بعد تلك الجلسة غير الودية مع مسؤول الأمن في المدرسة خرجت بعد أن أعطاني مهلة للتفكير لأختار ما بين التعاون معهم والاعتراف بكل شيء أو السجن الذي قال بأن بابه مشرع في انتظاري ورغم أن الأمر كان يدعو إلى الفزع وأن سلامتي أصبحت مهددة إلا أنني بدأت ومنذ تلك اللحظة أحاول إقناع نفسي بأنهم سيكتشفون يوما أني بريء بعد أن يحققوا معي ولو في السجن وكنت أحاول أن أبدو طبيعيا خلال عملي في تلك الفترة ضمن لجنة إعداد المناهج الدراسية بالرغم من أن تركيزي كان مشتتا بين العمل والتفكير في عالم السجن الذي أصبحت مهددا به ومع الأيام أصبحت أشعر بأنني محطم نفيسا ، ويبدو أن ذلك كان جزء من الخطة كي أنهار حيث لم يتم استدعائي مرة ثانية إلا بعد ما يزيد على الشهرين عشت خلالهما أفكر فيما سيؤول إليه مصيري الذي أصبح على كف عفريت ، وفي المرة الثانية اتخذ الاستدعاء شكلا جديدا حيث مر على المسؤول الأمني وأنا منكب على سحب بعض الكتب وسلمني قصاصة من ورق وأمرني بأن أنفذ ما فيها وسيتصل بي بعد أسبوع وحين فتحت قصاصة الورق وجدت مكتوبا فيها أن علي أن أكتب اعترافاتي وكانت قد كتبت هكذا " يجيب أن تكتب اعترافاتيك " . وحين أخبرته بأني لم أفهم المقصود بالاعترافات أجاب بأنهم يريدون معرفة كل شيء عني منذ ولادتي وحتى اليوم ورغم أني أشك في الدلالة اللفظية لكلامه فقد بدأ أكتب عن محطات حياتي التي لولا المحطة التي بدأت يوم قررت الالتحاق بهم لما تطلب الأمر مني سوى عدة أسطر كحياة أغلب أبناء جيلي الذين لم يكونوا يؤرخون فيها إلا للمحطة التي تحملوا فيها مسؤولية أعباء الحياة وبالنسبة لي تتلخص في أنه حين وضعتني أمي أفقت وأنا أكتب الثمن الأول من حزب (تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير) ومن قدرته أن قدر لي بعد حفظ كتابه الكريم وبعض المتون وتميز في المدرسة أن أجد نفسي أمام حمال أسفار لا يريد أن أقرأ عليه أي شيء إلا من كتابه هو.
بالإضافة إلى السطرين السابقين عن سيرتي الذاتية بدأت أكتب بالتفصيل عن قصة الالتحاق بداية من يوم خروج من نواكشوط إلى أن حطت بي الطائرة مع زملائي في مطار الجزائر وفي التفاصيل ذكرت عدة مرات اسم كل من ماء العينين ولد الزمراكي الذي رافقنا من نواكشوط إلى دكار و أحمد سلامة الذي عرفناه في دكار باسم (فريد) والذي رافقنا من غينيا بيساو إلى الجزائر، وكأنني بذلك كنت أريد أن أقول بأن هذين " المناضلين " يعرفان أن هذه هي قصتي الحقيقية ولست عضوا في شبكة الجواسيس التي تم اختلاقها ، ولم أكن في ذلك الوقت أعرف أنني كالمستجير بالنار من الرمضاء فبعد أن انقضت مهلة الأسبوع تم استدعائي إلى الإدارة لأجد من ضمن من ينتظرونني أحمد سلامه ابريك الذي كنت أعتقد أنه سيشفع لي وكانت تلك أول مرة أراه فيها بعد أن توارى عن أنظارنا مع ذلك " المعارض الموريتاني " حين حطت بنا الطائرة في الجزائر قبل أكثر من خمس سنوات وكذلك كانت أول مرة أعرف فيها أنه من عناصر الأمن البارزين ، وبعد أن سلمت ما كتبت لزميله (الخليفة الكوري) الذي كان جالسا بجانبه أخذه منه وبعد أن انتهى من القراءة التفت إلي وقال لعنة الله على والديك أنت وماء العينين ولد الزمراكي ، كلاكما مجرم وابن كلب وأنت الذات لا ينفع معك اللين ثم أمرني بالانصراف حتى ينادوا علي ، وكانت المدرسة قد بدأت باستقبال التلاميذ لتبدأ السنة الدراسية الجديدة (1984-1985) فبدأت عملي بشكل طبيعي وبعد أن مرت أسابيع اعتقدت أن الموضوع قد انتهى لأنهم اقتنعوا أنني بريء ، لكن سرعان ما عرفت أنني كنت أحلم وأن أملي في النجاة قد تبدد .
يتواصل ......