إذا كانت تلك حال النظام مع من يعول عليهم في ساعات العسرة فكيف به مع من هم في مثل حالنا حيث لم يقف الحظ إلى جانبنا ونحن نواجه مسطرة من التهم الملفقة التي يحاول المبطلون عن طريقها تزييف الحقائق من أجل الإساءة إلينا والإضرار بمصالحنا.
في تلك الأيام كنت رئيس شركة (سيمت) وكانت مؤسسة ناجحة تتمتع بعلاقات واسعة مع البنوك والمؤسسات والأفراد الطبيعيين، وقد وصلت هذه الثقة حد السماح لها ببيع الأسلحة، ولم أكن أتصور أن ثمة من له مصلحة في المس من هذه الثقة والتآمر للقضاء عليها إلا حينما توصلت برسالة من بنك (بيما) يطلب تسديد مبلغ 19 مليون أوقية تزعم أنها غير مأذونة من طرف البنك المركزي وذلك في أجل لا يتجاوز 72 ساعة إضافة إلى تسديد مبلغ 25 مليون أوقية مأذونة من طرف المصرف في أجل لا يتعدى ستة أشهر.
كانت هذه الرسالة بالنسبة لي مفاجأة عدائية إذ لم أكن انتظر معاملة كهذه من مؤسسة تعود علاقتي بها إلى سنة 1957م منذ كانت إدارتها في اندر ولا يوجد في البلاد منها سوى فرع واحد.
وعلى مدى عقود من الزمن توطدت الصلات بيننا وتعززت عملياتنا القائمة على المصالح المشتركة، إلا أن هذا الإجراء قلب الأمور رأسا على عقب.
أدركت أن الأمر قد ينطوي على مزيد من الإجراءات العقابية التي تندرج في سياق قرارات تعسفية تستهدف –من بين أمور أخرى- الإضرار المنهجي والمنظم بمصالحي تمهيدا للقضاء عليها ومن ثم تقديمي للمحاكمة من يدري؟
من أجل استباق هذه الهواجس وتلافيا لمضاعفات الموقف اتصلت بالمرحوم "سيد محمد بن العباس" بوصفه رئيس اتحاد أرباب العمل وقدمت إليه الرسالة ولم يخف استغرابه وامتعاضه من هذا الأسلوب ونبهني أن ثمة أشخاص يجري التربص بهم والبحث عما من شأنه أن يتخذ ذريعة ضدهم، لا لأجل استيفاء الديون وإنما لتشويه سمعتهم والقضاء على مصادر ثروتهم.
تساءل عما يمكن عمله في ضوء ذلك فاقترحت عليه أن يبحث الأمر مع مدير البنك حتى تتمكن المؤسسة من تحمل أعباء التسديد بشكل لا يؤثر على أدائها أو يعطل نشاطها.
اتصل "سيد محمد" بالمدير هاتفيا وحدد موعد اللقاء وكان على "سيد محمد" أن يؤجل إبرام صفقة سيارات حتى يتسنى له أن يحضر في موعده.
عرض علي سيد محمد مبلغ 17 مليون أوقية تسدد على مدى ستة أشهر وقابلت عرضه بالرفض حرصا مني على استمرار التعامل مع البنك واحتذاء بالمثل القائل "ال انشرلك طرف لا تكعد اعليه".
بعد لقائهما زارني سيدي محمد في المنزل وأوضح لي أن المدير رفض أن يكشف له عن حقيقة الأمر وإن كان قد أعرب له عن تمسكه بموقفه القديم فيما يخص الالتزام بما كان متفقا عليه وأعرب أيضا عن كامل ثقته في معاملتي ثم أضاف بأنه يريد مقابلتي للتباحث في هذا الشأن.
حين حضرت في الموعد إلى قاعة الانتظار وكانت تغص بأصحاب المواعيد فوجئت بالبواب يفتح الباب في وجهي ويأمرني بالدخول وكانت حفاوة المدير عارمة عندما نهض ليستقبلني.
عبر لي عن عدم ارتياحه لهذا القرار الذي يعتبره خارجا عن إرادته مضيفا أنه لا يمكن أن يقبل بأي وسيط يتدخل فيما بيننا وأن الإجراء قد وصله عن طريق محافظ البنك المركزي وقدم بين يدي الوثيقة التي تثبت أن الأمر من الرئيس ونبهني إلى أن هدفه ليس فقط تسديد الديون.
عرض علي خطة عمل قام هو بوضع تفاصيلها وطلب مني أن أكتب إليه رسالة في شأن تطبيقها، وعندما وصلته الرسالة بعث بها مرفوقة بأخرى من طرفه إلى محافظ البنك المركزي، تتضمن التماسا بتفهم ظروف وملابسات تطبيق القرار بما يلائم وضعية المعني، إلا أن ذلك لم يجد شيئا في إلغاء القرار أو تخفيفه.
عند ذلك فهمت أن الأمر يتطلب مزيدا من اليقظة والصبر وشد الأحزمة واستنفاد الوسع من أجل تحصيل المبالغ ودفعها في الآجال المحددة سدا لأي ذريعة وقطعا للطريق على المتربصين لكي لا يجدوا منفذا لتمرير المزيد من الإجراءات الظالمة في زمن لا يعترف بالبينة ولا يأخذ بأسباب القسط وليس للإنسان الشريف فيه إلا التأسي بقول الشاعر:
إذا رميت من الزمان بشدة وأصابك الأمر الأشق الأصعب
فأضرع لربك إنه أدنى لمن يدعوه من حبل الوريد أو أقرب
هكذا لم يبق أمامي سوى عرض ما في المخازن للبيع في مناقصة قسرية لأخسر أضعاف ما تكلفت في تلك المعروضات، بل إنني أصبحت مجبرا على التخلي عن بعض الشقق حتى يتسنى لي جمع المبلغ الأول ومن ثم بدأت التفكير في جمع المبالغ الأخرى.