جدل بين الموالاة والمعارضة حول دستورية الاستفتاء | صحيفة السفير

جدل بين الموالاة والمعارضة حول دستورية الاستفتاء

اثنين, 27/03/2017 - 18:15

دخلت الحكومة الموريتانية أمس في عمق الاستعدادات لتنظيم الاستفتاء الشعبي حول التعديلات الدستورية الذي دعا إليه الرئيس محمد ولد عبد العزيز الأربعاء الماضي عبر تفعيله للمادة (38) من الدستور التي تقول إن «لرئيس الجمهورية أن يستشير الشعب عن طريق الاستفتاء في كل قضية ذات أهمية وطنية».
وبدأت وزارة الداخلية الموريتانية واللجنة المستقلة للانتخابات الاستعداد لتنظيم عملية الاستفتاء الذي أكد خبراء في اللجنة أن تنظيمه يتطلب ثلاثة أشهر على الأقل، لكونه يستلزم إصدار مجموعة من المراسيم التطبيقية والإجرائية ومراجعة للقائمة الانتخابية، واستعداداً من المجلس الدستوري لمواكبة عمليات الاقتراع بوصفه الجهة المخولة للإعلان الرسمي عنها.
وتتزامن هذه الاستعدادات مع جدل فقهي محتدم منذ أيام بين الفقهاء الدستوريين في صفي الموالاة والمعارضة حول دستورية انتقال الرئيس، بعد أن رفض مجلس الشيوخ مشروع التعديلات الدستورية، من الفصل الحادي عشر الخاص بمراجعة الدستور عبر البرلمان قبل تقديمه للاستفتاء، إلى تفعيل المادة (38) التي تسمح له باستفتاء الشعب بصورة مباشرة وهي المادة المندرجة ضمن الباب الخاص بالسلطة التنفيذية.
وفيما يندفع الحزب الحاكم وحكومة الرئيس وأنصاره في الأغلبية، نحو تنظيم الاستفتاء بدون تراجع، جدد المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة الذي يجمع أطياف المعارضة من أحزاب ونقابات وشخصيات مرجعية، في بيان له أمس «عزمه القوي على الوقوف بحزم في وجه ما سماه «الانقلاب الجديد، وخوض كافة أشكال النضال لإفشاله».
ودعا المنتدى المعارض «كافة القوى الوطنية الى التكاتف والتلاحم والتعبئة من أجل هبة شاملة تسد الطريق أمام مخطط ولد عبد العزيز الرامي الى الاستمرار في إحكام قبضته على البلد عبر الانقلابات على الشرعية والمؤسسات الدستورية».
وأضاف «خلافاً لما قاله ولد عبد العزيز وكرره في حديثه قبل أمس، فإننا ننظر الى الجيش الوطني بكل تقدير واحترام ولا نرضى له أن يكون وسيلة تستغل في الصراع السياسي والانتخابي وتستدعى لحماية الانقلاب على الدستور ومقتضياته، وخدمة الأحادية والاستبداد، ونريد الجيش وقوات الأمن للوطن لا للنظام، للاستقرار والأمن، لا للانقلابات والقمع».
وتابع المنتدى انتقاده للرئيس قائلاً «مرة أخرى ينقلب ولد عبد العزيز على الشرعية وعلى مؤسسات الجمهورية من خلال إصراره على تمرير تعديلاته الدستورية المنبوذة التي سقطت نهائيا طبقا لأحكام الدستور، فمحاولة ولد عبد العزيز امتطاء المادة 38 من الدستور، المقيدة نصاً وروحاً بالباب الحادي عشر ومواده المفصلة الصريحة 99 و100 و101 المحددة للطرق والإجراءات الحصرية المتعلقة بتعديل الدستور، يعتبر انتهاكا صارخا للقانون الأساسي الذي يحدد سير وصلاحيات مؤسسات الجمهورية، إنه تمرد جديد على الشرعية ومحاولة جديدة لفرض إرادة فرد على الأمة ومؤسساتها واستمرار في اختطاف الدولة لخدمة أجندة شخصية».
وزاد «لقد كان المؤتمر الصحافي الذي عقده ولد عبد العزيز مساء الأربعاء الماضي بمثابة إعلان عن انقلاب جديد سيدخل البلاد متاهات لا يمكن التنبؤ بعواقبها، وهو ما حذر منه المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة غداة إسقاط التعديلات المرفوضة من طرف مجلس الشيوخ، داعياً الى تغليب الحكمة واحترام الشرعية».
وفي بيان آخر، دعا حزب «الوطن» ذو النزعة البعثية «النظام وبخاصة الرئيس، للتراجع عن فرض الأجندة الأحادية عموما، وبخاصة مسألة المس بالدستور في مثل هذه الظروف التي تمر بها البلاد». ودعا الحزب «جميع الوطنيين في الأغلبية والمعارضة وخصوصا المنتخبين منهم، إلى الوقوف ضد المس بالدستور بأجندة أحادية».
وتأتي هذه التطورات بعد أن رفض مجلس الشيوخ الموريتاني (الغرفة العليا في البرلمان) يوم 17 آذار/مارس 2017 ، المشروعَ الذي تقدم به الرئيس محمد ولد عبد العزيز لمراجعة الدستور الموريتاني، وهو الرفض الذي جاء بعد إقرار الجمعية الوطنية (الغرفة السفلى) لهذا المشروع يوم 9 آذار/مارس الجاري.
وشكل رفض مجلس الشيوخ الذي يتمتع الرئيس فيه بأغلبية مريحة (46 من أصل 56)، سابقة في الحياة السياسية الموريتانية.
وتشمل هذه التعديلات إلغاء مجلس الشيوخ والاكتفاء بغرفة النواب، وإنشاء مجالس جهوية لتحقيق اللامركزية وتعويض جانب من تمثيل الشيوخ للمقاطعات، وتغيير العلم الوطني بإضافة خطين أحمرين في أعلاه وأسفله يرمزان للمقاومة الوطنية، وإلغاء المحكمة السامية التي تحاكم الرئيس في حالة الخيانة العظمى وإسناد مهمتها للمحكمة العليا.. ويعارض هذه التعديلات أعضاء مجلس الشيوخ، والمعارضة غير المشاركة في الحوار التي رفضت مبدأ تعديل النظام للدستور في الوقت الحالي، بحجة أن الدستور لا ينبغي تغييره في أجواء غير توافقية، كما تعارضه أطياف سياسية ومجتمعية رافضة لتغيير العلم لأسباب تاريخية ورمزية.
وقد وضعت هذه التطورات المشهد السياسي الموريتاني بشقيه الموالي والمعارض في حالة من الإرباك الشديد، وهي الحالة التي يتوقع أن تطبع المشهد خلال الفترة التي تفصل عن الانتخابات الرئاسية لعام 2019، بل إنها ستتحكم في الانتخابات المقبلة، حيث أن الصراع المشتعل حاليا إنما هو صراع حول خلافة الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
وقد أعطى المدون حبيب الله ولد أحمد قراءة واضحة للمشهد السياسي الموريتاني اليوم حيث أكد «أن الأغلبية ليست متصدعة ومنهارة ومرهقة وحدها فحتى أغلبية الظل (التحالف والوئام والصواب)، تعاني المشاكل نفسها، لكن مشاكل المعارضة أكثر سوء وتعقيدا لكونها ليست على قلب رجل واحد ولا يعرف أي طرف فيها متى يطعنه طرف آخر من الخلف أو حتى في البطن».
وأضاف «ان المنتدى والتكتل طرفي المعارضة الموريتانية الجادة، أمامهما خياران أحلاهما حنظلي المذاق، فإن قاطعا استفتاء الدستور فسيخلو الجو للقبرة العزيزية لتعشش وتبيض وتفرخ في صناديق الاقتراع كما تشاء ولن تلقي بالاً للقول بأنها زورت الاستفتاء أو انقلبت على الدستور أو تصرفت بشكل أحادي، وإن شاركا فسيركب النظام ظهرهما لأنهما بالمشاركة لن يزيدا على إعطاء شرعية وهمية لانقلاب واضح وفاضح على كل المؤسسات الدستورية في البلد بل حتى على الدستور نفسه».
وتابع المدون قائلاً «لقد أربك المهرجان الصحافي للرئيس الساحة المحلية كلها وألقى قنابل صوتية انشغلت الأغلبية ببعض شظاياها وانشغلت أغلبية الظل ببعض شظاياها، أما الشظايا الأكثر قسوة وصلابة وغموضاً وتجمداً فقد كانت من نصيب التكتل والمنتدى وهما فعلاً منشغلان بها عبثاً، أما الشعب الموريتاني كله فقد وجد نصيبه من شظايا كلام رئيس قال كل شيء ولم يقل أي شيء».

 

«القدس العربي»