بنية تتقهقر... إفتتاحية | صحيفة السفير

بنية تتقهقر... إفتتاحية

اثنين, 23/01/2017 - 17:58

ما وصلت إلىه بلادنا في السنوات الأخيرة من تمزق ذهني لدى المجتمع الموريتاني في مفهوم سلطة ودولة مركزية أنشدها منذ زمن ناصر الدين وتحقق له مشروعها منذ 1960 وفوَّض لسلطة هذا المشروع: الحُلُم حق الحماية وصياغة القوانين وترجمتها والسهر على تنفيذ مقتضياتها نيابة عنه، بما في ذلك صيانة ثوابته الدينية والرمزية والذب عن ما تنطوي عليه المشاعر الجماعية من أوامر ونواهي، أمر يبرز الحاجة اليوم إلى تفكير غير تقليدي يسترجع ثقة المواطنين بمشروع تطلعوا إليه مثل غيرهم من أمم وشعوب العالم وعلقوا عليه كثيرا من الاحلام والتطلعات، قبل أن تستفحل الكارثة، وتستمر الظروف المؤاتية والمناخ الملائم لدوائر الهدم وقواه العلنية والخفية في ان تعزز دعاماتها وتستمر في ممارسات تخطو بالمجتمع والدولة في اتجاه تدمير كل جذوة أمل في الحفاظ على ما تم إنجازه أو تمت محاولة تشييده في السابق ـ على ضآلته ـ أحرى أن يكون هناك حلم بتشييد المزيد أو البحث عن تطويره، وأخطر دعامات هذه البنية هو جهاز إداري تلوث بالعجز والفساد، منذ فترة بعيدة وغدا علامة أولى على أزمة السلطة والدولة ، وسيفا مصلتا في وجه التغيير بكل أشكاله، وأداة فعالة لقهر المجتمع على السير في اتجاهات لا يمكنها أن تتمخض إلا عن مواطنين يائسين لا يتمتعون بأي إحساس بالكرامة أو الانتماء فاقدين الثقة بالدولة و أبسط إحساس بالحرج أو الذنب في الخروج على مرجعياتها وسلطاتها التي لا يعرفون منها إلا ما تجبي عليهم من ضرائب أو تفرض عليهم من ذعائر، أو تضيف إلى عجزهم من عجز، وما تبعث في نفوسهم من شعور بالنقص في الدخل وشح في مصادره. في هذا الجو يغدو الحديث عن الحوار السياسي والتغييرات الدستورية سواء مرت عن طريق الاستفتاء أو عن طريق مؤتمر البرلمان، شبيها بما جرى تاريخيا لبيزنطة عاصمة امبراطورية روما الشرقية التي تعاورتها المحن وأطماع الأمم، وكانت في إحدى المرات تحاصرها جيوش العدو من كل جانب و فلاسفتها مستمرون في نقاشهم الشهير حول الملائكة أذكورا؟ أم إناثا؟، لذا لم تشتهر رغم ازدهارها الحضاري والعلمي والتاريخي بين الأمم بأمر قدر شهرتها (بحوارها) المعروف. كذلك حال موريتانيا الآن، تحاصر شعبها الأزمات الاقتصادية ويتدهور تعليمها ويغيب فيها الأمن في الشارع والمنزل، ويستمر داخل نسيجها الاجتماعي الحساس اشتعال جمرات الدعوات العنصرية والشرائحية من كل جانب، ولا يكاد يوم يمر دون أن تمتلئ صفحات الجرائد والمواقع بفضائح وممارسات تنبعث من دواليب بنية الفساد المسيطرة على جهاز الدولة الإداري والمالي، ومع ذلك فلا حديث بين طبقتها السياسية والإعلامية منذ 2009 إلا عن الحوار، ونتائج الحوار، واين وصلت نتائج الحوار الماضي وما هي ملامح الحوار القادم والمشاركين فيه والغائبين عنه... مع العلم الحاصل لمختلف شركاء النظام القدماء والجدد أن سمة حوارات النظام الحالي الثابتة وجوهرها هو أنها تعود دوما بالمشاركين فيها إلى نقطة الانطلاق دون الظفر بأي شيئ، وربما أن الأمر يعيد إلى الأذهان كوميديا تختزنها الذاكرة الموريتانية في سؤال بعضهم وقد امسك فراشة يريد معرفة إن كانت ذكرا أم أنثى فأجابه أكثر سكان الحقول تألقا ورشاقة وضعفا في الوقت نفسه( بوفرططه) : يا سيدي جسمي لا يتحمل فضولك، إن واصلت البحث ستنهي حياتي، وتقضي على ألواني الزاهية!.