فائز السراج المعترف بها دولياً من جهة، وبين القائد العام للقوات المسلحة الليبية المشير خليفة حفتر ورئيس مجلس النواب المنتخب عقيلة صالح من جهة أخرى . فتجد القنوات المناصرة للسراج تركز دائماً على عبارة "المعترف بها دولياً" وتذيع المؤتمرات الصحفية الخاصة بمتحدثيه العسكريين، وتستضيف المدافعين عن وجهة نظرهم، وتتجاهل التقارير الدولية التي تدينهم في حين تصف قوات الطرف الآخر بالمليشيات وتصف دائماً المشير خليفة حفتر باللواء المتقاعد أو الانقلابي على الرغم من أن اتفاق الصخيرات الذي أتى بحكومة السراج هو نفسه الذي أتى بحفتر قائدا للقوات المسلحة الليبية. وتتجاهل إذاعة المؤتمرات الصحفية الخاصة  بمتحدثيه العسكريين وتتعامل مع مجلس النواب الليبي برئاسة عقيلة صالح المؤيد لحفتر والجهة الوحيدة في ليبيا المنتخبة كأنه غير موجود أو منتهية ولايته. وهذا أمر غريب جداً لأن نفس الأمر ينطبق على حكومة السراج المنتهية ولايتها والمستقيل ما يقارب نصف أعضائها!

وعلى الجانب الآخر تجد القنوات المناصرة لحفتر تتجاهل فكرة أن حكومة السراج معترف بها دولياً وتصف قواته دائماً بالميليشيات والمرتزقة وعلى نفس المنوال تذيع المؤتمرات الصحفية الخاصة بحفتر وتتجاهل مؤتمرات الطرف الآخر وتستضيف المحللين الذين يصبون في اتجاه معسكر حفتر وعقيلة صالح.

وذلك كله دون أي مراعاة لمهنية أو حد أدنى من القيم الإعلامية يجب أن تتمتع به أي قناة إخبارية .

الغريب في الأمر أن القنوات الناطقة بالإنجليزية  لهذه القنوات الموجهة للغرب هي قنوات ذات مهنية عالية جداً وتقدم محتوى إعلامياً متميزاً جداً.فقناة الجزيرة الإنجليزية، على سبيل المثال،  تتصدر منذ عدة سنوات القنوات الإخبارية على مستوى العالم لما تقدمه من محتوى على مستوى عالٍ من الجودة والحيادية والنزاهة والمصداقية .

المعضلة الكبرى لهذه القنوات الإخبارية الموجهة للمواطن العربي ذي المستوى الثقافي المحدود، وغير القادر على فرز المحتوى المقدم له، ليس تأجيج حالة الصراع بين الأنظمة الحاكمة في المنطقة. فهذه الأنظمة زائلة يوماً ما مهما بلغت درجة تسلطها أو على أقل تقدير ستتغير مصالحها.إنما هي حالة الاستقطاب الشديد والعداء التي تصنعها بين الشعوب وهو ما ينذر بعواقب إقليمية وخيمة!

                                                            

   يوحنا أنور داود 

[email protected]