كان المؤمنون بالاستقلال والمتشبثون به كأنما يسبحون ضد التيار، فهناك ضغط خارجي يعمل على وأد مبادرة الاستقلال، وثمة عملاء من الداخل يؤيدونه ويثبطون العزائم وجرت أحداث دامية في النعمة وأطار وانواكشوط طيلة تلك الفترة.
في خضم ذلك برز رجال يحدوهم الحماس من أجل الحرية والاستقلال، وكان وقتها "عبد الله بن عبيد" من أولئك الذين تصدوا لعلماء الاستعمار وأعلن رفضه لفكرة الارتباط بالمغرب قبيل الاستقلال، ونتيجة لتعاظم دوره وخطر شأنه في أعين معارضي الاستقلال أصبح مستهدفا، وأعلنت المغرب قبل الاستقلال بأسبوعين أنه سيقتل بسبب تفانيه في دعوته تلك وإصراره على نهجه الانفصالي وهذا ما حدث فعلا فقد أردي قتيلا في ظروف غامضة.
في تلك اللحظات أتذكر أنني كنت مع "سيد المختار بن يحي انجاي" فنهض من مجلسه بعيد سماعنا الخبر وكنت بجانبه حين توشح بندقيته وركبنا سيارته الخاصة وكانت من نوع "ديشفو" ثم اتجهنا إلى موقع الحادث فوجدنا السلطات في عين المكان، وقد اتخذت الإجراءات بحثا عن الجاني الذي لم يتم العثور عليه.
كان هذا أول تحد يواجه الدولة الفتية لكنه لم يكسر شوكة النضال بل زاد الكل إيمانا وتصميما على نهج الاستقلال وفاء "لولد عبيد" والمبادئ التي قتل من أجلها وأتذكر أن هذا الحادث الأليم قد أدى إلى إلهاب المشاعر الوطنية وترسيخ الاعتقاد بوجوب قيام دولة مستقلة.
وتأتي التطورات اللاحقة بما يحقق هذا الحلم فقد تشكلت أول حكومة للبلاد برئاسة "المختار بن داداه" وأول برلمان برئاسة "سيد المختار بن يحي انجاي" وظلت رغم ذلك غيوم الشك تخيم على نفوس الكثيرين نتيجة لما عليه واقع البلاد من التخلف، لكن الحماس للاستقلال كان أقوى والإيمان بالمستقبل ومشاعر الأمل في نفوس الأبناء المخلصين ذللت كافة العقبات.