لاتسبوا "ترامب"فإنه يمارس السياسة بلا نفاق... | صحيفة السفير

لاتسبوا "ترامب"فإنه يمارس السياسة بلا نفاق...

جمعة, 08/12/2017 - 12:58

علينا أن نقر كعرب و مسلمين بأننا نعيش مرحلة عصيبة ، تتشابك فيها الأحداث و تتعدد المطامع و المؤامرات  المحلية والدولية حول نهب ثروات المسلمين و تفقيرهم وتدمير كل إمكانية للنهوض و التعافي، لكن بالرغم من هذا الواقع المرير علينا في ذات الوقت أن نفهم ونستوعب بأن قرار التغيير و الخروج من هذا المستنقع مرتبط بإرادة المواطن العربي، فعليه أن يتحمل مسؤوليته في الحفاظ عل دينيه وعرضه و كرامته، فالصورة أخدت تنكشف بالتدريج، و أصبح العدو جليا و لائحة المتآمرين وخططهم انكشفت تباعا، و لعل الفضل في ذلك يعود لرب العالمين بداية، فالأمة لا يمكن أن تقوم لها قائمة إذا انعدم إخلاص قادتها و انقسمت إلى ثلاث طوائف احدهما منافق ، و الأخر يسعى لنصرة الحق و الثالث معادي لفكرة النهوض من الأساس، لكن أخطر هذه الطوائف هي طائفة المنافقين الذين يظهرون عكس ما تخفي سرائرهم ، لأجل ذلك فليس من العبث أن يخصص القران الكريم لاسيما في سورة البقرة القسط الأوفر لمخاطبة المنافقين بالأساس و كشف ألاعيبهم و خططهم الدنيئة..

هذه المقدمة فرضتها الأحداث الأخيرة التي تعصف بالمنطقة العربية تحديدا، و العالم الإسلامي عامة، الحدث الأول المثير للجدل هو الوثيقة التي سربها الرئيس المقتول عبد الله صالح و التي تعود للعام 1966 و التي أرسلها الملك فيصل بن عبد العزيز للرئيس الأمريكي آنذاك ، و كشفت الوثيقة عن خطة عمل و عن فحوى المؤامرة التي استمرت منذ 1966 إلى اليوم، و الحدث الثاني أنباء الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني و نقل السفارة الأمريكية الى القدس...

فأما الحدث الثاني فهو غير ذي أهمية ففي شهر رمضان المنصرم، أقدمت سلطات الاحتلال على إغلاق المسجد الأقصى المبارك، في ظل  صمت مريب لباقي شعوب و قادة العالم العربي، بينما خرج شباب فلسطين المحتلة، و رابطوا حتى حرروا جزئيا بيت المقدس من قبضة المحتل الغاصب ، فكما الأمس سيحدث اليوم فللقدس رب يحميه، و شعب مرابط مؤمن بقضاء الله و يدرك انه يناضل في سبيل نصرة دين الله و مقدسات الإسلام، و قرار مثل هذا سينفع القضية الفلسطينية ويحررها من قبضة المتآمرين والمنافقين الذين حولوا القضية إلى مصدر للريع و تحقيق المكاسب المالية واحتكار الامتيازات...

و مصداقا لقوله تعالى :(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (سورة البقرة الاية 216 ،( فحال الأمة يحزن بدون شك لكن علينا جميعا ان نستوعب هذه الأحداث و دلالاتها العميقة فالمنطقة والعالم يتجه صوب أحداث كبرى ، و لعل مفجرها هو هذا الرئيس "ترامب" الذي من حسناته انه يمارس السياسة بدون نفاق، و يقول صراحة وبدون تمويه ما يختلج في ذهنه، ومايروج من دسائس و مؤامرات بداخل المطبخ السياسي الأمريكي و الدولي، فقرار نقل السفارة إلى القدس و الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الصهاينة المحتلين تم إقراره في الكونجرس الأمريكي سنة 1995 في عهد إدارة "بيل كلينتون"، لكن القرار يعطي الرئيس الأمريكي صلاحية تأجيل تنفيذ القرار لمدة 6 أشهر، وقد تشكل عرف لدى الإدارة الأمريكية منذ "بيل كلينتون" مرورا "ببوش الابن" و "براك أوباما"، بتأجيل الاعتراف لكن يتم استغلال هذا القرار لابتزاز الشعب الفلسطيني و القادة الفلسطينين .  لذلك،  فلاداعي للهلع من قرار الاعتراف أو نقل السفارة، وعلى الشعب الفلسطيني و باقي الشعوب العربية أن تقود مصيرها بيدها، فالقادم من الأعوام سيكون أفضل بإذن الله من السنوات العجاف التي مرت على لمنطقة...

و هذا التفاؤل مصدره انكشاف خيوط المؤامرة وسقوط أقنعت المتآمرين، فمن كان يتصور أن فيصل بن عبد العزيز هذا الملك الذي اتخذ قرار وقف تزويد الغرب بالنفط في حرب 1973، و قد كتبت شخصيا مقالا أمدح فيه سلوك الرجل قبل شهرين من هذا التاريخ تحث عنوان " ما أحوجنا اليوم إلى حكمة الملك فيصل" و قد نشر بهذا المنبر و غيره ، و لا يسعني إلا الاعتذار عن هذا المقال الذي جانب الصواب، فهذا الرجل لم يكن حكيما أو بطلا و إنما خائنا لدينه ووطنه...

هذه الخيانة انكشفت بشكل أكبر بعد ثورات الربيع العربي، فهذه الثورات تم التكالب عليها من قبل أنظمة الحكم في الخليج، مع أن هذه الأنظمة سارعت منذ الوهلة الأولىإلىتبني حزمة من الإصلاحات و توزيع المكاسب على مواطنيها في خطوة استباقية، لكن بالمقابل عملت على كسر شوكة شعوب الربيع العربي، دمرت تونس و ليبيا و مصر و اليمن و أعاقت التحول في المغرب و الأردن في تحالف أسود للملكيات ، يشبه إلى حد كبير ما حدث في أروبا عند انفجار الثورة الفرنسية، عندما تحالفت الملكيات الاروبية على وأد الثورة الفرنسية ..و التاريخ يؤكد لنا أن الثورة الفرنسية نجحت بالنهاية، وأفكارها قادت أوروبا و الغرب و غيرت وجه العالم عموما ، بل إن الملكيات الاروبية التي انصاعت لنداء حقوق المواطن و تنازلت عن مبدأ الحكم التيوقراطي، استطاعت الاستمرار و البقاء بل الاحتفاظ بمكانة رمزية سامقة في قلوب شعوبها..

فالتحدي الذي يواجه العالم العربي و الإسلامي هو تحدي استعادة الحكم للشعب، و استرجاع كرامة وحرية المواطن، فلا يمكن حماية الدين أو الوطن في ظل أنظمة عميلة تحرق الأخضر و اليابس خدمة لسيدها الأمريكي و الغربي، فحروب المنطقة تتجه بالتدريج لأن تصبح حروبا مباشرة بين غرب مستعمر ناهب للثروات و شعوب تريد التحرر من الهيمنة والاستبداد و التخلف، بعدما كانت الحروب تتم عبر وسطاء و أسر حاكمةو أنظمة عميلة..من حسنات الربيع العربي أننا اكتشفنا المنافقين الجدد، و تبين لنا بالملموس وجود أحزاب و جماعات تنتمي لما يعرف تاريخيا بحزب " أبي بن سلول"..لكن ينبغي اننستوعب معنى قوله تعالى : ( وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ) (سورة فاطر الاية 43 ( و قوله تعالى : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين) (سورة ال عمران  الآية 54 ( فنهاية الطغاة و المستبدين ستكون على شاكلة ما حدث للقدافي و صالح فثوار الميادين لم يسفكوا دم أحدد بينما الطغاة سفكوا الدماء و انتهكوا الأعراض و دمروا الأوطان حماية لعروشهم،  لكن الله يمهل و لا يهمل ..و حسبنا الله ونعم الوكيل.

 

 

د.طارق ليساوي

*إعلامي مغربي و أكاديمي متخصص في الاقتصاد الصيني و الشرق آسيوي .