"تبريللي"، أو زمن (الحراكه)... | صحيفة السفير

"تبريللي"، أو زمن (الحراكه)...

أحد, 28/08/2016 - 23:42

لعبت السينما دورا محوريا في حياة سكان نواكشوط القدماء خاصة أولئك الذين عاشوا مراهقتهم في هذه المدينة، في زمن لم تبصر فيه الشاشات الصغيرة النور بعد.
وﻷن الظروف المادية للغالبية الساحقة من عشاق الشاشة الكبيرة لم تكن تسمح بالحصول دائما على ثمن التذكرة، كان ﻻبد من البحث عن وسيلة أخرى لحضور تلك اﻷفلام التي كانت ملصقاتها الكبيرة ذات اﻷلوان الزاهية تسيل لعاب الكثيرين.
من هنا ولدت ظاهرة (تبرللي) التي برزت مع ظهور أولى صاﻻت السينما في نواكشوط. والفعل مشتق من الفرنسية ومعناه باللغة العربية (حرق) ويستخدم مجازا للتعبير عن أي عمل مخالف للقواعد والقوانين، وﻻ شك أن المصطلح الشعبي "الحراكه" الذي يستخدمه اﻹخوة المغاربة اﻵن لوصف المهاجرين السريين هو ابن شرعي ل "تبرللي".
كان اﻷمر يقضي بأن تشتري غرضا ما، قطعة خبز، بلبستيك، أمبور صوص، بسكويت، أصابع من الدخان...ثم تقوم بفرك عينيك بشدة لكي تتظاهر بأنك كنت داخل الصالة وخرجت لإحضار ذلك الغرض، وإذا فشلت فسيكون عليك أن تتحمل "علقة" الحارس وسخرية الرفقة.
اشتهر البعض بقدرتهم الفائقة على (لحريك) فكانوا يلقبون ب(فلان ل بريلير)، كما أشتهر بعض حراس صاﻻت السينما بقدرة غير عادية على كشف المتسللين، لدرجة أنه في يوم عملهم لم يكن أحد يجرؤ على المحاولة حتى من المحترفين، ومن بين أولئك حارس شهير في سينما الصحراء بلكصر لم أعد أذكر اسمه.
ومن ميزات (تبرللي) أنه كان يحدث فقط في الجانب السفلي من الصاﻻت "التحت"، ﻷن هيئة (الحراك) المهلهلة لم تكن لتقنع أحدا بأنه من رواد الجزء العلوي.
بعض حاﻻت "تبرللي" كانت تحمل في طياتها مجازفة حقيقية، من ذلك ما كان يحدث في سينما اﻷنصار قرب شركة صوبوما، حيث كان على (الحراك) أن يستعد وينتظر حتى يغفل الحارس في الجانب العلوي، ثم يتسلق سلما من أربع درجات ويقوم بالركض باتجاه دورات المياه في الجانب السفلي، والحارس يجري وراءه حاملا عصاه ومتفوها بكل أنواع الكلام البذيئ.
كان على (الحراك) لكي ينهي هذه الجولة بنجاح أن يتسلق جدارا بطول مترين ويقفز إلى داخل دورات المياه ويخرج منها إلى الجزء السفلي من صالة العرض ليكون في أمان.
هذه الطريقة لم يكن يجرؤ عليها إﻻ اﻷشاوس من (الحراكه) الذين يمتازون برباطة الجأش وطول القامة والقدرة على الركض السريع.
تلك حكاية أخرى من قصص المدينة العتيقة، التي تتلاشى تفاصيلها كلما شيدت سوق هنا أو هناك وتنمحي سطورها الواحد تلو اﻵخر، كلما بنيت (سطره أجديده من لباتيك).

 

بشير عبد الرزاق