الخطر الصهيوني يكتسح بلداننا تحث غطاء المنظمات الدولية... | صحيفة السفير

الخطر الصهيوني يكتسح بلداننا تحث غطاء المنظمات الدولية...

اثنين, 09/10/2017 - 12:02

نظم العشرات من مناهضي التطبيع  بالمغرب مساء الأحد 08 تشرين الأول الجاري وقفة احتجاجية أمام البرلمان المغربي الذي استقبل مجرم الحرب "عمير بريتس" و زير الدفاع الصهيوني السابق في مناظرة دولية حول الاستثمار و التجارة يحتضنها مجلس المستشارين المغربي (الغرفة الثانية)..

مبدئيا، نعبر عن احتجاجنا و رفضنا المطلق، لأي شكل من أشكال التطبيع مع الكيان الغاصب و المحتل للأرض و للمسجد الأقصى، و السافك و المنتهك لدماء و أعراض أهلنا بفلسطين المحتلة، هذا الموقف هو نفسه الذي عبرنا عنه في مناسبة سابقة عندما تم رفع علم الكيان الصهيوني بعاصمة المرابطين عندما تم تنظيم مؤتمر المناخ بمراكش ...

الدولة المغربية تتحمل المسؤولية الكاملة في السماح بدخول هؤلاء المجرمين للمغرب و استفزاز مشاعر المغاربة وباقي العرب و المسلمين، لا سيما و أن المغرب يضم "لجنة بيت مال القدس" التي يشرف عليها العاهل المغربي، و القضية الفلسطينية في سلم أولويات كل مواطن ومواطنة مغربية، التطبيع له أشكال و أبعاد ليس فقط استقبال الوفود السياسية فقبل حوالي أسبوعين من هذا التاريخ، تم استقبال مغنية راب صهيونية في مهرجان موسيقي بطبنجة ، و تم الاحتجاج عن ذلك، لا نعلم على وجه التحديد ما الجدوى من هذا الانصياع ،لهذا التوجه المجانب للصواب و للأخلاق و لقيم الولاء و البراء ..

نحمل المسؤولية أولا لقادة فلسطين الذين أضاعوا القضية الفلسطينية، بصراعهم على المناصب و المكاسب، فلايمكن لباقي حكام العالم العربي أن يكونوا "ملكيين أكثر من الملك"، ففي أوج القصف الصهيوني على غزة يخرج الرئيس الفلسطيني بتصريحات تبرر العدوان الصهيوني على غزة، و يستغل الموقف لتصفية الحسابات السياسية مع حركة حماس، الواقع أن الانقسام الفلسطيني أضر كثيرا بالقضية الفلسطينية، وأدخلها في نفق مسدود، فقادة فلسطين اعتقدوا أن بالفعل لهم دولة ذات سيادة وبرتوكول ، و صدق العالم ما صدقوه...و نسوا أنهم لازالوا تحث الاحتلال، و أن أوليتهم هي مقاومة المحتل لا حماية أمنه...

و نحمل المسؤولية أيضا، لأنظمة الحكم الفاسد في العالم العربي، ففلسطين قضية كل عربي بل كل أحرار العالم، فمحاولة الحكومات العربية كسب ود إسرائيل بغرض التأثير في القرار الغربي، هو ضرب من الوهم فالله جل وعلى أخبرنا بحقيقة لا جدال فيها حيث قال تعالى : ( وَلَن تَرْضى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ) (البقرة الآية 120). بل ذهب بعض المفسرين للقول، حتى ولو اتبع العرب و المسلمين ملتهم فلن يرضوا عنهم، و هو ما حصل فعلا للقيادة الفلسطينية، التي تماهت مع الموقف الصهيوني فماهي نتائج التي تحققت منذ مؤتمر أوسلو 1994.

وندين بشدة موقف المغرب، فهو يحتضن "لجنة القدس"، و التي تتولى الدفاع عن إسلامية القدس و مقاومة تهويد هذه المدينة المقدسة، التي يوجد بها المسجد الأقصى أول القبلتين و ثالث الحرمين ومجموعة من المقدسات الإسلامية. وتشكل القدس محور الصراع بين اليهود و المسلمين منذ عام 1948، تاريخ قيام الكيان الصهيوني بأرض فلسطين. و قبل ذلك كانت محور حروب دامية بين المسلمين و الصليبين، انتهت باسترجاع المدينة لحوزة الإسلام، و قد شارك المغاربة بالدم و المال في تحرير المدينة المقدسة من أيدي الغزاة . فسيكولوجية المغاربة ظلت عبر التاريخ متمسكة بالقدس و بكل المقدسات الإسلامية، بل إن المغاربة كانوا يتخذون من مدينة القدس محجا و مستقرا لهم، وخير دليل على ذلك باب المغاربة وحي المغاربة الموجود إلى يومنا هذا  في القدس.

إن حضور الصهاينة و رفع علمهم –في السر أو العلن- الذي يعبر عن تطلعاتهم التوسعية بالمنطقة- فنجمة داوود التي يحدها اللون الأزرق من جانبين، يدل على نهري النيل و الفرات، إنها حدود دولة الصهاينة كما رسمت على علمهم- هو إهانة للمغرب الذي كان عبر التاريخ داعما لقضايا الأمة ، هو خيانة للمغاربة قبل أن يكون خيانة لإخواننا الفلسطينيين، إنه سلوك تطبيعي مع كيان صهيوني عنصري، يبحث عن موضع قدم له بداخل الرقعة الجغرافية العربية ... و من دون شك أن هذا السلوك الذي أقدمت عليه الحكومة المغربية، هو سلوك مجانب للصواب، و مهين للمغاربة الذين ضحوا في الماضي و الحاضر بالغالي و النفيس من أجل نصرة القضية الفلسطينية... فهذا السلوك يعبر عن غياب الديمقراطية في مملكة "إمارة المؤمنين"، وفي حكومة يتزعمها حزب "إسلامي"...

و الحجج التي سوقتها الحكومة كمبرر لحضور هذا الكيان إلى المغرب حجج ضعيفة ، من قبيل أن المؤتمر دولي و تحث غطاء منظمة دولية و هذا الكيان عضو بالأمم المتحدة، و من أن العديد من البلدان العربية وقعت معاهدات سلام مع هذا الكيان و طبعت علاقتها معه، وأن وجود هذا الكيان داخل العالم العربي أصبح مسلمة، لا سيما و أن السلطة الفلسطينية طبعت علاقاتها مع الصهاينة وتفاوضهم في السر والعلن ... و بغض النظر عن هذه الحجج أو غيرها، فإن هذا الحضور العلني تتوخى منه الحكومة المغربية دعم الحكومات الغربية التي تدين بالولاء للوبي الصهيوني..

 نحترم موقف الحكومة عندما يكون شريفا، في بحثها عن من يناصر قضاياها، ولكن لا ينبغي أن يكون ذلك بالتطبيع مع أعداء الدين والوطن. فالصهيونية وما ترتكبه من جرائم ليست ببعيدة عن المغاربة فسفك دماء كل فلسطيني هو سفك لدماء كل مغربي. وبدلا من البحث عن دعم خارجي فلابد بداية  من البحث عن دعم داخلي، فقوة الحاكم و الحكومة مرتبطة بشرعيته، و هذه  الشرعية مصدرها الأول و الأخير الشعب، و لذلك،لا ينبغي المتاجرة بمشاعر الملايين من المغاربة، الذين تشكل فلسطين بالنسبة لهم نفس ما يمثله المغرب في وجدانهم . فكما نرفض أي اعتداء على المغرب و أراضيه، و نعادي كل من تأمر على المغرب ووحدته و أمنه..كذلك لانريد من الحكومة المغربية أن تتعاون  مع الصهاينة ضدا عن مصالح الشعب الفلسطيني...

بل إنه من الغباء الاستراتيجي أن نعادي مليار مسلم، فعلى الرغم من تباين مواقف الحكومات في العالم الإسلامي تجاه الكيان الصهيوني، إلا أن الشيء المؤكد أن أزيد من مليار مسلم قلوبها مع فلسطين و شعبها. وكان بالإمكان للمغرب أن يحقق كسبا دبلوماسيا و استراتيجيا، برفضه حضور الكيان الصهيوني . فموازين القوى على المدى المتوسط لن تكون إلا في صالح الأمة الإسلامية الموحدة و المتضامنة،  و لن يكون لهذا الكيان الغاصب أي وزن على المستوى المحلي و الإقليمي.

للأسف، داء الحكومات العربية هو نفس الداء، عجزها عن اقتناص الفرص و تحقيق المصالحة مع شعوبها و بني جلدتها من المسلمين. فعلى خلاف بلد كتركيا مثلا نجد أن حكومة "أردوغان" عندما دعمت غزة، و أرسلت سفينة "الحرية" لكسر الحصار على أهل غزة، وبالرغم من أن هذا يعد موقفا إنسانيا معتبرا فرضته رابطة الأخوة في الدين،  لكنه موقف حقق مكاسب لتركيا: فقد  كسبت تعاطف المسلين عامة و العرب خاصة، و هو الأمر الذي ترجم إلى ارتفاع في حجم الصادرات التركية نحو السوق العربية، وما صاحب دلك من انتعاش للاقتصاد التركي و توسيع خيارات الأتراك، كما  ترجم أيضا إلى نمو في القوة الناعمة لتركيا و هو ما أعطى لحكومتها شرعية و حصانة ضد كل تهديد أجنبي...

وفي الختام.. لابد من الإقرار بأن التحدي الرئيس الذي لازال يواجه معظم الشعوب العربية هو إقامة أنظمة حكم تعبر عن إرادة شعوبها، و بعد ذلك تصبح الطريق ممهدة لتحقي الطفرة الاقتصادية و النهضة الحضارية والخروج من دائرة التخلف و الهيمنة الأجنبية إلى دائرة  الإسهام في صياغة نموذح حضاري فعال و مؤثر، على غرار ما فعلت مراكش في عصورها الذهبية عندما كانت عاصمة لدول رفعت شعار الإسلام و جاهدت من أجل تحقيق عدله و قيمه .. .. "هذا بيان للناس وهدى و موعظة للمتقين" (الآية 138 آل عمران) ..و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون..

 

د.طارق ليساوي

*إعلامي و أكاديمي مغربي متخصص في الاقتصاد الصيني و الشرق آسيوي