المُشترَك والمُختلِف بين ترامب وريغان ... | صحيفة السفير

المُشترَك والمُختلِف بين ترامب وريغان ...

أحد, 20/11/2016 - 11:26

بدأت الآراء والتحليلات بشأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب تذهب إلى أنه لم يكن مُرشّحاً جمهورياً، ولم ينجح بفضل دعم القاعدة الجمهورية للفيل الأميركي، بل إنه ربما حمل الجمهوريين معه بفضل خطاب غير مسبوق في الحياة السياسية الأميركية.

هذا الكلام على وجاهته وأهميته لا يختصر وحده حال ترامب و(الزلزال) الذي أحدثه لدى الناخِب والنُخَب الأميركية.

فثمة قواسم مُشتركة لهذا الخطاب مع الرئيس الأسبق رونالد ريغان وهو جمهوري أيضاً، وكان يُعامَل كسياسي من الدرجة الثانية ومن الوزن نفسه الذي كان يُعامَل فيه كممثّل سينيمائي.

فما هو المشترَك وما هو المختلِف بين خطاب ترامب وريغان:

1. اهتمام الخطابين بالقوى البيضاء من الطبقة الوسطى والعمّال ايضاً، وهي القوى التي سبق لماركس ولينين أن أشارا إليها مُبكراً عند الحديث عن التركيب العضوي لرأس المال والدور التقني المتزايد الذي يُساعد على تشكيل جديد لتقسيم العمل، وعلى تقليص سوق العمالة، وبالتالي يُفاقم من أزمة النظام الرأسمالي الذي بقدر ما يتقدّم تقنياً وعلى صعيد تقسيم العمل الدولي، بقدر ما يتحوّل إلى الشكل الإمبريالي ونظامه النقدي الجديد، مُقابل الشكل الصناعي التقليدي للرأسمالية (بضاعة – نقد- بضاعة).

2- إن تحوّل الرأسمالية من علاقات وقوى الإنتاج الصناعية إلى علاقات وبُنى ما بعد الثورة الصناعية، إلى الثورة المعلوماتية وما بعد الحداثة يحوّل معها الاصطفافات الاجتماعية بصورة مُفارِقة هي مظهر بحدّ ذاتها للأزمة الرأسمالية.

فتخلّي  الرأسمالية المتقدّمة عن المزيد من الصناعات والأنماط الصناعية في إطار تقسيم مُتجدّد للعمل يحوّل النظام الرأسمالي  في المركز إلى نظام غير مُتوازن (رأس ورقي) (مالي – نقدي – بورصي) مُتضخّم وجسد صناعي غير مُلائم في علاقات وقوى الإنتاج.

والأخطر من ذلك انعكاساته الاجتماعية وخاصة عبر ميكانيزمات العولمة التي لم تعد مُناهضتها شأناً خاصاً باليسار شرق وجنوب العالم، بل صارت جزءاً من خطاب أوساط واسعة من اليمين، كيف..

حسب نظرية ماركس فإن الربح في (فلسفته الكليّة) يتحقّق من خلال قوة العمل، الأمر الذي يُفسر أهم ظاهرتين في الحركية الرأسمالية:

هجرة الرساميل بحثاً عن العمالة الرخيصة، واستيراد هذه العمالة إلى المركز نفسه وإحلالها محل (القوّة العاملة البيضاء).فالعمالة  المستورَدة من المكسيك وأميركا اللاتينية وآسيا وإفريقيا لاتكتفي بالأجور الزهيدة وحسب، بل وبالقليل من الضمان الاجتماعي  والصحي وهو ما لاتقبل به العمالة البيضاء (الأصلية).

وقد أكّدت دراسات عديدة عن أن ظاهرة الهجرة غير الشرعية ولاجئي القوارب وكاسري الحدود، كانت تموّل من الشركات والرأسماليين الكبار في المصانع الأميركية والأوروبية.

هنا، وفي هذه النقطة بالذات بدأ اليمين في الحزب الجمهوري يُلاحظ هذه الظاهرة ويعمل لاستثمارها ابتداءً من مرحلة ريغان الذي حَصَدَ أصواتاً واسعة من الطبقة الوسطى والقوى العاملة البيضاء، وضدّ مَن، مُرشّح الحزب الديموقراطي.

ذلك أن تعاطف الديموقراطيين مع الأقليّات الوافِدة لم ينطلق البتّة من دواعٍ إنسانية، بل من دواعٍ رأسمالية تتعلّق باليد العاملة  الرخيصة غير المتذمّرة.

من جانب آخر وبالمقابل فإن الكُتل الحيّة في المحيط العالمي مثل الصين تلقّفت هذه الهدية وتحوّلت إلى (مصنع عالمي) للشمال نفسه المزهوّ بثورته المعلوماتية وسيطرته المالية.

ومن التداعيات ذات الصلة بخطابي ريغان وترامب المظاهر التالية:

  1-تركيز الرأسمالية الأميركية وبالأحرى التنظيم السياسي- الإداري لها (البيت الأبيض – البنتاغون والمخابرات) على النظام النقدي العالمي، الذي جعل من اتفاقيات بريتون وودز ، وموقع الدولار فيها محور السياسة الخارجية الأميركية.

وعطفاً على هذا المحور كانت الحرب استراتيجية أميركية ثابتة للدفاع عن هذا النظام، فأي تهاون في هذا الدفاع من شأنه أن  يحوّل الديون الأميركية الناجمة عن ضخّ الدولار (العملة الصعبة للعالم والعملة المحلية للأميركان) من ديون (مُريحة) إلى عبء لا يقوى الاقتصاد الأميركي برمّته على مواجهته.

2. أما على صعيد الخطاب نفسه فإن النازيّة والفاشية التي اعتقد البعض إنها انتهت مع هزيمة دول المحور في الحرب العالمية الثانية (ألمانيا النازيّة وأيطاليا الفاشيّة) عادت من جديد إلى المركز الامبريالي نفسه (الولايات المتحدة)، ذلك أن النازيّة والفاشيّة  ليستا سِمات (قومية) خاصة بحالات محُدّدة، بل من صميم النظام الرأسمالي في أزماته المستعصية.وسبق لفيلسوف ألماني غير ماركسي هو شبنغلر، وكذلك روزا لوكسمبرغ أن انتبها إلى هذه السِمَة بُعيد الحرب العالمية الأولى.

الأول، بحديثه عن الهمجية التي تنتظر القوى الرأسمالية المنتصرِة في تلك الحرب (أوروبا الغربية) والقوى الحليفة لها، والصاعِدة آنذاك (الولايات المتحدة )والثانية، عبر شعارها الشهير (الاشتراكية أو البربرية).

 

وأياً كانت نزعة (العزاء) القومي عند شبنغلر الألماني بعد هزيمة بلاده، ونزعة الثقة بالعقود القريبة للثورة الاشتراكية العالمية عند لوكسمبورغ فقد لامسا الواقع، بل إن أحد كبار فلاسفة الحُقبة الأميركية الرأسمالية، ذهب أبعد منهما في هذه الملامسة.

ففي معظم أعماله (صدمة المستقبل) و(تحوّل السلطة) و(الموجة الجديدة) أخبرنا الفين توفلر أن العالم برمّته وفي مُقدمه  الولايات المتحدة، ذاهب نحو تحوّل خطير في السُلطة لصالح أشكال من البربريات العُليا في الشمال والدنيا في الجنوب، كما إلى المافيا والأصوليّات المسلّحة والجماعات العُنصرية.

ومن اللافت للانتباه أن فيلسوفاً من هذا الطِراز وليس اشتراكياً هو الذي لاحظ الثمن الباهِظ المنتظَر للمسافة (المرّوعة) بين علاقات وقوى الإنتاج ما بعد الصناعية، وبين الشكل القديم للسُلطة كما كرّسته أفكار العقد الاجتماعي والثورة الصناعية.

ومن المفهوم أن هذا التفسّخ والانشطار، وأن تحوّلات الرأسمالية المتقدّمة، من الثورة الصناعية إلى الإمبريالية المعلوماتية  وتقسيم العمل الجديد يُفسّر تفسّخ الطبقة الوسطى والقوى العاملة البيضاء وحربها على العولمة، وعلى ظواهر مثل ريغان وترامب.

أوجه الاختلاف بين ريغان وترامب :

والمقصود هنا ليس أوجه الاختلاف السياسي والأيديولوجي بل أوجه الاختلاف الناجمة عن البيئة العالمية والشروط الموضوعية:

1. مُقابل (السِمَة الدينية) وفانتزيا (الألفية) التي لازمت إدارة ريغان وخدمت تل أبيب والمجمّع الصناعي الحربي الأميركي، فإن شكلاً من النازيّة العُنصرية يسيطر على خطاب ترامب.

2. مُقابل استراتيجية تصدير الأزمة الداخلية إلى الخارج عبر حرب النجوم والحروب الاقليمية خلال إدارة ريغان، فإن مثل هذه الحروب  لم تعد سهلة بعد تجربتّي أفغانستان والعراق.

ومن ذلك أيضاً، اختلاف الخطابين إزاء أوروبا الأطلسية التي تتحمّل أميركا القسط الأكبر من تكاليفها، والتي لم تعد كذلك في خطاب ترامب الذي راح يُذكّر الأوروبيين بأن مشروع مارشال انتهى منذ عقود وأن عليهم دفع ثمن الشراكَة الأطلسية.

3. في ما يخصّ روسيا والعلاقة معها فالمسألة أوسع وأعقد من انطباعات شخصية بينه وبين بوتين، وقد يذهب ترامب وما يمثلّه إلى معادلة جديدة لاقتسام النفوذ في العالم بين القطبين الأميركي والروسي، وإدارة الصِراع بينهما على هذه القاعدة.

ومن تداعيات ذلك تراجُع أهمية أوروبا على النِطاق العالمي وتراجُع أو الحدّ من دور اللاعبين الاقليميين، ولعلّ المسألة اللافتة للإنتباه هنا هو الانقلاب على تصوّرات بريجنسكي بشأن التوظيف الأميركي للانبعاث العثماني والإسلام السياسي المرتبط به.

فالحوض الأوراسي قد يأخذ شكلاً جديداً من زاوية الصِراع الأميركي – الروسي حوله وعليه، وبالتالي فقد تكون هناك مُقاربة جديدة لحال أوكرانيا.

4. والأخطر من كل ذلك آفاق أو تداعيات الخطابين.

فالأول، كان محمولاً بصعود أميركي واضطراب في موسكو، والثاني أي ترامب، محاط بأزمة أميركية مُستفحِلة وبصعود روسي  وصيني.

وهو ما يعني أن آمال بعض المجاميع الصناعية الرأسمالية بانبعاث إمبراطوري أميركي آمال ليست في محلّها، وليس عليها رؤية  أميركا القوية من جديد، كما بعد الحرب الثانية وحروب ريغان.ولا أفضل على هذا الصعيد من تعليقات بريجنسكي القديمة عندما تنبّأ 1970 في كتابه (أميركا بين عصرين) بانهيار الاتحاد السوفياتي في غضون عقدين إلى ثلاثة عقود، وباضطراب لاحق كبير في الولايات المتحدة.

ويُشار كذلك إلى توفلر (سبق ذكره) عندما حذّر أميريكا من الذهاب بعيداً في الثورة المعلوماتية على حساب البنية الصناعية، وما قد تؤدّي إليه هذه الهوّة من تفسّخ اجتماعي يطال الولايات المتحدة برمّتها.

موفق محادين