تطبيع العلاقات مع أدب المراسلات | صحيفة السفير

تطبيع العلاقات مع أدب المراسلات

سبت, 24/12/2016 - 16:53
غادة السمان

يوم أصدرت رسائل غسان كنفاني لي قرأت 110 مقالات ضد ذلك، ولكن لم يصدر حتى اليوم أكثر من خمسين مقالاً وتغريدة ضدي.. وأنا طبعاً في انتظار المزيد ولكن يبدو أنني وسواي نكاد ننجح تدريجياً في تطبيع علاقة الناقد والقارئ العربي مع أدب المراسلات.
وثمة مقالات ضدي نزلت من حضن الأدب إلى مستنقع التشهير الشخصي، وتزوير الحقائق ولن أهبط إليها لنقدم مشهداً مسلياً لعشاق مصارعة النساء في بركة وحل. وهي مقالات تزعم الكتابة عن رسائل أنس وليس فيها كلمة تذكر تلك الرسائل بأكثر من كونها قاعدة لإطلاق صواريخ حسد وبغضاء.

نصائح إلى «حراس الصمت»

أنصح كل من تجد/يجد ذريعة للهجوم عليّ أن يغطي ذلك بقناع الحديث عن الرسائل ولو في أسطر عدة مختزلة على الأقل. إحداهن فاتها ان تذكر رسائل أنسي إلا بكلمتين رفعاً للعتب ولكنها سرقت دور الطبيب النفساني وتورطت في تحليل لي هي بأمس الحاجة إليه. وهذه نصيحة من كاتبة أنعم الله عليها بأعصاب آتيةٍ من جليد القطب الشمالي وبقلب آتٍ من حرارة خط الاستواء. وضميري الأدبي يمنعني من ممارسة أمر مشابه او الكتابة عن (الحالة النفسية) للمتورطين في كتابة نقد كهذا، وينسون انهم حين يكتبون عن الآخر واهمين انهم يعرونه انما يعرون اولاً حقيقتهم ودخيلتهم وخيباتهم وأعماقهم.
وثمة كاتبة (مسلية) اخترعت مقولة ان يأسي أدبياً هو وراء نشري للرسائل وأحب تذكيرها بأن 21 كتاباً نقدياً قد صدرت عني آخرها من الشاعر عذاب الركابي وان أعمالي دخلت في الكتاب المدرسي اللبناني للأدب كما الكتاب المدرسي السوري في وطني الأم وبالتالي ثمة جيل جديد يدرسني إلى جانب أسماء كبيرة كما ان بعض أعمالي تُرجم إلى 19 لغة أجنبية.
الشاعر لامع الحر كتب حول إدخالي في المناهج المدرسية قائلاً: «وحدها اختيرت من مبدعي جيلها ليتم تدريسها في مناهج الادب العربي». وفي ذلك تكريم حقيقي لي.. وتشريف من أكاديميي لبنان وسوريا ايضاً. كما علمت من الأديبة الشابة عفيفة حلبي التي أرسلت لي نسخة (فوتوكوبي) عن ذلك. ويدهشني أن يحاول كتاب يزعمون (الطليعية) ممارسة دور «حراس الصمت».. ويؤسفني أن تنسى كاتبة ما في غمرة الحسد أن تذكر مبرر مقالتها وهو رسائل المبدع أنسي. إنها لا تتقن الكتابة في رواياتها وخارجها أيضاً ولا حتى في «فن الحسد»!

نشرت رسائل غسان بخط يده أيضاً!

أخ أبجدي غاضب لأنني نشرت رسائل أنسي بخط يده ولكنني لم أفعل ذلك مع رسائل غسان كما يزعم. وهو مخطئ. وأقترح عليه إعادة قراءة الكتاب منذ طبعته الأولى، حتى اليوم واللعنة على ثقوب الذاكرة!!
أنا ببساطة أتمنى المساهمة في التأسيس لأدب المراسلات العربي وهذا كل ما في الأمر.. وأريد أن ننسى الأشخاص العابرين إلى الموت وأريد أن نحتضن النص.. وللأسف قلما كتب أحد حول النص الرائع للمبدع أنسي كما فعل الشاعر عبده وازن الذي أعلن أن رسائل أنسي لي «تمثل نصوصاً بديعة لا تقل بتاتاً فرادةً وجمالاً عن قصائد الشاعر ومنشوراته. وهذا في حقيقة الامر المفتاح لنشري لرسائله.

تخلفنا عن أجدادنا

حتى لحظة كتابة هذه السطور، قلائل استطاعوا الخروج من قواقع انتهاز فرصة التعبير عن النقمة على نشري للرسائل (ربما كحرب وقائية خوفاً من نشر رسائل كتبوها).
وبعض المهاجمين لإصداري الرسائل لم يطلعوا أصلاً عليها ولم يقوموا بمطالعة جمالياتها الأدبية، بل علموا بالأمر وذلك مرض آخر يستحق وقفة مستقلة أي حول الذين لا يطالعون الكتاب موضوع نقدهم، معبرين فقط عن سخط «حراس الصمت» لانتهاكي إحدى قواعد اللعبة الأدبية الظلامية وهي «الهص الهص العيب العيب» في حين سبقتنا الأمم الأخرى إلى توسيع آفاق آدابها.. ولذا نذهب نحن للدراسة في جامعاتهم ونباهي بتخرجنا من (السوربون) وكامبريدج مثلاً ولم اسمع بفرنسي جاء للدراسة عندنا في احدى جامعاتنا وتعلم لغتنا ليتاح له ذلك وهو ما يفعله الطالب العربي في عصرنا.
من زمان كانوا يأتون من أوروبا لينهلوا من معارفنا الأندلسية ومجالس علمنا في الحقول كلها. اما اليوم فنحن …. يا نحن!!

توقعت الجحيم ونشرت!

ثمة مبدأ لا أحيد عنه أياً يكن الثمن، وهو عدم إعدام أي نص إبداعي خوفاً من «التابو» وتكفيني الحروب التي أحرقت الكثير من أوراقي حين أصابت قنبلة غرفة مكتبتي!
التشكيلية العراقية آفانين كبة/كندا تقول «المجتمع العربي معتاد على المألوف ويخاف من التغيير أو الخروج من القوقعة لذا سيحتاجون إلى وقت أكثر لفهم واستيعاب «أدب الرسائل» الذي هو متعارف عليه في الغرب وينظرون إليه على أنه إنتاج أدبي يستفيدون منه ويستمتعون به».
ومن طرفي أقول: أهلاً بالنقد.. ومن المهم ألا يتحول إلى محاولة مضحكة لكتابة سيناريو حياة كاتبة لم يلتقوا بها ولم يطالعوا كتبها. والأهم أن تدب الحياة في عالم عربي أحبه يكاد يدخل في مرحلة (كوما) ظلامية أدبية أيضاً.
ويوم نشرت رسائل غسان طالبت «بمؤسســـة عربية أكاديمية» ترعــــى أوراق الأدباء ومراسلاتهم وتحفظها وتنشرها في الوقت المناسب ولم يهتم أحد بذلك. أما اليوم والموت العربي يعم في بعض أقطارنا والدماء والخراب هنا وهناك فلا مجال للمطالبة بذلك، والحل الفردي الأدبي وحده الممكن وبأي ثمن..
أما الذين لا يحسنون مهاجمتي فأنا على استعداد لتقديم النصائح في ذلك الحقل وسأدلهم على عيوبي وهي كثيرة كالبشر جميعاً ولكن ليس بينها ما تم اختراعه لي حتى الآن!