أدوات تعاون المجتمع.. | صحيفة السفير

أدوات تعاون المجتمع..

سبت, 11/02/2017 - 18:22

تترجم الصراعات السياسية التي تعيشها المجتمعات صورا مختلفة لأزماتها ، و يخطئ من يتصور إمكانا لحل جدي متفق عليه لتلك الصراعات ما لم تأخذ في الحسبان الدوافع والمحددات الأصلية للخلاف، كما يلاحظ من وقت لآخر كيف يتنادى السياسيون للاجتماع ، ثم يتفقون علي مسودات وخرائط عمل لا تفتأ الأطراف أن تتنصل من مواثيقها واتفاقاتها ، وليس ذلك بالضرورة نتيجة احتراف الساسة للخداع كما يستسيغ كثيرون، بقدرما لأن الضمان الاجتماعي والاقتصادي وكذا المبرر النظري المرتبط بالوعي والفكر لم يتوفر أصلا ليسهل على الساسة تقدير مستوى ما يمكن وما يستحيل ومن ثم  الالتزام بما يتفقون عليه للتعامل مع أزمات تمتد اغلب جذورها إلي ما قبل النظام القائم وربما إلي ما قبل النظام  الذي  بدأ مسار الديمقراطية .أزمات رافقت  تلك الولادة القيصرية التي انتجت كيانا يقوم علي هوية حرمته إلى حد الآن من الاتفاق علي معرفة ماذا يريد أن يكون؟ ذلك لأن مشاريع الدول لا تقوم علي أساس من صفقات التراضي ، فهي  بحاجة إلي إقرار الوقائع أكثر من إعلان التمنيات ،  فالجروح التي خلفتها الإدارات الاستعمارية لا تلتئم لمجرد رحيلها خصوصا إذا تعلق الأمر بمجتمع متعدد الأعراق ومختلف اللغات ، فطالما لم يحسم المتصدرون لإدارة الشأن العام مشكلة هويتهم فإنهم لا محالة سيعجزون عن حسم أغلب مشاكل العمل اليومي ، فلا عمل لمن لا رؤية له ، وقد أثبتت كل التجارب في العالم أن العمل السياسي الناجح لا يمكن أن يتأسس إلا اعتمادا علي مرجعيات ذاتية تراعي مختلف الخصوصيات ضمن هوية جامعة لا تلغي الاختلاف والتنوع باعتبارهما حقا ولكنها  مع ذلك لا تفرط في حق من أجل أن تقر آخر ، فالمفهوم الملائم  للعدالة
يترتب علي اعتبارها إنصافا وليس بالضرورة النظر إليها كمساواة ، وهنا بالضبط مدلول ذلك الربط الضروري بين الحقائق  الاجتماعية  والتعبيرات السياسية وهو ما يحصل بالنسبة لكل الأمم والشعوب في العالم ، فأي سبب وجيه يجعل من حالتنا استثناء ، خصوصا أن  الاستثناء لا يخدم  أحدا بصورة دائمة ومأمونة ، وكل الذين فرحوا له في البداية قد أدركوا بحكم التطورات الداخلية والخارجية ما بات ينذر به من اضطرابات.  فالتفتح الأخير للشرائحية المتزامن مع تصاعد ملحوظ في عنف الخطاب العرقي لا يمكن أن يكون وليد انسداد سياسي تخلفه إرادة أحادية ، فهو أكبر من ذلك بكثير وحتى يمكن التعامل الآمن معه ومع تداعياته لابد من اجتراح خطاب سياسي وطني متصالح مع هوية البلاد وواقع شرائحه المنكوبة يخلق على ضوء ذلك ما يتعالى به بالمجتمع قاطبة نحو الأفضل ويصمن له أدوات تعاونه وتعاضده مع بعضه ، في مسعاه لانتزاع الشراكة الوطنية المبنية على شكل تعاون وتكافل  أهلي إنساني  يمكن من تجاوز حالة التشظي والتفكك  والفتك بضمير الأمة  إلى تكوين قيم نضالية جماعية واعية قادرة على الصمود ومواجهة سياسة التفريق والتمزيق والانقسامات والتجويع والتركيع الفردي والجماعي التي تصنعها الأنظمة بغرض تشتيت قوة المجتمع للحيلولة دون التحامه وجموحه لبناء أسس وقيم وطنية جامعة على أنقاض سياساتها الأنانية.

 

حزب الصواب: افتتاحية الاثنين 12/02/2017