المستشفيات في موريتانيا.. حتمية علاجية وخلل بنيوي | صحيفة السفير

المستشفيات في موريتانيا.. حتمية علاجية وخلل بنيوي

أحد, 13/11/2016 - 12:57

كان الدخول إلى الحالات المستعجلة يستلزم منا المرور أولا بمصلحة التوجيه والاستقبال التي رافقنا أحد أفرادها إلى مكتب المدير المسؤول عن الحالات المستعجلة لنشرح له طبيعة المهمة الإعلامية التي حملتنا إليه؛ والمتمثلة في البحث في حقيقة ما يجري وراء أسوار هذه القلعة العلاجية المسماة بالحالات المستعجلة.

وقد وافق على الفور معلقا بأنه لا يوجد لديه ما يخفيه.

 

مشاهد.. بلا تعليق

عند ولوجنا الحالات المستعجلة بمركز الاستطباب الوطني كانت المشاهد على النحو التالي:

ازدحام عند البوابة الرئيسة.. ضوضاء واكتظاظ داخل الأروقة المؤدية إلى غرف المعاينة.. أحاديث جانبية لممرضات متدربات في قاعة المعاينة الأولية.. انتقائية في تسهيل الدخول.

الحالات المستعجلة مفصولة بشكل تام عن باقي مباني المستشفى المرتبطة بها في الاختصاص؛ حيث ينقل المريض ذو الحالة الحرجة إلى القسم الذي سيستقر فيه.. وقد تكون الدقائق الفاصلة بين نقله ووصوله حاسمة في حياته.

أعباء متراكمة على كاهل الكادر الطبي ونقص في المعدات الحديثة،

ارتفاع هائل في معدلات الإقبال على كافة أجنحة الاستعجالات (4600 حالة معاينة في جناح الأطفال وحده حلال شهر سبتمبر الماضي).

لا حظنا خلال تواجدنا كذلك:

تأخر الأطباء عن الوصول إلى غرف المعانية، مما أتاح الفرصة لبعض المترددين لإغفاءة قصيرة.

إغلاق الصيدلية الداخلية للحالات المستعجلة أمام المرضى، مما اضطرهم -طيلة ساعة- إلى التوجه إلى الصيدليات المجاورة بعدما انتظروا وبحثوا عن القائمين عليها دون فائدة.

قيام بعض عمال النظافة بتنظيف بعض غرف المعاينة أثناء عمل الأطباء.

هذه المشاهد أثارت تساؤلات جوهرية من قبيل مدى اطلاع المسؤولين على حقيقة ما يجري، وهل كانوا على دراية بالإغلاق المتعمد للصيدلية؟

وماذا عن قسم النساء والتوليد والجراحة وغرف المعاينة الأولية؟

هذه التساؤلات وغيرها حملناها إلى الطاقم المشرف على أجنحة الحالات المستعجلة فجاءت ردودهم على النحو التالي:

رئيس مصلحة الحالات المستعجلة:

نستقبل يوميا ما بين 100 - 120 حالة"

بعد انتظار دام قرابة ربع الساعة قدم رئيس مصلحة الحالات المستعجلة إلى مكتبه، الطبيب محمد سالم ولد لحبيب أخصائي التخدير والإنعاش الذي خصص ربع الساعة كذلك للإجابة عن استفساراتنا.

"السفير": ما هي التخصصات المتاحة حاليا للتدخل الاستعجالي؟

محمد سالم: توجد كافة التخصصات الضرورية، بدءا بالعظام والأعصاب والمسالك البولية والبطن والأنف والأذن والحنجرة.. بالإضافة إلى قسم يعنى بالأطفال وآخر لأمراض النساء والتوليد والجراحة، مع وجود مختبر خاص وجناح للأشعة.

"السفير": ماذا عن الأمراض الأكثر شيوعا؟

محمد سالم: نستقبل أساسا أمراضا من قبيل الإسهال الحاد والتقيؤ، وفي بعض الأحيان حالات من سوء التغذية؛ بالإضافة إلى الأمراض الباطنية وحوادث السير التي تتطلب عادة تدخلا جراحيا وإسعافا عاجلا، وكذا الحروق التي نقدم في مجالها إسعافات أولية ضرورية للبقاء على قيد الحياة.

وتقدر الأعداد الوافدة إلى المصلحة يوميا بـ100 - 120 حالة، ويعتبر فحص الدم الاستعجالي من أسرع الخدمات الذي يقدمها المختبر الخاص بالحالات المستعجلة؛ كما يوجد احتياطي من الدم يستخدم في حالات محدودة كالنزيف والولادة.

يوجد بالمصلحة كذلك فرع اجتماعي يتكفل بالحالات المرضية التي يعاني أصحابها الفقر الشديد؛ حيث يوفر صندوق الرعاية الاجتماعية مجانية الدواء. كما يوجد جناح يلبي الطلبات العاجلة إلى السوائل في حالة الحروق والكوليرا ونحوهما من الحالات الملحة.

"السفير": لا بد أن هناك نواقص تشكونها، فما هي أهم تلك النواقص؟

محمد سالم: لا شك أن هناك مشكلات وعوائق يتعلق بعضها بالطاقم الطبي كما يتعلق البعض الآخر بالزوار؟ فمنذ استلامي العمل في التسعينات وحتى الآن لم أتلق أي تحسين للخبرة خارج البلد، ومع أننا قدمنا طلبات عديدة بهذا الشأن لدى الوزارة المعنية، إلا أنها لا تعتبر المسألة ذات أولوية على ما يبدو، مع أن مصلحة الأشخاص في الوزارة تمارس دور الرقيب والزاجر؛ إلا أن دورها في المكافأة وتحسين الخبرة ظل غائبا حتى الآن.

المستشفى من جهته بذل بعض الجهود في هذا المضمار، تمثلت في سعيه للحضور إلى ملتقيات دولية وتحمل كافة النفقات؛ وهو ما شكل فرصة لاطلاع بعض الأطقم على آخر المستجدات في الميدان الطبي.

مسؤول جناح أمراض النساء والتوليد:

"نعاني نقصا حادا في المختصين"

لاستجلاء أوضاع قسم أمراض النساء والتوليد بالحالات المستعجلة التقينا بمسؤول القسم؛ بالدكتور محمودي ولد مبارك أخصائي أمراض التوليد والنساء، الذي تحدث أساسا عن مجموع المشكلات التي يعاينها جناحه؛ والتي أجملها في:

عشوائية التوجيه.

كثرة المرافقين للمريض.

النقص الحاد في الكادر البشري؛ حيث لا يوجد سوى ثلاثة أخصائيين رسميين.

فصل قسم التوليد عن أمراض النساء؛ وهو ما يمثل خطورة دائمة قد تتعرض لها الحامل، لأنه لا توجد في الأعراف الطبية ولادة آمنة مائة بالمائة.

العدد المتزايد للقابلات في قسم الاستعجال؛ حيث أن الموجود منهن أكثر من الحاجة، وهو ما ألجأ بعضهن إلى تقمص صفة ممرضة كي لا يتم تحويلهن إلى مستشفيات في الداخل.

قلة الأسرة، وهو ما دفعنا –مكرهين- إلى إخراج المريض قبل خمسة أيام ليخلي مكانه لمريض آخر ذي حاجة ماسة إلى سريره.

عدم القيام بتحسين خبرة.

أما عن أهم التدخلات الجراحية في جناحه فقال إنها تتمثل في:

عمليات نزيف الحمل خارج الرحم واستئصال الأورام

وهي عمليات تتم بمعدل 3 - 5 عمليات لليوم.

وعن تصوره لآليات الحل يقترح الطبيب محمودي ولد مبارك إصلاحا شاملا للسياسة الصحية للبلاد، وذلك باشتراك الأطر العاملين في القطاع، وتنظيم أيام تفكيرية حول السبل الكفيلة بإخراج القطاع من وضعيته الحالية التي لا تساعد على العطاء حسب رأيه.

قسم الأطفال: الملاريا هي الأكثر انتشارا

ودائما في سعيها الجاد لاستكشاف أراء الطاقم الطبي في المصلحة ومعاناتهم التقت "السفير" الدكتور يعقوب ولد الداه الطبيب العام المداوم في جناح الأطفال في الحالات المستعجلة الذي تحدث عن أهم الأمراض التي يعانيها الأطفال في هذا الجناح الذي أوضح أن الأمراض الأكثر شيوعا تتمثل أساسا في التهابات الجهاز التنفسي والإسهال والتقيؤ وأمراض الربو ولعل أكثر هذه الأمراض هي الملاريا (حمى البعوض) التي تمثل حوالي 70% من المعاينات اليومية بالإضافة إلى أمراض أخرى أقل انتشارا في صفوف هذه الشريحة كالكبد السكري وأمراض القلب. كما تسجل حالات وفاة في بعض الأحيان.

وعن أهم المشكلات التي يتعرض لها الطاقم الطبي قال إن قسم الحالات المستعجلة يعاني من الضغط الهائل في مجال الحجز، وعدم الدقة في تشخيص الحالات التي تأتي من مختلف ولايات الوطن دون ملف طبي؛ مما يجبر الأطباء على إضاعة الكثير من الوقت في الفحوص لمعرفة الحالة المرضية بدل الدخول مباشرة في إعطاء الدواء المناسب فورا؛ كما يطرح تحسين الخبرة عائقا أمام الدكاترة، وإن كانت الغرف تحوي التجهيزات الضرورية للعناية بالحالات الحرجة.

وكمثال على الأعداد المتزايدة من المترددين على قسم الحالات المستعجلة فإن شهر رمضان وحده شهد ما يقارب 1000 حالة معاينة.. ومع ذلك فالأمور تبقى تحت السيطرة ومقبولة.

آراء المراجعين

في محاولة لاستطلاع رأي المراجعين صدمنا بحقيقة مخجلة هي أن المواطن قد تعود سياسة الصمت في أفضل الحالات، أو المديح في أكثر الأحايين؛ فلا تكاد تجد من ينتقد.

مع ذلك فقد سجلنا استياء بعض المراجعين من الجو العام.

أحد المواطنين استشاط غضبا أمام بوابة الاستعجالات من طابع الانتقائية في إدخال المراجعين؛ حيث أكد أن السائد هنا هو أن يتدخل العاملون بالمستشفى ليدخلوا معارفهم غير آبهين بما يفرضه النظام وأسبقية الوصول إلى المستشفى.

سيدة أخرى أعربت عن غضبها من التشخيص الخاطئ لحالتها الصحية من طرف إحدى الممرضات، مما أدى بها إلى الإغماء بعد تناولها الدواء الذي وصف لها؛ وبالتالي استدعى تدخل الطبيب المختص بعد ذلك.

السفير : العدد 589 بتاريخ 09 نفمبر 2007