التخويف من الإسلام (الإسلاموفوبيا).. الحلقة الأولى | صحيفة السفير

التخويف من الإسلام (الإسلاموفوبيا).. الحلقة الأولى

أربعاء, 17/04/2019 - 13:52
د. المحجوب بنسعيد: المشرف على مركز الإعلام والاتصال في منظمة الإيسيسكو

تنشر "السفير" على حلقات مقالاً مفصلاً يتمضن معلومات مهمة وموثقة حول ظاهرة التخويف من الإسلام (الإسلاموفوبيا)، للدكتور المحجوب بنسعيد المشرف على مركز الإعلام والاتصال في منظمة الإيسيسكو.

ويعتبر الدكتور في توطئته أن الإسلاموفوبيا "ظاهرة تسيء إلى الإنسانية جمعاء، وتَتعَارَضُ مع مبادئ حقوق الإنسان ومع أحكام القانون الدولي"، قبل أن يتسائل عن متى تخصص الأمم المتحدة يوما عالميا  لمحاربة الإسلاموفوبيا  بكل مظاهرها وأشكالها؟.

أصبحت ظاهرة الخوف من الإسلام أو ما اصطلح عليه بالإسلاموفوبيا (Islamophobia) من أكثر الظواهر التي تحظى باهتمام الرأي العام الغربي سواء في مستواه الشعبي أو الرسمي، ويتجلى ذلك بشكل واضح في اهتمام مراكز ومعاهد البحوث السياسية والاستراتيجية والإعلامية الغربية بالإسلام. وتتراوح آراء المحللين والمفكرين السياسيين والإعلاميين في الغرب في نظرتهم إلى الإسلام بين اعتباره دينا وثقافة وحضارة تهدد الحضارة الغربية وتتصادم معها، وبين الدعوة إلى الحوار والتعايش والتفاهم والاحترام المتبادل بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية.

لقد ركز صموئيل هنتغتون كثيرا في نظريته على الحضارة الإسلامية، حيث توقع جازما اندلاع النزاعات والصدامات في المستقبل القريب بين الحضارة الإسلامية و الحضارة الغربية انسجاما مع خاصية التنازع المستمر بينهما ،في اعتقاده ، منذ أربعة عشر قرنا عبر مسيرة تاريخية مثقلة بالعدائية والعنف، مما جعله يصنف الحضارة الإسلامية كحضارة صراعية تعتمد الصدام والصراع.

وبناء على ذلك اعتبرت نظرية صراع الحضارات أن الحضارة الإسلامية هي البديل الوحيد للشيوعية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والعدو المقبل للغرب. وقد استند صموئيل هنتغتون في توقعاته على إحصائيات مهولة نشرت في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، أشارت إلى سرعة انتشار الإسلام وتنامي أعداد المسلمين وظهور قوتهم بشكل بارز داخل الأوساط والمجتمعات الغربية ذاتها. ومن تلك الإحصائيات ما نشرها الفاتيكان عام 1985، حيث ذكر لأول مرة في التاريخ أن عدد المسلمين فاق عدد الكاثوليك، ومنذ ذلك الحين بدأت بوادر حملة مسعورة ضد الإسلام والمسلمين وتنامى الحديث عن التطرف الديني وازداد الخوف مما أطلق عليه "الخطر الإسلامي الأخضر.

أهم أسباب ومظاهر التخويف من الإسلام في الغرب

لقد كان من أسباب بروز ظاهرة الخوف من الإسلام مقولة الخطر الإسلامي الناجم عن تزايد عدد المسلمين التي أضحت تشكل عقدة خوف من الإسلام امتدت آثارها بشكل سلبي واضح إلى الأوساط السياسية والثقافية والإعلامية. كما أصبحت ورقة رابحة تستخدم للتخويف من الإسلام كلما برز الشأن الإسلامي على الساحة الدولية بصورة لافتة أو ظهر مؤشر من مؤشرات قوة الإسلام وعظمته وسرعة انتشاره

ولم تكن نظرية الصدام بين الإسلام والغرب، لهنتغتون هي وحدها السبب الرئيس لانتشار ظاهرة الخوف من الإسلام في المجتمعات الغربية، فقد سبقه كثير من المفكرين والمستشرقين ذوي النظرة العدائية للإسلام الذين روجوا أفكارا ونظريات موغلة في التشاؤم والتحذير من الإسلام والمسلمين، ومن أبرز هؤلاء الأمريكي برنارد لويس، المعروف بمواقفه المناوئة للإسلام، الذي ألقى نهاية عام 1990 محاضرة في موضوع "الأصولية الإسلامية" تنبأ فيها بحتمية الصراع بين الإسلام والغرب مثيرا زوبعة من التخويف والتحذير من الإسلام. و عزا أسباب ذلك الصراع إلى جوهر دعوة الإسلام التي ترفض الآخر وتبغي الاختلاف وتكرس الرؤية الاستبدادية وتبعث على الخوف والحذر.

ويقتضي الحديث عن أسباب ظاهرة الخوف من الإسلام في الغرب الإشارة إلى خصوصيات الصورة التي يرسمها الغرب عن الإسلام والمسلمين. ولكن قبل ذلك نستعرض بإيجاز دلالات ومعاني هذا المفهوم الذي صار متداولا في الأوساط الغربية السياسية والثقافية والأكاديمية والإعلامية على وجه الخصوص.

تعرف الموسوعات ودوائر المعارف الغربية مصطلح (Islamophobia) بأنه الخوف من الإسلام وكراهية المسلمين. وهو مشتق من مصطلح آخر هو (Xenophobia) أي الرهاب بمعنى الخوف من الأجانب أو كل ما هو غريب. وتتكون كلمة (Islamophobia) من شطرين هما "إسلام" و"فوبيا" ولفظة فوبيا (Phobia) تعني أصلا الخوف غير المبرر والمقلق الذي يبديه بعض الأفراد في أوقات حرجة.

وأصل اللفظة كلمة Phobas الإغريقية التي تعني الخوف، كما أن كلمة (فوبيا) مصطلح طبي في أساسه يستخدم لتشخيص ظاهرة مرضية نفسية تقوم على الخوف من بعض الأشياء مثل الخوف من الركوب في الطائرة أو من نوع معين من الحيوانات. وقد كثر استخدام هذه اللفظة في العقود الأخيرة لاستحداث مصطلحات جديدة مثل (Acrophobia) التي تعني الخوف من الأماكن المرتفعة ومصطلح (Ataxophobia) الذي يعني الخوف من الفوضى، ومصطلح (Autophobia) الذي يعني الخوف من الوحدة، ومصطلح (Doxophobia) الذي يقصد به الخوف من إبداء الرأي.

وقد استعملت لفظة (إسلاموفوبيا) بكثرة في الدراسات النقدية للاستشراق للتمييز بين استشراق إسلاموفوبي (Orientalisme Islamophobie) أي الدراسات الاستشراقية التي تبرز الإسلام حضارة وثقافة مخيفة ومهددة لباقي الحضارات والثقافات، واستشراق إسلاموفيلي (Oreintalisme Islamophile) أي الاستشراق المعتدل والمتعاطف مع الإسلام.

لقد ظهر مصطلح "الإسلاموفوبيا" في أواخر عقد الثمانينيات من القرن العشرين، غير أن الظاهرة التي يعبر عنها هذا المصطلح تعود إلى قرون مضت. وقد أدت تراكمات التاريخ والآثار المترتبة على ما وقع من أحداث في العالم بدءا بانهيار الاتحاد السوفياتي، وانتهاء بالحرب الباردة، وازدياد الصحوة الإسلامية مع الثورة الإسلامية في إيران، وأحداث أفغانستان والعراق والشيشان، وأحداث 11 سبتمبر 2001 في نيويورك، كل ذلك أفرز صورا نمطية للمسلمين تظهرهم بمظهر المعارض للغرب، والمهدد لقيمه وأمنه وسلامة مواطنيه. واستنادا إلى ذلك برزت (الإسلاموفوبيا) كشكل جديد من أشكال العنصرية تصف المسلمين بالتعصب الديني وميلهم إلى العنف ورفضهم لكل ما هو مخالف للإسلام.

ويرى الباحث البريطاني ران ميدي تروست Runnymede Trust في كتابه (الإسلاموفوبيا، تحدي لنا) (Islamophobia: challenge for us) بأن ظاهرة الإسلاموفوبيا تقوم على مكونات تنظر إلى الإسلام على أنه كثلة متراصة غير قابلة للتغيير وليست له قيم مشتركة مع الثقافات الأخرى، كما تعتبره "دينا وضيعا وأدنى من الغرب وغير عقلاني وبدائي وشهواني، وعدواني، وعنيف، ومهدد، ومؤيد للإرهاب، وفي صدام دائم مع الحضارات." ويزعم أن السبب في ظهور مصطلح (الإسلاموفوبيا) هو تزايد الحركات الإسلامية المعادية للغرب.

إن ظاهرة الإسلاموفوبيا ذات علاقة وطيدة بالصورة التي يرسمها الغرب عن الإسلام والمسلمين. والواقع أن تلك الصورة ليست جديدة بل هي صورة قديمة متجددة، تنحدر من القرون الوسطى، كما أن إطارها العام حددته الدراسات الاستشراقية حيث رسم الغرب صورة للشرق كما رآه أو كما أحب أن يراه على رأي المفكر إدوارد سعيد في كتابه الشهير حول الاستشراق.

إن الصورة التي رسمها الغرب عن الإسلام والمسلمين، خصوصا في الدراسات الاستشراقية وما تلاها من نظريات في العصر الحديث كنظرية "نهاية التاريخ" لفوكوياما وصراع الحضارات لهنتغتون، شكلت البوادر الأولى لنشوء ظاهرة (الإسلاموفوبيا) والتي رعاها وزاد من انتشارها الإعلام الغربي كما سنعرض لذلك لاحقا.

ومما يؤكد أن ظاهرة الإسلاموفوبيا متجذرة في اللاشعور الغربي وذات امتدادات ثقافية وفكرية وتاريخية بالغة التعقيد والتشابك ارتباطها بمؤسسات متعددة ساهمت عبر مراحل تاريخية مختلفة في جعل الإسلاموفوبيا ظاهرة تستند إلى صور لاهوتية وإيديولوجية، وأدبية فنية، وأنثروبولوجية.

فالصورة اللاهوتية من أقدم الصور التي انطلقت من موقف الدفاع عن المسيحية حيث عمدت في ذلك إلى تشويه الإسلام ودمغه بكل شائبة ونقيصة، بل إن المتطرفين من أتباع الكنيسة نادوا علنا بإبادة الإسلام والمسلمين زاعمين أن ذلك واجب إنساني إن لم يكن دينيا، من أجل تخليص العالم من شرور هذا الدين ومعتنقيه. وهكذا ظلت صورة الإسلام في عين الإنسان الغربي، أمريكيا وأوربيا، صورة قاتمة وقبيحة، كما رسمها أسلافهم رهبان الكنيسة وقساوستها منذ قرون خلت، تنعت المسلم بأنه غبي، ونتن، وعنيف، ونصير الشر الذي يجب أن يطرد من ملكوت الله ورحمته.

أما الصورة الإيديولوجية فتتراوح بين الغلو والاعتدال وكانت من إنتاج مدارس الاستشراق بمختلف أنواعها، وهي صورة ذات ملامح سلبية إذ تعتبر العقل الإسلامي غير منتج ومعارض للإبداع والابتكار بحكم طابعه التقليدي. ومن بين أشهر المستشرقين القائمين وراء هذا النوع من الصور نذكر الفرنسي "إرنست رينان" الذي يعتبر العقل الإسلامي عقلا متبلدا لا يرقى إلى مستوى العقل الآري.

بينما تعود الصورة الأدبية إلى الفنانين والأدباء والرحالة الغربيين الذين شغفوا بالحضارة الإسلامية فصوروها كما راق لهم حيث لم يروا في هذه الحضارة سوى السحر والشعوذة، والجنس والشذوذ، وليالي ألف ليلة وليلة، وعالم الرق والعبيد، والحريم والرقص، والحجاب والعمامة، والسيف والخيل والخيام والصحراء. ومن أبرز الأعمال الأدبية التي لعبت دورا في رسم الصورة النمطية للإسلام والمسلمين نذكر ترجمة "أنطوان غالان" لقصص "ألف ليلة وليلة"، ورسائل لورنس العرب ورويات "وليام بيكفورد"، ورحلات "ريتشاد بيرتون"، ولوحات "جان ليون جيروم"، و"يوجين لاكروا"، و"هنري رينيو"، و"جون فريدريك لويس"، وغيرهم.

أما الصورة الأنثروبولوجية التي تبدو في ظاهرها علمية فإنها تخفي في باطنها عداء لاهوتيا للإسلام، وتعود إلى الباحثين الغربيين الذين وظفهم الاستعمار لدراسة مجتمعات الدول الإسلامية التي كانت الدول الإميريالية في مطلع القرن العشرين تخطط لاستعمارها بدعوى أن شعوبها بدائية ومتوحشة، وبالتالي يلزم إلحاقها بالحضارة الإنسانية وإخراجها من التخلف والهمجية، بينما كان الهدف الأساس، كما هو معلوم، استغلال موارد هذه الدول وثرواتها.

ومن أشهر علماء الأنثروبولوجية الذين كانوا وراء ترويج هذه الصورة "كلود ليفي شتراوس" الذي صنف الدين الإسلامي ضمن الديانات البدائية في كتابيه المشهورين (الفكر المتوحش) و( المدارات الحزينة).

ودخل مصطلح (Islamophobia) قاموس السياسة الأوروبية وأصبح له معنى محددا هو الخوف من الإسلام. ولمعالجة الموضوع ودراسة الظاهرة عقدت مؤتمرات سياسية ونظمت ندوات فكرية حول الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر (مؤتمر الإسلاموفوبيا: الكراهية الأزلية)، الذي عقد بلندن (أكتوبر 1997). وقد شارك فيه عدد كبير من الأوربيين والمسلمين أكدوا أن الغرب عرف موجات متتالية من الكراهية للإسلام، وأنه يتعمد نشر الإسلاموفوبيا لتحطيم الإسلام كما حطم الشيوعية عن طريق تخويف العالم منها. ودعا المشاركون في المؤتمر إلى تجنب التحيز وفتح قنوات الاتصال الحر مع العالم الإسلامي بعيدا عن التعصب والكراهية والتشجيع على الحوار والفهم المستنير من أجل القضاء على ما ترسخ في أذهان العامة من الغربيين من أن الإسلام هو العدو الأول للغرب وللحضارة الإنسانية.

ومن تلك المؤتمرات كذلك، نذكر المؤتمر الدولي الذي انعقد في كلية الحقوق "بجامعة ويستمنستر" بلندن (مارس 2001)تحت عنوان (استكشاف الإسلاموفوبيا: تعميق فهمنا للإسلام والمسلمين). وقد نظمه منتدى مجابهة الإسلاموفوبيا والتعصب بالتعاون مع مؤسسة الخوئي بلندن، وشارك في أعماله ثلة من الباحثين والمفكرين المهتمين بالإسلام في أوربا حيث أكدوا أن الصورة النمطية التي ترسمها وسائل الإعلام للإسلام هي من أكثر مصادر الإسلاموفوبيا في بريطانيا خاصة وأوروبا عامة. كما اعتبروا ظاهرة الإسلاموفوبيا خطيرة، ولا تحترم الشخصية المسلمة ولا الدين الإسلامي.

ومن الدراسات والبحوث التي تناولت موضوع الإسلاموفوبيا نذكر الدراسة الاستطلاعية التي صدرت سنة 1997 عن مؤسسة رونيميد ترتس (The Runnymede Trust) والتي تعتبر أول عمل استطلاعي ميداني تقوم به مؤسسة مستقلة تبحث أوضاع المسلمين في بريطانيا .وقد كانت الدراسة المذكورة حصيلة دراسة علمية موثقة أجراها عدد من قادة الرأي في المجتمع البريطاني بناء على طلب وتشير هذه الدراسة إلى أن ظاهرة الإسلاموفوبيا أصبحت أكثر وضوحا وتطرفا وخطورة حيث إن إثارة الخوف من الإسلام أضحت ظاهرة مستفحلة في الحياة اليومية مشابهة إلى حد كبير لحالة العداء للسامية التي شهدتها أوربا في بداية القرن العشرين.وأكدت هذه الدراسة أن التعبير عن الأفكار المعادية للمسلمين صار متداولا داخل المجتمع البريطاني، مما يندر بخطر تحول الإسلاموفوبيا إلى ظاهرة راسخة وجزء من نسيج العنصرية لاستيعاب التمييز على أساس ديني، بجانب الأساس العرقي.

وفي كتاب (الإسلاموفوبيا الجديدة) (La nouvelle Islamophobie) للفرنسي فانسن جييس "Vincent Geisset" الباحث في معهد الأبحاث والدراسات عن العالم الإسلامي ورد أن مصطلح الإسلاموفوبيا)من اختراع كتاب ومفكرين لهم علاقات وطيدة مع أجهزة الاستخبارات الفرنسية، أمثال ميشيل تريبالا، وتاغييف وتريفانون، وألكسندر ديل فال.

وقد أثار كتاب (الإسلاموفوبيا الجديدة) للباحث "فانس جيسر" ردود فعل عديدة في الصحافة الفرنسية لأنه سعى إلى تحليل ظاهرة الإسلاموفوبيا بمنهجية تختلف عن الشكل المؤسسي للإسلاموفوبيا من المنظور الاستعماري حيث ميز بدقة بين ثلاثة مراحل داخل هذه الإسلاموفوبيا الجديدة التي ظهرت في بداية الثمانينات من القرن الماضي. ففي هذه الفترة كانت الإسلاموفوبيا تقوم على اعتبار أن التهديد يأتي من العمال المغاربة الذين "يروجون دعايات قريبة من الخميني وذلك تحت ستار العمل النقابي". وفي التسعينيات من القرن العشرين أضحى موضوع الإسلاموفوبيا مرتبطا "بشباب الضواحي المتعاطفين مع الحركات الأصولية التابعة للمجموعة الإسلامية المسلحة، الجزائرية"، أما مع مطلع الألفية الثالثة فإن الخطر يكمن في "التهديد الداخلي النابع من الفرنسيين ذوي الأصل المغربي والمتخرجين من الجامعات الفرنسية

ومن خلال تحليل الباحث فانس جيسر لأسباب الإسلاموفوبيا الجديدة وآلياتها ونتائجها دحض المواقف المسبقة والمحذرة من "أسلمة" فرنسا في المدى البعيد وما أفرزته من تخوفات لدى الأحزاب والحكومات الفرنسية المتعاقبة، إذ أكد أن الخطأ الذي ارتكبه دعاة الإسلاموفوبيا هو تغييبهم الإسلام المعاش (L'islam vécu) وتركيزهم فقط في أحاديثهم وتحليلاتهم ومشاريع القوانين والمراسيم التي يقترحونها على "إسلام متخيل" (Islam imaginaire) نابع من رؤية مخوفة متجاهلين الإسلام الحقيقي الذي يدين به ويمارسه ملايين المسلمين العاديين الذي يكدون في المعامل والحقول ويعيشون بسلام مع المواطنين الفرنسيين.

ويمكن القول إجمالا بأن (لإسلاموفوبيا) من الظواهر السياسية التي تعود أسبابها إلى عوامل مختلفة ومتداخلة، كما تعتبر مظهرا من مظاهر العنصرية. ويرى بعض الباحثين أن من بين أسباب الظاهرة:

البحث عن عدو جديد بعد انهيار المعسكر الشيوعي بتفكك الاتحاد السوفياتي.
الصحوة الإسلامية التي أقلقت الغرب (أوربا وأمريكا)
تكاثر أعداد المسلمين في أوربا وأمريكا وتزايد معدلات اعتناق الإسلام بشكل ملحوظ.
صعوبة اندماج المسلمين وتذويبهم في المجتمعات الغربية، وحرصهم على التشبت بهويتهم الدينية والثقافية.

إن دعوة الخطر الإسلامي الناجم عن تزايد عدد المسلمين التي جعلها صموئيل هنتغتون في نظريته حول صراع الحضارات سببا من أسباب الخوف من الإسلام أضحت تشكل عقدة للغربيين نخصوصا لما امتدت آثارها بشكل سلبي واضح إلى مختلف وسائل الإعلام الغربية التي أصبحت بما تملكه من تقنيات وقوة تأثير الداعية الأكبر لخرافة كون الإسلام يمثل تهديدا للغرب وقيمه وحضارته.

لقد برهن العديد من المفكرين الغربيين على أن ظاهرة الإسلاموفوبيا مجرد وهم وتخويف من الإسلام كان وراءه المحافظون الجدد والتيار المسيحي اليهودي واليمين المتطرف والحركة الصهيونية العالمية، بالإضافة إلى بعض الحكومات الغربية التي تكن العداء غير المبرر للإسلام وللعالم الإسلامي. و لعبت الدعاية المعادية للإسلام في الغرب المتوفرة على سلطة إعلامية فائقة دورا كبيرا في تجدير العقلية الجماعية المعادية للإسلام، وأدت إلى نشوء فكرة العداء للإسلام في اللاوعي عند الغربيين مستندة إلى الأرضية والاستعداد النفسي والتأثير الدفين الذي رسخته الدراسات الاستشراقية المتحاملة على الإسلام، والمضامين الثقافية للمقررات والكتب المدرسية المتداولة في المؤسسات التعليمية الغربية. إنها سلسلة محكمة الحلقات متفاعلة ومتداخلة فيما بينها ويعتبر الإعلام الغربي أحد مكوناتها الرئيسية إن لم يكن أخطرها على الإطلاق.

 

يتواصل..