تيمات شعبية فى ثلاثية نجيب محفوظ | صحيفة السفير

تيمات شعبية فى ثلاثية نجيب محفوظ

خميس, 19/01/2017 - 11:30

المتأمل لسيرة «نجيب محفوظ» الإبداعية من المنظور الشعبي، سيلمح جملة تفاصيل من العادات والتقاليد الأسرية وموروثات الأساطير الشعبية حتى الخزعبلات عن الجن، فضلا عن التدين البسيط، أو ما يمكن وصفه بالدين الشعبي الذي يميز المصريين، بمفهومهم الديني المحب للحياة والبهجة، وقد لخصه محفوظ على لسان العديد من أبطاله في عبارة مفداها «إنه غفور رحيم»، وهي تيمة شعبية عبَّرت عن ثقافة الطبقات المصرية في مختلف مراحل حياتها وصراعاتها.

 

ورصد محفوظ في (الثلاثية) الواقع الشعبي بموروثاته العقائدية، وطقوسه لمواجهة الأخطار، وفقا للتصور الديني الذي يعتقد به المصري رصدا بمنتهى الأمانة بلا تدخل منه، لا ساخرا ولا مادحا، بل جاء هادئا متزنا بدون افتعال خلاف بين المعتقدات الدينية. كما رصد إمكانية التعايش السلمي بين كل المعتقدات الشعبية على اختلاف مستوى الأسرة مع إظهار الاختلاف الناقد لا على المعتقد نفسه، بل على صاحب المعتقد الذي يُسيء بأفعاله إلى المعتقد. وتُقسم الثلاثية الصراع الديني بين الأجداد في الجيل الأول الذي تراوح تدينه المتناقض بين الغيبيات واللهو والمسرات في الخفاء، وظاهر التدين في العلن، بينما الجيل الثاني فكان الأمر أكثر تعقيدا في التردد والارتباك ما بين الدين والعلم، وجاء الجيل الثالث أكثر وضوحا مع ذاته في موقفه الديني بين المؤيد المتشدد وبين الرافض المُنكر. حيث أظهر واقع مجتمع الجيل الثالث في انفصاله عن ثقافته الشعبية الوسطية فنتجت الحالة الدينية الرافضة للآخر وإقصائه من المجتمع، مثلما صور مواقف التيارات المتأسلمة التي ترى في المجتمع جهالة، ويجب خصامها وتكفيرها إن لم تنضم إلى جماعتهم.

وعلى صعيد متصل تجلت أصداء الثلاثية في الربط بين معتقد العامة والمعتقد الإلهي في المفهوم الحِّسي عند الشخصية المصرية، وهذا ما أكده محفوظ على لسان السيد «أحمد عبد الجواد» مبررا هذا الخلط الحسي برخصة إلهية بأن «الله جميل يحب الجمال»، ما يعكس نتاج الثقافة الشعبية لدى المصريين التي تأثرت بتجليات الصوفية التي تخلط بين الجسد والروح، والميل إلى استخدام مفردات دينية في قالب عشق المحبوب، بهدف الوصول من قمة التوحد الجسدي إلى الروحي، ومن ثم وجه الله. ويفسر هذا إحالة مفردات المعجم الديني إلى مفردات القاموس الشعبي، باعتبارها ظاهرة متفردة في مزاجية المصريين