"السفير" تحاور شيوخ قبائل الصحراء بجنوب المغرب (الحلقة الثالثة) | صحيفة السفير

"السفير" تحاور شيوخ قبائل الصحراء بجنوب المغرب (الحلقة الثالثة)

خميس, 20/09/2018 - 19:37

موفد السفير: محمد عبد الرحمن ولد الزوين/ مع مرور أزيد من ثلاثة عقود على بروز قضية الصحراء تعيش الأقاليم الصحراوية في الجنوب المغربي نهضة عمرانية واقتصادية ضخمة مكنت من إذابة الفوارق بين مدن الأقاليم الصحراوية ومدن المملكة الأخرى..

وشهدت الثلاثون سنة المنصرمة مسارا متكاملا لدمج السكان المحليين في مختلف مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية.

ويرى عدد من شيوخ قبائل الصحراء أن السكان في الأقاليم الجنوبية اندمجوا بشكل كامل في النسيج المغربي الذي هم جزء منه، حسب قولهم.. وأوضح هؤلاء أثناء لقاءات أجرتها معهم "السفير" أن الحل النهائي لملف الصحراء بات بيد الأمم المتحدة، وأن تصريحات المبعوث الخاص للأمين العام للمنظمة الأممية، بيترفان والسوم مؤخرا بخصوص قضية الصحراء، تؤكد أن المطالبة باستقلال الصحراء عن المملكة المغربية غير واقعية ومستحيلة.. وهو ما يرون أنه يبرهن على أن كل المؤشرات تؤكد الرؤية المغربية القائلة بمنح الأقاليم الصحراوية حكما ذاتيا موسعا ضمن السيادة المغربية..

ويؤكد ممثلو قبائل الصحراء أن دول الجوار -خاصة موريتانيا والجزائر- تضطلع بدور مهم في تسوية الملف الصحراوي الذي يعوق مسيرة اتحاد المغرب العربي.. معتبرين أن على الدول المغاربية واجبا أخلاقيا في إنهاء ما يسمونه معاناة إخوتهم في مخيمات لحماده؛ وهو واجب يقع كذلك -حسب طرحهم- على عاتق منظمات حقوق الإنسان العالمية وهيئة الأمم المتحدة..

ويسود الاعتقاد في أقاليم جنوب المغرب بأن مقترح المغرب منح هذه الأقاليم حكما ذاتيا موسعا، يشكل أفضل خيار أمام السكان لتجاوز الوضع الراهن؛ خاصة وأن المقترح المذكور يحظى بقبول معظم قبائل الصحراء، ويدعمه جل دول العالم؛ وخاصة القوى الدولية ذات التأثير في الساحة العالمية..

وهو تصور يدعمه التحاق العديد من مؤسسي وقادة ونشطاء جبهة البوليساريو بالمملكة المغربية وإعلانهم تبني مبدأ مغربية الصحراء الغربية..

بيري عبد اللطيف (أولاد بسباع)

الحديث عن موضوع الحكم الذاتي يتطلب التطرق للمراحل التي سبقته.. وبما أن من يسألنا الآن عن هذا الموضوع من صحافة موريتانيا، وهذا أمر مهم جدا، لأن الجمهورية الإسلامية الموريتانية معنية بموضوع الصحراء بالدرجة الأولى، حيث واكبته من اليوم الأول عندما خضع نصف الأقاليم الصحراوية للإدارة الموريتانية، وكانت تعتبره جزءا من أراضيها، قبل أن تتراجع عن ذلك وتدرك أن هذه الأقاليم ليست أرضا موريتانية، لذا فموريتانيا ليست أجنبية على موضوع الصحراء، وهي تعرفه وتفهمه أكثر من البلدان الأخرى..

أرجو أن يكون ما سأقوله مفهوما من قبل الحكومة الموريتانية بدرجة أولى..

نحن أهل الصحراء قضينا أكثر من 30 سنة في الشتات، وهو أمر مؤسف ومؤلم لنا، ونأمل أن تشارك موريتانيا في جمع شمل أهل الصحراء؛ ولكي تشارك في ذلك، تود أن نجعلها تفهم أننا نعيش واقعا يتصارع نتصارع فيه -نحن سكان الأقاليم الصحراوية- مع الصحراويين الموجودين في مخيمات تندوف على كسب موقف الحكومة الموريتانية وموقف الشعب الموريتاني.. ذلك أن جماعة تندوف توهم الحكومة الموريتانية والشعب الموريتاني بأمور قد لا تكون موريتانيا تملك الدراسة الكافية والمعطيات الحقيقية التي تمكنها من إدراك حقيقتها المغلوطة، لكي يكون لها موقف قاطع؛ وولد ذلك مشكلة لدينا، لأن الحكومة الموريتانية وجدت نفسها تتخذ موقفا محايدا لا يزيد ولا ينقص، وتعلن دعمها لكل ما تتخذه الأمم المتحدة من قرارات بهذا الشأن.. هذا ليس الموقف السليم برأينا؛ بل يجب أن تتحمل الحكومة الموريتانية مسؤوليتها اتجاه قضية الصحراء، ويجب أن تتبنى الموقف الذي يفضي إلى تسوية قضية الصحراء.

هذا ما نريد أن يفهمه الشعب الموريتاني بالدرجة الأساس، حتى يضغط على حكومته لكي تفهم حقيقة الموقف المناسب لحل قضية الصحراء.. نحن الصحراويين نتألف من قبائل مختلفة: شرفاء، محاربون، زوايا.. الخ؛ وقد أدركنا أننا لا يمكننا تشكيل كيان خاص بنا؛ والنموذج الذي نسير عليه في حياتنا منذ الوجود الإسباني حتى اليوم، عندما نسرد لكم بعض النقاط الحساسة والأساسية فيه، ستدرك الحكومة الموريتانية والشعب الموريتاني أننا حين نبقى وحدنا سوف نتناحر، وهذا ليس في مصلحة موريتانيا ولا مصلحة سواها..

عندما تسألون عما حدث لأبناء جيلنا من ويلات ومآسي، ستفهمون أننا لا يمكن أن تكون دولة قائمة بذاتها.. فقد مات الكثير منهم في السجون ولم نجد عنهم خبرا حتى هذه اللحظة؛ وهو ما جعل الكثير من الناس يفرون من ذلك الجحيم ويعودون ليصبحوا عائدين إلى هذه المنطقة؛ بعضهم كانوا في العسكر، وبعضهم كانوا في الإدارات، وحتى بعض شيوخ القبائل الذين جاءنا منهم ما يقارب 15 شيخ قبيلة هاربين من ذلك الجحيم.. وأنا شخصيا أتحدث عن أبناء مجموعتي القبلية، الذين سجن منهم خمسة وعشرون في معتقلات تندوف؛ حيث قضى منهم تسعة، وجميعهم قادمون أصلا من موريتانيا؛ من انواكشوط وانواذيب وأطار.. ولا يوجد من بينهم من سبق أن وطئ أرض الصحراء..

وهذا حدث لكافة القبائل دون استثناء..

هذا يوضح لكم أننا لا يمكن أن نشكل دولة خاصة بنا؛ لأن ذلك سيؤدي -لا محالة- للتناحر والثأرات والنعرات المختلفة.. وبالتالي إلى ما لا يخدم أحدا.

في سنة 1975 جاءت المسيرة الخضراء إلى هنا، وارتكب بعض الأخطاء، وسجن بعض الناس، وبعضهم مازال مفقودا إلى اليوم في سجون المغرب؛ لكن السبب في الكثير من ذلك هم بعض أبنائنا نحن الذين أثاروا بعض تلك الأمور التي أشرت لها آنفا؛ والمتعلقة ببعض العقليات والخصوصيات القبلية عندنا؛ والتي تمنع من تحولنا إلى دولة.

الأهم من كل ذلك هو وجود علاقات تاريخية تربط قبائل الصحراء بالملوك العلويين وبالشعب المغربي..

بعد ذلك جاء موضوع الاستفتاء حول تقدير المصير، ووضع له إطار يقوم على استدعاء شيوخ القبائل وإشراكهم في عملية تحديد هوية السكان الذين يحق لهم التصويت.. فقامت البوليساريو بتكثيف عملها من أجل خلق واقع يخدم طرحها الانفصالي؛ حيث شرعت في سحق بعض القبائل وإقصاء أخرى ونجحت فعلا في سحق وإقصاء ست قبائل.. وحسب ما يؤكده الشيوخ القادمون من هناك، فإن البوليساريو تبنت سياسة تقوم على إلزام كل شيخ قبيلة برفض تسجيل أبناء قبيلته حتى لا يشاركوا في الاستفتاء، والتزموا له بأنهم بعد الاستقلال سوف يفتح لهم المجال للانضمام للدولة التي يزعمون أنهم سينشئونها.. هذا يؤكد سوء نيتهم بخصوص مستقبل سكان الأقاليم الصحراوية..

كما يؤكد مرة أخرى أننا -نحن أهل الصحراء- لا يمكن أن نكون دولة.. اليوم مكنت شجاعة المغرب من إقدامه على تقديم مبادرة بمنح الصحراء حكما ذاتيا.. هذه شجاعة نادرة وتنم عن إرادة صادقة لدى جلالة الملك لإنهاء حالة التشرذم والشتات التي يعيشها أهل الصحراء.. ولا يخفى عليكم ما يشكله الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية من مشكلات للمغرب، أقلها أن الجهات والأقاليم الأخرى في المملكة قد طالب -هي الأخرى- بالحكم الذاتي.. هذه شجاعة فائقة برهن عليها المغرب، ويجب أن تفهم موريتانيا ذلك ويفهمه العالم بأسره.. فالمغرب قدم واقترح مبادرة لا شيء يرغمه على تقديمها؛ وإنما رغبة منه في طي هذا الملف الذي تجاوز عمره ثلاثين سنة، باختصار ما نريد أن تفهموه وتعوه هو أننا اليوم لا يمكن أن نعيش إلا تحت الراية المغربية وتحت العرش العلوي؛ وأقول العرش العلوي، ولا أقول أحدا آخر.. والملوك العلويون وحدهم هم الذين يحققون لنا ما نريده، ولا يمكن لأحد آخر أن يحققه لنا، ولا نطلبه من أحد آخر.. فآباؤنا وأجدادنا عاشوا معهم وارتباطنا بهم تاريخي وباق..

لا بد أن نغتنم هذه الفرصة التي تمنحها لنا هذه الصحيفة الموريتانية لنقول من خلالها الحكومة الموريتانية ما لم نقله لها من قبل؛ نظرا لأننا لم نجد فرصة كهذه لنقوله..

ما نود قوله من خلال هذا المنبر للحكومة الموريتانية هو أن عليها أن تفهم وتدرك أننا هنا نمثل 80% من أهل الصحراء أينما كانوا..

ويحز في أنفسنا أن نرى الحكومة الموريتانية تتبنى موقفا محايدا وكأنها لا تعرف الحقيقة.. هي تعرفنا جيدا؛ وتعرف قبائلنا وتاريخنا، وتدرك أكثر من غيرها أننا لا يمكن أن نكون دولة قائمة بذاتها.

ولذا فأملنا كبير في أن تساعدنا موريتانيا بدعم خيار الحكم الذاتي الذي تعرف -كما قلت- أنه الأنسب لنا؛ فنحن والشعب الموريتاني لا فرق بيننا.. نفس العادات، نفس التقاليد؛ يربطنا الدم والمحبة.. وكل الوشائج تجمعنا. وعليه يجب على موريتانيا أن تعلن للعالم أن أهل الصحراء لا يمكن أن يكونوا دولة مستقلة؛ لأن ذلك سيقودهم -لا محالة- إلى الحروب الأهلية والصراعات والتناحر، وأن الله من عليهم بهؤلاء الملوك العلويين ليعيشوا في أمن وسكينة تحت رايتهم، وخاصة هذا الملك الشاب -نصره الله- الذي يريد الخير لكل المغاربة، والذي نعيش في ظله ضمن العدالة العدالة والرخاء كما عاش آباؤنا وأجدادنا في ظل أسلافه المنعمين.

محمد فاضل ولد إبراهيم ولد عبد الله (الزرقيون)

أرحب بالصحافة الموريتانية في بلدها هذا.. أبلغ من العمر 65 سنة وبالتالي أكبر جميع الحاضرين هنا. أنا مغربي من يوم ولدت وحتى هذه اللحظة. أول أوروبي جاء إلى هنا كان برفقة والدي الذي أدخله إلى طرفايه سنة 1926 واسمه تينيت كوزيتنشر طرفايه، أي أنه حمل اسم طرفايه في لقبه. وببلاغ من الملك مولاي عبد العزيز، قال لجدي إنه أنهى معاملة مع شركة إنكليزية ويأمره بالتفاوض نيابة عنه مع مفاوضين إسبان أو برتغاليين..

فذهب جدي إلى إسبانيا وجلب مجموعة إسبانية وأعتقد أنه كان من الأفضل أن لا يأتي بهم لأن الانجليز خير منهم..

نحن مغاربة أبا عن جد.. فوالدي -مثلا-عين نظيرا سنة 1962 بظهير من مولاي يوسف وسيدي محمد الخامس، وعمه بوي أحمد سيدي يوسف كان نظيرا على طرفايه يحكم ثلاث قيادات من مجموعة الزرقيين هي اشتوكيت، واسعيدي، وكارح.. وقبلهم عبد الله ولد اعلي بيبه كان قائدا في عهد مولاي الحسن الأول.. تاريخ يزيد على خمسة قرون ومعروف لديكم في موريتانيا.

موضوع الحكم الذاتي الذي يدور حوله النقاش اليوم، هو الحل الأمثل للم الشمل وطي هذا الملف المصطنع نهائيا..

ويكفي أن مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الذي أشرف على جولات المفاوضات السابقة، اكتشف بنفسه واقع الصحراء، وأنه -كما قال- لا يمكن الحديث عن قيام دولة مستقلة في الصحراء..

والعالم أيد تصريحه هذا ونحن ندعمه، ونعتبره فهما دقيقا وصائبا لحيثيات هذا الملف الذي أوكلت له مهمة تسويته.. هذا ما نريده، وندعو الحكومة المغربية إلى الإسراع في تطبيق الحكم الذاتي ليجتمع شملنا. وعندها سيعود كل أهل الصحراء، وفي مقدمتهم إخواننا في مخيمات تندوف..

 

السفير- العدد: 720

الصادر بتاريخ: 02 يونيو 2008