الخليج والكرد نقلة جديدة للفوضى الخلاقة | صحيفة السفير

الخليج والكرد نقلة جديدة للفوضى الخلاقة

سبت, 30/09/2017 - 13:44

لا تتعب الماكينة الامبريالية ولا تقف عند حد فهي في عملية هجوم مستمر على مناطق الثروة والتحكم وهي تدرك انه في اية لحظة حصل لها التوقف او التعطل فان انهيارات كبيرة ستلحق بها.
بعد ان اكملت الاجهزة الغربية مهمتها في في المرحلة الاولى في سورية والعراق والتي اقتضت تدمير البنية التحتية للبلدين العربيين الاستراتيجيين اصبح الجهد كله منصبا للانتقال الى مرحلة جديدة من مشروع الفوضى الخلاقة.. و ستكون ساحة المعركة هي الخليج العربي وشمال العراق.
في المرحلة الاولى كان  لابد من القضاء على بلدين عربيين تطورت فيهما مؤسسات الدولة واقتربا من تحقيق الاكتفاء الذاتي وكونا من الجيوش والاقتدار الامني الذي يسمح لهما بالصمود امام تمدد الكيان الصهيوني على الاقل فضلا عن دعم مفاعيل المقاومة ضده.. فكان تدمير العراق وسورية مطلبا استراتيجيا لاستمرار نهب ثروات المنطقة وهنا تطوع المال العربي مجسدا في النظام العربي الموالي للامريكان بدفع فاتورة الحرب كاملة.. يكون الامريكان والغربيين الان قد اتموا اخراج المسرحية الدامية من خلال عديد الاطراف حيث مارس الجميع الادوار المرسومة او المتوقعة في حرب الاستفزاز وردات الفعل فكانت النتيجة دمار سورية وتشريد عشر ملايين من اهل مدنها الحضارية وتدمير العراق وتكسير روح الحياة في مدنه التاريخية وترحيل اهلها.. انتهت المسرحية الدامية ولكي تسطيع سورية والعراق استعادة الانفاس عليهما الانتصار في معارك عديدة اقلها عناء عملية اعمار المباني فامام البلدين مهمات ترميم التصدعات الاجتماعية واعادة هيكلة الدولة من جديد وعلى اسس جديدة تقضي على محاضن التحجر والتيبس والاحقاد.. انها عملية كبيرة متعددة المراحل وفي اكثر من جبهة على سورية والعراق خوضها وهما مع كل هذا يخوضان معركة خفية نحو ترميم فلسفة الدولة فيما يخص هويتها واثار التحالفات الاقليمية والدولية على تكوينها وتوجهاتها.
لايمكن القول ان المعركة انتهت بشكلها المباشر في سورية والعراق فان استمرار الاستنزاف لقوي البلدين سيستمر ما استطاع الامريكان والصهاينة الى ذلك سبيلا لكي لا يتسنى لاهل البلدين التفرغ لتجاوز الكارثة.. فقد ينتقل العمل العسكري الارهابي من شكل الجيوش الى عمليات فردية اكثر ضراوة وخطورة من تفجيرات واغتيالات وتخريب للمنشآت..
وفي نقلة جديدة لمشروع الفوضى الخلاقة يتم التركيز الان على منطقتين منطقة الخليج العربي وصولا الى اليمن ومنطقة شمال العراق وصولا الى اكراد ايران واكراد تركيا.. في موضوع الخليج واضح ان هناك تفاعلات تتطور من اجل احكام السيطرة على ابار البترول من خلال شركات امينة تقوم بالسيطرة مباشرة على حقول النفط في ظل التوترات المحتملة وحالة التخويف المستمر التي تصنعها الادارة الامريكية في ما بين دول  المنطقة فالسعودية تخشى ايران وقطر تخشى السعودية والامارات تخشى ايران وايران تخشى تدفق السلاح والقوات الامريكية في السعودية وقطر والبحرين  وتخشى تحريك الاقليات الكردية والبلوش وهكذا كل بلد يضمر الشر للاخر وفي ظل هذه التوجسات تستنزف ثروات المنطقة وتندفع دولها لعلاقات مثلى مع الكيان الصهيوني وربط مصير الانظمة بالتحالف مع الكيان الصهيوني.. وسينتهي الامر بوضوح الى تقدم شركات النفط العالمية الى جلب القوى الامنية الاجنبية لحراسة النفط كما هو يجري في حقول نفط ليبيا حيث تقوم شركات امنية غربية بحراسة حقول النفط الليبية التابعة للشركات الاجنبية.. وفي هذا كله تبدو اصابع الكيان الصهيوني بارزة وكاشفة عن الدور الجوهري للكيان الصهيوني ومهماته الاستراتيجية التي لا تقف عند حدود فلسطين التاريخية.. هنا لا يمكن اغفال ما يمثله ملف اليمن من اخطار محدقة بالمنطقة كلها حيث لم تكن الحلول المطروحة للأزمة اليمنية منطقية وعاقلة فصحيح انه ما كان ينبغي للحوثيين ان يتقدموا للانقلاب على الوضع واقصاء القوى السياسية اليمنية ومكونات الشعب اليمني لصالح منطقة معينة ومذهب معين.. انه خطأ لايمكن تزيينه ارتكبه الحوثيون وبالمناسبة لابد من القول انهم كانوا على علاقة جيدة سابقا بالسعودية وبالرئيس هادي.. لقد مكن لهم من النزول الى صنعاء واندفعوا الى اعلان مجلس قيادة ثورة ولجان تحكم كل هذا صحيح لكن التعامل الخليجي لاسيما السعودي مع الملف اليمني منذ البداية كان سيئا فلقد رفضت دول الخليج التحاق اليمن بمجلس التعاون لعله من باب عقدة النقص تجاه بلد اكثر ثقافة وحضارة وتجربة انسانية ولعله امعانا في اقصاء بلد متقدم في مواقفه ضد الكيان الصهيوني ومناداة بالوحدة العربية.. ثم ان تتم مواجهة الحوثيين بتدمير اليمن وتعطيل مصالحه والقصف الجوي لمدة تزيد عن العامين فان هذا يؤكد ان السعودية دخلت النفق المظلم ولاتعرف كيف تتخلص منه لاسيما بعد ان اصبح اليمنيون بمساعدات ايرانية قادرين على توجيه صواريخ بعيدة المدى تصل الى العمق السعودي يومكنها الوول الى العمق الاماراتي.. هنا يغفل العرب جميعا اهمية مضيق باب المندب الاستراتيجية بالنسبة للعدو الذي لن يسمح بتمكن قوة اقليمية سواه في هذا المنفذ الخطير ومن هنا يفتح باب التعقيد مرة اخرى في الملف اليمني حيث اصدقاء اسرائيل الجدد في المنطقة وكيف سيكون تدخلهم ومشورتهم.
اما المنطقة الثانية فهي شمال العراق وحيث سيكون اكراد ايران وتركيا مسرح العمليات القادمة فلم ينتظر اكراد شمال العراق حتى ينتهي الاستفتاء ويعلنون الدولة حتى يظهرون اهدافهم الاستراتيجية باقامة كيان سياسي يكون له قوة الجذب المغناطيسي لاكراد المنطقة فلقد شهد يوم الاستفتاء في اربيل حراكا لمليشيات مسلحة كردية ايرانية..
وهنا دائرة الخطورة الكبيرة وللاسف لايملك الايرانيون ولا الاتراك بديلا عن العمل الامني والعسكري القمعي في هذا الملف الخطير.. فلقد سبق لشاه ايران ان شغل الانفصاليين الاكراد العراقيين ضد الدولة العراقية وانتهت المعضلة الكردية العراقية الى صيغة الحكم الذاتي الموسع بموجب دستور اسهم فيه الامريكان وحلفاؤهم.. لقد كانت صيغ الدستور تضع جرثومة التقسيم الي حاوله بايدن سنوات طويلة واخذ عليه موافقة من الكونجرس..
تسرع ايران الان للتحالف مع خصم الامس تركيا ويصبح التنسيق بين البلدين على اعلى مستوى انه يتجاوز كل شيء لانه يمس الامن القومي لكلا البلدين كما يقول المسئولون فيهما.. بل اسرعت تركيا الى مناورات مشتركة مع الجيش العراقي بعد ان كادت الحرب تنلدع بين البلدين وجمدت ايران والعراق انتقاداتهما لتركيا التي يبدو انها  مقابل علاقات استراتيجية مع ايران ستتخلى عن المسلحين في ادلب.
اعترفت ايران ام لم تعترف وافقت تركيا ام لم توافق رفضت بغداد ام سكتت كل ذلك لن يقلل من خطورة المرحلة القادمة فهناك اكثر من 12 مليون كردي في ايران وهم سكان اصليين تعاقبت السنون وهم يحملون مظلوميات لم يتسن لدولة الايرانية الاقتراب من تفكيكها واحداث مصالحات عميقة معهم فيما يخص خصوصياتهم المذهبية والعرقية.. وفي تركيا تتوراث الحكومات التركية الملف الكردي وذكريات المواجهات العنيفة مع التمرد الكردي المسلح ورغم كل المحاولات في تشريكهم في البرلمان الا ان الملف الكردي التركي لايزال متفجرا..
الان يقوم الاكراد العراقيون وهم الاكثر تمتعا بحقوقهم من كل اكراد المنطقة يقومون باجراءاستفتاء لن يتم النظر اليه بحيادية لانه مرتبط بملفات اقليمية كثيرة لعل علاقته بتدخلات اسرائيل يزيده تعقيدا وتازيما.. صحيح ان التطبيع مع اسرائيل اصبح سلوك دول المنطقة لاسيما الخليجية لكن المطروح هنا قيام اسرائيل بتعزيز التمزيق وفتح جبهات داخلية في اخطر الاماكن لاشغال ايران وتركيا والعراق دفعة واحدة.. هنا يكون صناع الفوضى الخلاقة نقلوها الى مرحلة اخرى فهل يملك حكام تركيا وايران والعراق صيغا بديلة عن الحرب وهل يملكون رؤية تصالح عميقة وتحد حضاري غير ما كان يتم نهجه من معالجات امنية.. اننا امام الامتحان الاكثر خطورة في تلك المنطقة تولانا الله برحمته. 

 

صالح عوض