من قتل الجاحظ..؟ | صحيفة السفير

من قتل الجاحظ..؟

سبت, 30/09/2017 - 14:32

هل مات الجاحظ بسبب سقوط أثقال الكتب على رأسه وردمها له أم أنه قتل؟

لقد وصلتنا المعلومة منذ مئات السنين جاهزة ونهائية ولم نبحث في صحتها أبدا، لأننا تعودنا ذلك من منطلق أن تراثنا بالنسبة لنا لا يختلف عن «اليقين»!

مات مدفونا بالكتب كما تروي القصص القديمة، مع أنه كان مقعدا، في التسعين من عمره، وحتما كان هناك من يخدمه ويناوله الكتب، والأوراق والأقلام والمحابر.

في ذلك العمر هل كان قادرا على القراءة والكتابة؟ أم أنه كان يملي معارفه على تلاميذ له وكانوا يدونونها؟

ما قصّة الجاحظ الحقيقية؟

وهل ما وصلنا حقيقي أم مزور، فأنقص منه وأضيف إليه ليصلنا على ما هو عليه اليوم؟

الزنجي الذي ولد في البصرة واختلف عن أهلها شكلا، والذي نسب نفسه لبني كنانة وشكله ينسبه للأفارقة وأهل السودان، الطفل اليتيم الذي عاش فقيرا هل كان مقطوعا من شجرة لا جذور لها ولا فروع، أم أنه كان ابن أمة عاشت في قاع المجتمع فعاش معها كما اتفق إلى أن رفعه العلم إلى مرتبة مجالسة الخلفاء والأمراء وعليّة القوم؟

يبدو لي تاريخ «الجاحظ» كله مزوّر، لا لأن كل ما وصلنا منه غير حقيقي، بل لأنه متناقض ويخالف المنطق. ولكننا لم نمعن حتى في تركته الأدبية لنستنتج الحقيقة الدامغة عن شخصه.

لقد عاش الرّجل وهو يقارن بين الناس، سابرا أغوارهم، واصفا حيواتهم المختلفة، ونكاد نجزم أن الحياة في العصر العباسي متوفرة لدينا بكل حذافيرها وتفصيلاتها الصغيرة في كتب الجاحظ، ويمكن من خلالها معرفة نوعية الحياة أيضا قبل تلك الفترة أي في عصر بني أمية. كما يمكن استخلاص الأخلاق الإنسانية المشتركة في المنطقة العربية التي عاش فيها.

في كتابه «فضل السودان على البيضان» نكتشف شخصيته وانحيازه لجذوره الأفريقية السودانية، فمن زوّر تاريخه إذن ونسبَهُ لغير نسبهِ؟

صحيح أن كتبه موجودة، واهتم بها المستشرقون أكثر منا أضعاف المرات، لكن السؤال لماذا لم نهتم نحن بهذا الموروث؟ ترانا خفنا من طرح الأسئلة؟ أم من الأجوبة التي يمكن أن تصعقنا بعد البحث والتمحيص في معطياتنا التاريخية والأدبية معا؟

الخوف من طرح الأسئلة هو العائق الأول لتأخرنا كأمم، فقد بلغنا «اليقين» في نظر أنفسنا منذ بنت السياسة سقفا لكل معارفنا وأغلقت منافذ النور علينا من كل الجهات.

وهذا ما يفسّر فقداننا لأداة التقدم والتحضر، فقد عزلنا هناك في قرون غابرة، عند مجموعة معارف لم نهتم بتطويرها واكتشاف المزيد منها، بقينا هناك وقد نهل غيرنا مما ملكنا, أقلع بفكره نحو آفاق أعظم.

إن نكراننا بأن «الجاحظ» قتل وأنه مات بسبب كتبه، ربّى في أجيال كثيرة عندنا فكرة أن الكتب لا فائدة منها، إنها تمثل تلك الصورة الكاريكاتورية لرجل جاحظ العينين بشع الخلقة - وهو المثقف العالم الحكيم - وهو يموت تحتها مختنقا. قتلنا الجاحظ هكذا بقصّة ظريفة ومضحكة، ناسبت الفكر الرديء الذي انتشر في المجتمعات الإسلامية بعد كسر التتار لشوكة الخلافة العباسية، وبقينا على تلك الحكايات التي لم يتناولها أحد بالدراسة والتدقيق.

قتل الجاحظ ولا يزال يُقتل، فقد أفنى حياته عالما من أجل مجتمع لا يزال يغط في نوم عميق.

 

فضيلة الفاروق