في مساء ذلك اليوم من أيام يوليو 1983 استدعاني المسمى الخليفة الكوري الذي كنا أو كان بعضنا على الأقل يعتقد أنه مجرد مدرب بائس للرياضة إلى إدارة المدرسة وحين دخلنا عرفني على وظيفته التي لم أكن أعرفها وهي أنه مسؤول الأمن بالمدرسة وأن لديه معلومات عن نشاطاتي التخريبية كعضو نشط في " الشبكة الموريتانية الفرنسية للجوسسة والتخريب " وحين نفيت الاتهام أخرج ملفا من درج المكتب وبدا كأنه يقرأ فيه ثم رفع رأسه و سألني سؤالا غريبا عما أعرفه عن حكم القصر في الصلاة وعما إذا كان علينا التقصير في الصلاة والإفطار في رمضان أم لا ؟ فقلت رغم غرابة السؤال إن ما أعرفه أن المقصر إن أقام أربعة أيام عليه أن يتم صلاته وبالنسبة للصائم فله بقية يومه فقط إن وصل مقصده نهارا ، وما إن أكملت جوابي حتى ضم الملف وهو يبتسم ويقول أنت تحرض ضد الفتوى التي أصدرتها القيادة بأن علينا ان نقصر الصلاة ونفطر في رمضان حتى الاستقلال لأننا لسنا في وطننا فكادت صدمة هذا الكلام تفقدني التوازن لغرابته فأفهمنى أن الملف الذي بين يديه يثبت أني أردد هذا الكلام دائما فلم أنكر رغم كوني لا أتذكر أني قلت هذا الكلام إطلاقا ، والمفارقة العجيبة أنه كانت ضمن جدولي الزمني حصصا من التربية الإسلامية التي يبدو من هذا الكلام أن الهدف منها مجرد تجميل للمناهج الدراسية لغرض الاستهلاك المحلي في مجتمع متدين بالفطرة ، وفي هذا المجال لا بد من الإشارة إلى أمر أكثر خطورة مما كنت أنا أو غيري نقوله عن الأمور التعبدية وهو أنه في تلك الفترة كان فعلا العمل بفتوى قصر الصلاة وفطر رمضان هو السائد ، بل كان " حماة التنظيم " او من يعرفون محليا ب " الشكامة " ينظرون إلى من يخالف تلك الفتوى نظرة شك في " نضاله " وربما اتهموه بكسر أوامر القيادة وأكثر من هذا لم يكن يوجد في تلك الفترة على الإطلاق أي مسجد ولا حتى مصلى في كل المخيمات باستثناء واحد في مخيم الداخلة كان يستخدم لمعارض الصناعة التقليدية ويقل أن يرى الإنسان صلاة جماعة . صحيح أنه لم يكن يمنع أحد بشكل مباشر من الصلاة و إتمامها ولا من الصيام و لكن كل الظروف التي لا تساعد على أداء هذه العبادات كانت متوفرة على الأقل في الأماكن التي عملت فيها لمدة 12 سنة فلا وقت مخصص للصلاة ولا الأطفال يؤمرون بها لتطبيق ما تعلموه نظريا على الأقل ولا مساعدة لمن قرروا صيام رمضان بإفطار ولا سحور، وهنا أتذكر مرة من المرات أن رمضان هل في عز الحر وكنا خمسة أشخاص من أصل ما يزيد على ألف شخص أخبرنا الإدارة بأننا سنصوم فكان الرد أن لا إفطار ولا سحور وإن شئنا جعلنا غداءنا فطورا وعشاءنا سحورا ، ولكن من حظنا أن كان فينا المرحوم الشيخ ولد الشيخ اسلامه الذي استطاع بعلاقاته الخاصة أن يوفر لنا كل يوم الفطور والسحور جعل الله ذلك في ميزان حسناته ، والباقون ما زالوا لله الحمد على قيد الحياة ويتذكرون هذه الواقعة .
وبالعودة إلى استدعائي الذي اتهمت فيه بتهمة لم أرتكبها ولم انفها لا يمكنني تفسير ما حدث إلا بشيء واحد وهو أن المنظرين الذين كانوا على الواجهة أخذوا عن معلمهم وملهمهم أن الدين أفيون الشعوب وكل من يدعوا له يشكل خطرا على " الثورة " وبالتالي فإن تهمتي ثقيلة وستثبت الأيام ذلك .
يتواصل .......