المقاربة المغربية في مواجهة الهجرة وعنف شبكات تهريب البشر | صحيفة السفير

المقاربة المغربية في مواجهة الهجرة وعنف شبكات تهريب البشر

ثلاثاء, 28/06/2022 - 17:01

شكلت المحاولة العنيفة لاقتحام سياج مدينة مليلية من طرف مئات المهاجرين المنحدرين من إفريقيا جنوب الصحراء، يوم الجمعة 24 يونيو 2022، بتحريض و تنظيم من عصابات إجرامية و مافيا تنشط في مجال تهريب البشر، حدثا أليما و مؤسفا، حيث خلف ضحايا في صفوف المهاجرين المشاركين في هذا الهجوم وكذلك عشرات الجرحى والمصابين في صفوف قوات الأمن المغربية.

هذا الهجوم، الذي استعمل فيه المقتحمون أسلحة بيضاء وهراوات وتميز باستعمال مفرط وغير مسبوق للعنف من طرف المقتحمين، يطرح من جديد إشكالية تدبير الهجرة الغير الشرعية في البلدان الأفريقية على العموم و بخاصة الدول التي تشكل نقطة تماس بين إفريقيا/المصدر وأوربا/الوجهة.

 وأعتبارا لموقعه الجغرافي على الضفة الغربية للبحر الأبيض المتوسط، تفصله بضع كيلومترات عن السواحل الاسبانية، يشكل المغرب وجهة من بين الوجهات المفضلة للمهاجرين السريين الحالمين بالعبور نحو أوربا ولشبكات تهريب البشر التي تتاجر بمآسي هؤلاء المهاجرين، مما يكلف البلد، في إطار احترام التزاماته اتجاه شريكه الأوروبي مجهودات جبارة لمواجهة الظاهرة، إذ يجند بصفة مستمرة و منذ سنوات، حسب بعض الأرقام الرسمية، أكثر من 13000 عنصر لمراقبة سواحله الشمالية، ناهيك عن دوريات البحرية الملكية وفرق الإنقاذ البحري.

هذه اليقظة المستمرة للسلطات المغربية نجحت في القضاء بشكل ملحوظ على محاولات استغلال شواطئه من طرف الشبكات الإجرامية التي تنشط في تنظيم وتسهيل الهجرة السرية، مما مكن من تفادي حوادث الغرق والمآسي الإنسانية التي تشهدها مناطق أخرى في شرق المتوسط. كما أنه، ونظرا لوضعيته الخاصة هذه، تحوًل في السنوات الأخيرة، من بلد مصدر إلى بلد عبور ثم استقبال واستقرار للمهاجرين.

وقد تبنت المملكة في هذا المجال، مقاربة فريدة تتأسس على منطق إنساني ذات حمولة تضامنية تتمحور حول الإنسان بما تكتسيه حقوقه من قدسية.

وتشكل هذه الرؤية، التي أسس لها جلالة الملك محمد السادس، أساس حكامة الهجرة بالمملكة، من خلال الإستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء، التي تم إطلاقها سنة 2013، والتي قامت بتنزيل هذه المقاربة التضامنية والمندمجة والمكرسة لالتزام المملكة بالاستمرار في انخراطها الدؤوب لفائدة القارة الأفريقية.

ولقد مكنت هذه الإستراتيجية، في شقها المتعلق بالوضعية القانونية المهاجرين، من تسوية وضعية أكثر من 50 ألف مهاجر، تنحدر غالبيتهم الساحقة من دول إفريقية صديقة وشقيقة. كما أن المغرب لم يكتف بتسوية الوضعية الإدارية والقانونية لهؤلاء المهاجرين فحسب، بل وعمل، بموجب مخطط وطني لدمج و تمكين المهاجرين من الولوج بشكل تام، إلى الخدمات الاجتماعية والطبية والتربوية والولوج إلى سوق الشغل، وذلك في مساواة تامة مع المواطنين المغاربة.

كما تم تنزيل هذه المقاربة الإنسانية، التي تضع مصلحة المهاجر، خصوصا الفئات الهشة منهم، كالنساء والأطفال وضحايا شبكات التهجير في صلب اهتمامها، من خلال تنظيم عمليات للعودة الطوعية للمهاجرين الراغبين في الرجوع لبلدانهم الأصلية، في احترام تام لحقوقهم و لكرامتهم.

وهكذا فقد نظمت السلطات المغربية المختصة بتعاون وتنسيق مع مصالح المنظمة الدولية للهجرة من تنظيم عمليات عودة طوعية استفاد منها أزيد من 8100 مهاجر أفريقي منذ سنة 2018.  

كما تشمل المجهودات التي تقوم بها المملكة، جانبا مهما يتمثل في حماية الضحايا واعتماد إجراءات معيارية من أجل منظومة للتوجيه والتكفل بالمهاجرين الذين يتم إنقاذهم في البحر أو توقيفهم على مستوى الحدود..

على الصعيد الأمني، و بقدر ما يوفر المغرب الحماية ويسهل ظروف الاندماج للمهاجرين، فأنه ما فتئ، يواجه الشبكات الاجرامية التي تنشط في تهريب المهاجرين والتجار بالبشر  بصرامة وبدون هوادة. ومكنت تلك الجهود من تفكيك أزيد من 1300 شبكة تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر، خلال الخمس سنوات الأخيرة؛

على الصعيد الدولي والإقليمي، فإن المملكة المغربية عملت مع جميع  الشركاء من أجل وضع معالم لمنظومة تدبير لتدفقات الهجرة مبنية على أسس الشمولية والتضامن والمسؤولية المشتركة. وقد انعكس انخراط المملكة في الجهود الدولية في مجال تدبير الهجرة، احتضان المغرب لعدة مبادرات كالمؤتمر الوزاري الأول الأورو- أفريقي، حول الهجرة والتنمية، الذي أعطى انطلاق ما يعرف بـ"مسلسل الرباط" بالإضافة إلى المؤتمر الدولي حول الهجرة الذي عقد بمراكش، في 10 ديسمبر 2018، والذي تم خلاله تبني "ميثاق مراكش" حول الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية"، الذي يعتبر أول اتفاق حكومي دولي، تم إعداده تحت رعاية الأمم المتحدة من أجل تغطية جميع أبعاد الهجرة  الدولية بطريقة كلية وشاملة؛

على الصعيد القاري، واعترافا بمجهودات المملكة المغربية ومقاربتها الناجعة والمتفردة على المستولى الإقليمي، تم اختيار صاحب الجلالة الملك محمد السادس لريادة ملف الهجرة على مستوى الاتحاد الإفريقي، كما تجسد الاعتراف الأفريقي بجهود المملكة في اختيار المملكة لاحتضان مقر المرصد الأفريقي للهجرة و الأجندة الأفريقية للهجرة.

و في نفس الإطار، و بمناسبة اجتماع  مسؤولين من وزارتي الخارجية والداخلية بالمملكة مع سفراء الدول الأفريقية المعتمدين بالعاصمة الرباط، على إثر الحادث المؤسف لاقتحام سياج مليلية، أشاد هؤلاء السفراء عاليا  بالسياسة التي ينتهجها المغرب في مجال الهجرة، تحت القيادة المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس،معربين عن استعدادهم التام للتعاون معا لسلطات المغربية في هذا الصدد.

هذه الجهود المتواصلة والانخراط المبدئي للمملكة في تدبير ظاهرة الهجرة الغير شرعية،  لا تروق، بطبيعة الحال، للشبكات الإجرامية والمافيا التي تنشط في مجال تهريب المهاجرين، التي تبذل كل ما في وسعها لتقويض هذه المقاربة الإنسانية والتضامنية للمغرب، وهو ما يستشف جليا من عملية الاقتحام العنيفة الأخيرة لسياج مدينة مليلية وذلك بالزج بمئات المهاجرين، بعد أن تم تسليحهم بالهراوات والأسلحة البيضاء، في عملية اقتحام غير محسوبة العواقب.

وللإشارة، فإن هذه الشبكات الإجرامية ما فتئت تبتدع أساليب جديدة وطرق مبتكرة، ديدنها الوحيد هو تحقيق الربح على حساب حياة وكرامة الضحايا. و لا تتردد هذه الشبكات في استغلال بعض التواطؤات من طرف بعض البلدان المعروفة بعدم تعاونها وعدم انخراطها في الجهود الدولية والإقليمية في هذا المجال. 

وكملاحظين، وإذ يمكن تفهم الأسباب الموضوعية الكامنة وراء هذه الاقتحامات بالنظر للوضع الاقتصادي العالمي المتأزم بسبب مخلفات كوفيد 19 والحرب الروسية الأوكرانية وأزمة الطاقة والغذاء العالمية، لنا الحق في أن نتساءل حول السياق والظروف الجيوـ سياسية على المستوى الإقليمي، التي يأتي فيها هذا الحادث المؤسف وكذا الجهات المستفيدة من تأزيم الوضع بين المغرب من جهة وأسبانيا و الاتحاد الأوربي من جهة أخرى..؟

 

محمد عبد الرحمن الزوين