التحالف الاستراتيجي بين الصين و أمريكا لن يخدم أجندة العرب في التوجه شرقا.. | صحيفة السفير

التحالف الاستراتيجي بين الصين و أمريكا لن يخدم أجندة العرب في التوجه شرقا..

سبت, 11/11/2017 - 15:33

يقوم الرئيس الأمريكي "دونالدترامب" هذه الأيام بزيارة رسمية إلى الصين الشعبية بدأها يوم الأربعاء 8 نونبر و تمتد لثلاثة أيام، وتعد العلاقات الصينية الأمريكية هي الأهم في القرن 21 سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي فهناك تحالف استراتيجي بين البلدين، فبالرغم من تضارب المصالح إلا أن كلا الطرفين يحتاج إلى الأخر و يتمسك به، وإن لم يكن على المدى الطويل فعلى الأقل في المدى المنظور،و سنحاول في هذا المقال تسليط الضوء على هذا التحالف الاستراتيجي بين البلدين لنوضح للقارئ العربي أن المراهنة على الخلاف بين الصين وأمريكا، هو كالمراهنة على الخلاف الذي كان بين الاتحاد السوفيتي السابق و المعسكر الغربي إبان الحرب العالمية الثانية وما بعدها...

ففي العلاقات الصينية الأمريكية لابد من التمييز بين مرحلتين قبل نجاح الثورة الماوية و بعدها ، فقبل قيام الجمهورية الصينية الشعبية بزعامة "ماوتسي تونغ" كانت العلاقات بين البلدين علاقات تعاون و تحالف عسكري و استراتيجي لا سيما في مرحلة الحرب العالمية الثانية،و شكل الاحتلال الياباني لتايوان و البر الصيني نقطة الارتكاز لهذه العلاقات الصينية الأمريكية فالعدو مشترك، لا سيما بعد دخول الولايات المتحدة الحرب إلى جانب الحلفاء...

لكن بعد انتصار الثورة الماوية و قيام جمهورية الصين الشعبية سنة 1949، و اختيارها الإيديولوجية الشيوعية و اصطفافها إلى جانب الاتحاد السوفيتي،و تراجع سلطات "الكومنتانغ" من بر الصين إلى "تايوان"، بدأت الصين تمثل عدوا للولايات المتحدة و أخدت الخصومة تتصاعد ، و توج هذا الخصام بنزاع مسلح مباشر في الحرب الكورية عام 1950 ، فقد حاربت الصين الولايات المتحدة على أراضي شبه الجزيرة الكورية وقدمت دعما عسكريا مباشرا للشيوعيين،و قامت الولايات المتحدة بإرسال أسطولها السابع لغزو تايوان و مضيق تايوان، ووقعت مع سلطات تايوان معاهدة دفاع مشترك سنة 1954 مما أدى إلى انفصال تايوان عن البر الصيني، كما تدخلت الصين بشكل غير مباشر في حرب فيتنام، و من تم شكلت الصين ثاني أكبر عدو للولايات المتحدة بعد الاتحاد السوفيتي...

غير أن الخلاف بين الاتحاد السوفيتي و الصين الشعبية، و هو خلاف حدودي بين بلدين جارين، تحول لصراع نفوذ بين بلدين شيوعيين، قاد إلى تقارب و انفراج في العلاقات الصينية الأمريكية ، و شكل العامل الاقتصادي المحرك الأساس لهذا التحول الراديكالي في العلاقات الصينية الأمريكية من جهة، والعلاقات الصينية اليابانية من جهة أخرى،فالنتائج الاقتصادية والاجتماعية السلبية، الناجمة عن سياسة "القفزة الكبرى إلىالأمام" و "الثورة الثقافية"، أفرزت سلسلة من الانتكاسات الخطيرة من ضمنها المجاعات، و ضعف الأداء الاقتصادي و الانزلاق لحرب أهلية مما كاد ينهي سيطرة الحزب الشيوعي خاصة مع تراجع شعبية "ماوتسي تونع"، فكان لابد من بدائل و شكلت اليابان العدو التاريخي للصين البديل...

فالمصالحة مع اليابان بدأت بداية بتسوية الخلاف مع الولايات المتحدة الأمريكية، فقد قام وزير خارجية الولايات المتحدة "كسينجر" بزيارتين سريتين لبكين التقى فيهما"ماوتسيتونع" و" شو إن لاي" عام 1971 ، قبل الزيارة التاريخية للرئيس نيكسون للصين الشعبية عام 1972. وأعلن الجانبان الصيني و الأمريكي" بيان شانغهاي"، وفي أول 1979 أقامت الصين و الولايات المتحدة الأمريكية علاقات دبلوماسية، واعترفت الولايات المتحدة بأن حكومة الصين الشعبية هي الحكومة الشرعية الوحيدة للصين وأن التايوان جزء من البر الصيني..

المصالحة مع الولايات المتحدة الأمريكية فتحت الباب على مصراعيه لتحقيق تقارب بين اليابان والصين، وتسوية الخلاقات التاريخية الناتجة عن احتلال اليابان للصين، هذه المصالحة شكلت من دون شك أحد أهم روافد الانتقال السياسي و الاقتصادي في الصين بعد 1978، ففي اليابان أعلن الرئيس "دونغ شوبينغ" عن رغبة بلاده في تبني مسار تنموي يحاكي النموذج التنموي الياباني، و أعلن عن ترحيبه برؤوس الأموال اليابانية للاستثمار في البر الصيني و في مقدمة هؤلاء المستثمرين صينيي ما وراء البحار..

فالتحول الاقتصادي في الصين بعد 1978 و الانتقال من الاقتصاد المنغلق إلى الاقتصاد المنفتح، تم عبربوابة المصالحة مع الولايات المتحدة، ومنذ ذلك الحين توطدت العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين ، ولعل المؤشرات الدالة على حجم المبادلات التجارية البينية بين البلدين، و الاستثمارات الأجنبية تؤكد مدى تشابك المصالح و تعقدها، ويكفي أن نستوعب أن الصين من أكبر دائني الولايات المتحدة، فهي لها استثمارات جد مهولة في سندات الدين الأمريكي، ويكفي أن تتخذ الصين قرارا سياديا واحدا بدفع ثمن ما تستورده من مواد طاقية و أولية بعملتها الوطنية أو أي عملة دولية غير الدولار الأمريكي، فقرار مثل هذا كفيل بتدمير التوازنات الماكرو-اقتصادية ليس للاقتصاد الأمريكي فقط، و لكن للاقتصاد العالمي..

فالعلاقات بين البلدين بلغت درجة من التشابك يصعب فصلها، فالصين تخدم مصلحة الولايات المتحدة و العكس بالعكس، فالتوافق توافق مصالح و الخلافات البينية لا ترقى إلى مستوى الصدام المباشر ، وإنما الغرض منها توسيع المكاسب فكل طرف يحاول تعظيم مكاسبه من الطرف الأخر، فالصين في حاجة للاقتصاد الأمريكي، فالسوق الأمريكية أهم سوق للصادرات الصينية طيلة الثلاث العقود الماضية، كما أن الولايات المتحدة أهم مستثمر في الصين و أهم مصدر للتكنولوجيا المتقدمة..و بالعكس فالولايات المتحدة مستفيدة من الطفرة الاقتصادية الصينية فحجم الأرباح التي تحققها الشركات الأمريكية من استيراد السلع الصينية يفوق بكثير هامش الربح، الذي تحققه المؤسسات الصينية المصنعة، ويفوق هامش الربح الذي تحققه المؤسسات الصناعية الأمريكية، لو أنها اختارت تصنيع المنتج الصيني محليا، فانخفاض تكلفة وأسعار المنتجات الصينية شكل من دون شك، أحد الآليات لخفض نسب التضخم في الولايات المتحدة، ووسع من خيارت المستهلك الأمريكي، أما ما يتم الترويج له من أن الصادرات الصينية تؤدي إلى  هجرة الصناعة و الوظائف للصين، فالغرض منه ضمان استمرار دعم الصين للدولار الأمريكي، فالصين تلعب نفس الدور الذي لعبته اليابان من قبل..

علينا كعرب أن ندرك حقيقة هذه الأمور"فليس بين القنافد أملس"، فالصين أو أمريكا الكل يبحث عن تحقيق مصالحه القومية و توسيع مكاسبه الإستراتيجية، و مايروج له حكامنا بعبارة الاتجاه شرقا و التحالف مع الصين أو الهند هو نوع من الخرافة و التسويف وإطالة أمد التخلف، فالتوجه العملي و المنطقي يقتضي تعزيز الجبهة الداخلية و نبذ الخلافات البنية، فالتحدي هو تحقيق مصالحة بين الحكومات العربية وشعوبها من جهة، وبين البلدان العربية من جهة ثانية، و نقطة الارتكاز تحقيق التنمية الفعلية، و التعاون و التكامل الاقتصادي العربي-عربي بوابة الخروج من الحلقة المفرغة التي تعانيها المنطقة العربية، أما الارتماء في الحضن الأمريكي أو الروسي أو الصيني فلن يغير من واقعنا شيئا...و الله غالب على أمرهو لكن أكثر الناس لا يعلمون..

 

د.طارق ليساوي

*إعلامي و أكاديمي مغربي متخصص في الاقتصاد الصيني و الشرق آسيوي