قصة بقرة غلام ورفاقٍه: | صحيفة السفير

قصة بقرة غلام ورفاقٍه:

أربعاء, 27/06/2018 - 17:17

كان الوقت ضحى أحد أيام يونيو الحارة، والشمس تتهيأ للدخول إلى كبد السماء وقد بدأت تسلط أشعتَها الحارقة على الأرض: عند ما دَلَف الوفد البرلماني من المدخل الغربي لبلدة (فٍراج تامشكط) ، ثم انعَرَج عن طريق الأمل يمينا لتفقّد إحدى نقاط المياه قيد الحفر في وسط (مَفْلَكْ لَمْدَنّه) الشهير.

توقف الوفد عند نقطة المياه، وأثناء الحديث مع الفريق الفني المشرف على الحفر، لاحظ الرئيس محمد غلام بَقَرة جاثمة ترمقنا غير بعيد، فقرأ من عيونها الدامعة صرخةَ استنجاد، ومن رٍجلها الممدودة بشكل غير طبيعي أن وضعها الصحي غيرُ عادي. فنادي في الوفد: (أنْ هلموا فهذه بعضُ مهمتكم).

لم يكن الوفد متهيئا لهذا النوع من "التدخل المباشر"، وإنما كانت مهمتُه مقتصرةً على المعاينة والمواساة والمساعدة ببعض مما في اليد والوسع، ولكنّ رٍقة الرئيس غلام المعهودة، وحالَ هذه المخلوقة الصعب، فَرَض على الوفد أن يُنقذها من ضجعتها التى قد تنتهي بها إلى الموت، وأن يَذوق بذلك شيئا من طعم ما يعانيه أهلُ هذه المناطق في هذه الأيام.

يبدو أن المسكينة أساءت التقدير، إذ عندما أحست بشدة الوهن والحاجةٍ إلى الخلود إلى الأرض تقدمت إلى ظل شجرة هي مثلُها تماما في الهزال ومعاناة الجفاف، فآوت إلى ما بقي من ظلها الغربي ، ولكنّ الظل سرعان ما فاءَ عنها جهة الشرق، والشمسَ سرعان ما داهمتها ولاحقتها من جهة الغرب، وصارت هي في وضع لا تحسد عليه.

تقدّمنا نحو البقرة، وكان النائبان غلام وسلام السابقين إليها، وكنت اللاحقَ بهم، وبدأ التحضير لعملية الرفع ، ويبدو أنني كنت أحسنَهم خبرة من الناحية النظرية في تقنيات رفع عٍجاف البقر، وإن كُنت أضعفهم قوة من الناحية العملية.. تَوَزّعْنا توزعا مدروسا، حيث كان غلام في الميمنة، والنائب سلام على المقدمة، وكنت في الوسط.. وتمت عملية رفعها بنجاح في المحاولة الأولى.

كان للبقرة فصيل صغير يتبعها، وكان يراقبنا غير بعيد، وكأنه يظن بنا خيرا حينا ويظن بنا شرا. وما إن استوت المسكينة على قدميها واطمأنت قوائمها، حتى بادرت إلى ولدها وبادر هو إليها، ثم تابعا سيرهما الواهن.

من كواليس عملية رفع البقرة:
1 كاد النائب سلام أن يُفشل علينا المحاولة الأولى لرفع البقرة عندما مسكها بقرونها وحاول جذبها إليه.
2 تولى الرئيس غلام الجهةَ الصعبة من البقرة، حيث كانت مُصابة بإسهال حاد نظرا لسوء التغذية، ومع ذلك فقد كان أحسنَنا بلاء وأكثرَنا حماسا أثناء عملية الرفع، ربما لأن البقرة (حمراء) فظنها من بقر (العشيرة).

من صفحة النائب: محمد محمود الصديق