ولد أمات لـ"السفير": من الخطأ أن تكون كل القرارات ممركزة في مؤسسة رئيس الجمهورية | صحيفة السفير

ولد أمات لـ"السفير": من الخطأ أن تكون كل القرارات ممركزة في مؤسسة رئيس الجمهورية

جمعة, 11/11/2016 - 15:36

المحامي الأستاذ محمد محمود ولد أمات، نائب رئيس حزب تكتل القوى الديمقراطية، تعرض للاعتقال مؤخرا، في إطار موجة الاعتقالات التي طالت شخصيات عديدة ومعتبرة، من علماء وأئمة، ومحامين وأساتذة وسياسيين، بعيد إعلان السلطات الأمنية عن تفكيك تنظيم إرهابي تابع للقاعدة له علاقة بالجماعة السفلية للدعوة والقتال، وقد أفرج عنه بعد ساعات من اعتقاله في انتظار أن ترفع عنه الحصانة البرلمانية، كما ابلغه بذلك مدير أمن الدولة، التقيناه وأجرينا معه الحوار التالي..

السفير: كيف تقرؤون قانونيا وسياسيا ما يجري من اعتقالات، وما يصدر من بيانات من طرف الشرطة؟

محمد محمود ولد أمات: شكرا ليومية السفير، مما لا شك فيه أن البلاد تمر بمنعرج خطير، وتعيش أزمات حادة يشهد بها الجميع، شهد بها القائمون على الحكم وتشهد بها المعارضة، ويشهد بها المراقبون والشركاء سواء في التنمية أو في السياسة، هذه الأزمات نحن في المعارضة، وفي تكتل القوى الديمقراطية، وأنا شخصيا من كل المنابر، عبرت عن شفقتي على البلاد وعن حاجة البلاد إلى حوار حقيقي صادق ونزيه، الغرض منه هو إخراج البلاد من هذا المأزق وهذه الأزمات التي تعيش، وهي أزمات مختلفة الجوانب، اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، للأسف الشديد وسياسيا بصفة أكبر، هذا الحوار يجب أن تكون غايته محددة وهي إخراج البلاد من هذه المآزق، ووجود الأحسن والأمثل في قالب وشكل ومضمون يضمن الحصول على هذه النتيجة والوصول إلى هذه الغاية، جاءت مبادرة من حزب التجمع من أجل الديمقراطية والوحدة فباركناها، رغم قولنا بأن لدينا ملاحظات أساسية حول المبادرة، قلناها قبل وبعد انعقاد الملتقى، قلنا بأن المبادرة يجب أن لا تكون مبادرة إقصاء ويجب أن تشارك فيها جميع القوى السياسية بتشكيلاتها وبألوانها وبأطيافها، وهذا ما لم نجده في هذا الملتقى فكان إلى حد ما هناك إقصاء لبعض الفعاليات السياسية والشخصيات الذي نعتبره غير مقبول.

"أقوال النظام لا تطابق أفعاله لذلك فهو فاشل في التأثير على الرأي العام"..

كذلك كنا نود أن تكون هذه المبادرة من طرف النظام مباشرة وليس من طرف أحد حلفائه، فالحوار يجب أن يكون بين المعارضة والنظام، بين الحزب الحاكم وبين الأحزاب المعارضة، أو بين قوى المعارضة بصفة عامة والنظام بصفة عامة، هذه الأطراف التي يجب أن تتحاور، وكنا نود أن يكون النظام يملك من الشجاعة والمقدرة على مواجهة المواقف أن يعلن وبنفسه مبادرة يلتقي فيها مع المعارضة من أجل ما سبق ذكره. لكن ما لا يدرك جله لا يترك كله، مادام حزبا من الأغلبية، باركنا هذا الملتقى وشاركنا فيه، وعلى أعلى مستوى وأبدينا رأينا، لكن للأسف الشديد، وبالرغم من أن النظام شارك في هذا المنتدى، وبالرغم من أن الرئيس تكلم عن هذا الملتقى في أكجوجت وباركه وثمنه إلى حد ما، بالرغم من ذلك كله فإن الأفعال جاءت مخالفة للأقوال تماما، وهو ما كنا نخشاه، وما يعتبر بالنسبة لنا عادة من عادات (حليمة) فقد ذكرنا في أول مشاركة نيابية لنا عندما كنا في بداية مشوارنا مع حزب تكتل القوى الديمقراطية، ذكرت في أول كلمة لي موجهة إلى الشعب الموريتاني بأننا نأمل أن تكون الأفعال مطابقة للأقوال بالنسبة للنظام فهنا ذكرنا النظام بعاداتها القديمة بأن الأفعال مناقضة ومخالفة للأقوال، فما قيل في الملتقى وما قيل في اكجوجت، جاءت الأفعال مناقضة له، فالاعتقالات التي شملت التيار الإسلامي بالتصنيف المحلي، شملت كما كبيرا من العلماء والأئمة والفاعلين السياسيين في البلد، جاءت ردا على هذا الملتقى لكي لا يطمئن الرأي العام ولا يطمئن الشعب الموريتاني بأن هذا الملتقى بادرة خير وأمل يمكن أن تلتقي فيه المعارضة والنظام وأن توجد فيه حلول ودية وتصالح وطني، فجاءت هذه الحملة والمطاردات التي مازلت قائمة كي تكسر هذا الأمل وتعطي وجها جديدا غير وجه الملتقى وغير وجه الحوار، فجاءت ومن غريب الصدف أيضا، وربما هو مقصود، انه في الوقت الذي كان يلقي فيه الرئيس خطابه في اكجوجت ويتكلم عن الحوار، وعن المعارضة، كنت أنا أقبع في السجن، ألقي علي القبض في نفس اللحظة وأودعت السجن، ولم أر النور إلا بعد أربع ساعات بعد ما انتهى الخطاب، فهذا أيضا إشارة تؤكد على أن الأفعال مخالفة للأقوال، هو يقول هناك وهم يفعلون هنا، أو هو يقول هناك ويفعل هنا، هناك شيء غير واضح بالنسبة لنا ولا أريد الخوض فيه ولا أريد التعليق عليه، هل هذه إرادة سياسية منسجمة أم إرادة سياسية وإرادة أمينة غير منسجمين؟ الله اعلم لا أريد أن أدخل في تلك التفاصيل، لكن الواضح لدي أن الأقوال غير مطابقة للأفعال، وهذا يؤسف له جدا.

وبالنسبة للاعتقالات فلا مبرر لها إطلاقا، جاءت في قالب غير قانوني سواء ما تعلق منها بالأئمة والعلماء والدبلوماسيين وبالفاعلين السياسيين وتلك المطاردات التي مازالت جارية ضد بعضهم، وكذلك الطلاب وأساتذة الجامعات والمحامين، وسواء تلك الاعتقالات التي طالت من يتمتع بحصانة برلمانية واضحة جدا والدستور واضح فيها والأعراف كذلك، هذه الاعتقالات لا مبرر لها وجاءت في قالب غير شرعي وغير قانوني وغير منطقي، ومن ناحية المضمونية أيضا، لا مبرر لها إطلاقا، لا تكييف، لا جريمة، لا فعل قيل إن هؤلاء ارتكبوه ولا أقوالا قيل بأنهم قالوها، بل كل ما هنالك هو تلفيقات وفبركة ومسرحيات تحاك، لا يخفى على الرأي العام ولا السياسيين ولا القانونيين أن هذه فبركة لبعض الأمور لكي تخلق أدلة لكن لم يقتنع بها أحد، والدليل على ذلك البيان تلو البيان الذي يصدر عن الشرطة، بيانا ثم بيانا لكي تقنع الرأي العام بأن ما تقوم به مؤسس على أسس، لكن ما تقوم به غير مؤسس على أسس، حسب بياناتها، وحتى البيان الذي أصدره الحزب الجمهوري الحاكم، ليس هناك من مبرر داخل البيان، ولا ما هو مقنع للرأي العام، وهنا تجدر الإشارة إلى أن النظام بصفة عامة، سواء تعلق الأمر بالأجهزة الأمنية، أو بالحزب الحاكم، فاشل كل الفشل في التأثير على الرأي العام، وهو يدرك ذلك جيدا، يدرك ذلك أكثر منك وأكثر مني، يدرك بأنه ليس باستطاعته مواجهة الرأي العام بما يريد، وبالتالي هذا الارتباك وهذا التذبذب وعدم الحبك للمسرحيات التي تحاك من هنا وهناك ضد الشخصيات والأحزاب وضد.. وضد.. دليل على أن النظام غير قادر على مواجهة الرأي العام، وكانت الزيارة الأخيرة للوزير الإسرائيلي، الزيارة المشؤومة الغير مقبولة، والتي تأتي على خلفية العلاقات المشؤومة والمرفوضة أيضا من طرفنا ومن طرف الشعب الموريتاني بصورة عامة، كانت هذه الزيارة وما قيم به أثناءها ـ من طرف الشارع و من طرف أجهزة الأمن والنظام والإعلام ـ دليلا على عجز النظام بكامل أجهزته عن مواجهة الرأي العام وعن تمرير خطاباته وقراراته وتصرفاته اتجاه الرأي العام، هناك ارتباك شديد وهناك عدم إقناع وعدم قناعة الرأي العام بما يقوم به النظام بصفة عامة سواء تعلق الأمر بالأجهزة الأمنية أو السياسية.

السفير: سمعنا أن الحزب الجمهوري اتخذ مبادرة بتنظيم الحلقة القادمة من منتدى الحوار بدل الجبهة الشعبية، وأن هناك اتصالات بهذا الخصوص تجري بين الأحزاب السياسية، ما هي حقيقة ذلك؟

م م أمات: لا علم لي إطلاقا بأن الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي أخذ مبادرة بهذا الخصوص ولا علم لي أيضا بأن التجمع يجري اتصالات لهذا الغرض، بالنسبة لي كقيادي في تكتل القوى الديمقراطية، وكنائب برلماني لم يصلني أي خبر، وحزبي لم يصله أي خبر في هذا الموضوع. وعلى العموم نحن بحاجة أولا إلى أرضية صالحة وتوجه ومناخ يمكن أن يجري فيه حوار سياسي، وأنا قلت في بداية حديثي بأننا بحاجة إلى حوار صادق وهادف، وهذا الحوار يجب أن تتخذ له الآليات اللازمة وأن تكون له نتائج ومن هذه الآليات وجود مناخ سياسي وظروف يمكن أن يجري فيها وذلك يتطلب الكف والإفراج الفوري عن كل معتقلي الرأي والكف عن المطاردات والاعتذار للمؤسسة التشريعية عن المؤسسة التنفيذية على ما قيم به من انتهاك لحرمتها وحرمة الدستور في وضح النهار، وإعلان النظام أنه مقدم على حوار جديد مع قوى المعارضة من أجل المصلحة العليا للبلد، فيجب أن تكون هناك أرضية صالحة لوجود حوار والذي يجب أن يقوم بالمبادرة هو النظام لأن المعارضة على مدى تاريخها وهي أربعة عشر سنة لم تجد فرصة إلا وطلبت وطالبت ووجهت العرائض إلى النظام من أجل الحور الذي تراه المعارضة ضروريا.

فأعتبر أن الكرة في مرمى النظام، وهو الذي يملك الآليات العملية الفعلية لهذا الحوار فإذا رفض النظام فنحن لا نملك أن نقوم بحوار مع العدم.

السفير: ماذا عن وضعيتكم شخصيا بعد توقيفكم والإفراج عنكم في انتظار رفع الحصانة البرلمانية، وكيف تقيمون موقف البرلمان اتجاهكم؟

م م أ: أولا لم توجه لي أية تهمة وحبذا لو وجهت لي، فلو وجهت لي تهمة، لحل اللغز، فقد تم اقتيادي من طرف ثلاثة مفوضين سامين إلى مكان محدد وسجنت فيه مدة أربع ساعات، ثم التقيت مدير امن الدولة الذي أخبرني أنه مفرج عني حتى يتم رفع الحصانة عني، فالموضوع بالنسبة لي من الناحية الفعلية توقف عند هذا الحد، وأعتقد أن البرلمان لم يتلق أي شيء لأنه لم يقم بأي شيء والحكومة لم أسمع بأنها حركت الموضوع، وبالنسبة لردة الفعل وتجاوب الرأي العام والفعاليات بصورة عامة مع الموضوع، كانت سريعة جدا، وكان لذلك نتائج ملموسة، على سبيل المثال نواب المعارضة اجتمعوا فور إعلان الاعتقال وشكلوا وفودا وشكلوا لجانا وأصدروا بيانا، ومن تلك الوفود وفد توجه إلى رئيس البرلمان وآخر إلى رئيس مجلس الشيوخ، وكل من هذين الرئيسين أبدى تعاطفه وأسفه على ما وقع، وكل منهما يعتقد ولست بحاجة إلى أن أؤسس اعتقاده بأن ما وقع هو خطأ.. المهم أنه مازال هناك لغز وهو لماذا تم اعتقال نائب؟ ولماذا تمت مخالفة الدستور بصورة صريحة في وضج النهار؟ ولماذا تم الإفراج إذا كان هناك شيء؟ هذه أمور مازال التاريخ ومازال الوقت سيوضحها؟

 أريد أن أشير هنا إلى أنه من اللازم ومن الضروري جدا ومما لا يمكن الاستغناء عنه، ومما لا يمكن أن يقوم أي شيء بدونه، لا حوار ولا دولة ولا نظام ولا شيء، هو أن يعطى لكل مؤسسة دستورية دورها، ولابد وهذا ما هو غير موجود، أن يعطى للبرلمان دوره كبرلمان يقوم باختصاصه كاملا غير منقوص، وللجهاز القضائي دوره كجهاز يحق الحق ويبطل الباطل ويحكم بين الناس بكل نزاهة وكل استقلال، وهذا غير موجود، ولابد أن يعطى لمحكمة الحسابات دورها كهيئة رقابة ومحاسبة وتدقيق في المسائل المالية، ولا بد من أن تكف الحكومة عن التدخل في هذه السلط، فإذا أعطي لكل مؤسسة دورها ستحل الكثير من المشاكل وستتحرك الآلية إلى الأمام، أما إذا بقيت كل القرارات والاختصاصات ممركزة في مؤسسة واحدة، وهي مؤسسة رئيس الجمهورية فهذا خطأ غير مقبول وخطأ تنفيذي وخطأ تشريعي وخطأ قضائي غير مقبول بالنسبة لنا ولن تقوم قائمة لا للدولة ولا للنظام ولا للمعارضة ولا للحوار ولا لأي مستقبل للبلاد مادام الأمر هكذا.

السفير: أخيرا أين وصل التنسيق بين أحزاب المعارضة، هناك معلومات عن خلافات أطراف معارضة تعترض ذلك التنسيق ما حقيقة ذك؟

م م أ: على كل حال، أنا لست ناطقا باسم المعارضة، وحتى لست ناطقا باسم حزبي، فمادام الشكل الهرمي للحرب يعلوني فيه أحد، فهو الذي يحق له أن يتكلم في هذا الموضوع، كذلك المعارضة لم تكلفني بالحديث باسمها، كل ما أعلمه شخصيا وعلى حسابي الشخصي، أن المعارضة تجمعها قواسم مشتركة وهي متفقة عليها، لكن يجب أن لا يخفى على الرأي العام، ولا عليكم أنتم كصحفيين، بأن معنى وحدة المعارضة المنشودة، والذي يمكن أن يكون مطبقا أن تتحد حول القواسم المشتركة الكبرى، أما ما تطلبونه بأن تتحد المعارضة في كل المواقف، وفي كل الجزئيات، فالمعارضة أحزاب لو كانت كذلك لكانت حزبا واحدا فالمعارضة أحزاب لكل خصوصياته ومواقفه من بعض القضايا المطروحة والعالقة، والملفات الكبرى في البلد، فكل حزب يحترم للحزب الآخر موقفه لكن ما يجمع المعارضة كمعارضة والخطوط العريضة لهذه المعارضة ومبادئها متفقة عليه، وتعمل من أجله فكل المناسبات تجدون المعارضة متفقة فزيارة، شالوم اتفقت المعارضة وأصدرت بيانا، وبالأمس القريب كان هناك مؤتمر صحفي لأحزاب المعارضة متفقة على موقف من هتك الدستور واعتقال برلماني، وعندما اعتقل السياسيون البارزون أحمد ولد داداه ومحمد خونه ولد هيدالة والشيخ ولد حرمه اتفقت المعارضة على موقف واحد، إذن هناك الأساسيات التي تتفق عليها المعارضة أما أن تتفق المعارضة على كل جزئية بسيطة فهذا من خصوصيات الأحزاب، وأعترف وهذا على حسابي الخاص، بأنه مازال هناك نقص كبير في العمل المشترك بين المعارضة لكي تفرض الحلول التي تراها ضرورية للبلد، هذا هو ما تزال المعارضة عاجزة عنه، وعن تحقيق آلية للعمل من أجل فرض هذه الحلول لكنها متفقة عليها، وتعمل من أجل أن يكون العمل المشترك له ميدان وآليات تجمعه من أجل تحقيق ما يراد منه إن شاء الله.

 

السفير؛ العدد 110 الصادر بتاريخ: 12 مايو 2005