عرض الأسباب: ينسجم إعداد مشروع قانون المالية الأصلي لعام 2017 تماما مع التعهدات المندرجة في البرنامج الانتخابي لفخامة رئيس الجمهورية والذي يجعل من تحقيق نمو اقتصادي توزيعي وقوي ومحارب للفقراء ركنا أساسيا من برنامجه الخمسي.
وقد تجسدت هذه الالتزامات في اعتماد دورة برمجة جديدة طويلة المدى تحت عنوان "استراتيجية النمو المتسارع والازدهار المشترك"، والتي تعتبر الإطار المرجعي الوحيد للسياسة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد في أفق 2030.
وتعتمد استراتيجية النمو المستارع والازدهار المشترك، والتي تأخذ في الحسبان أهداف التنمية المستدامة، على ثلاث (3) رافعات استراتيجية للتدخل تكمل بعضها البعض من أجل تحقيق أهداف الحد من الفقر: (أولا) تشجيع نمو اقتصادي قوي وشامل ومستدام؛ (ثانيا) تنمية رأس المال البشري والولوج للخدمات الأساسية؛ (ثالثا) تعزيز الحكامة في جميع أبعادها. وسيتم تنفيذ هذه الاستراتيجية من خلال خطط عمل متعددة السنوات.
وفي هذا السياق، يفعل مشروع قانون المالية لعام 2017 أول سنة كاملة من خطة عمل هذه الاستراتيجية ذات الأولوية (2016 - 2020)، مما سيسمح بوضع الأسس لنمو اقتصادي متسارع، أقوى وأكثر عدالة في التوزيع في بيئة من الحكم الرشيد والعدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة.
ويبين عرض الأسباب هذا أولاً تطور المناخ الاقتصادي (الدولي والوطني) الذي أعد مشروع ميزانية 2017 فيه والتوقعات المتعلقة به (1) ثم يعرض توجهات سياسية الموازنة لعام 2017 (2) وأخيرا، يقدم تطور حجم أهم الإيرادات والنفقات لعام 2017 (3).
1- أحداث تطورات البيئة الاقتصادية والتوقعات
تباطؤ معدل النمو العالمي خلال عام 2016 وتسارع معتدل في العام المقبل..
من المتوقع أن ينخفض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى 3,1% أي أقل من مستواه في عام 2015 (+3,2%) وفي 2014 (+3,4%). ويفسر هذا التباطؤ في النشاط الاقتصادي العالمي أساسا بـ: (I) نمو أكثر تباطؤ مما كان متوقعا في الولايات المتحدة خلال النصف الأول من العام؛ (II) تدهور في التوقعات بمنطقة اليورو عقب التصويت لصالح الاستفتاء البريطاني للخروج من الاتحاد الأوروبي؛ (III) إعادة التوازن الجاري للاقتصاد الصيني وتأثيرها؛ (IV) ركود النشاط أو انخفاض وتيرته في أقوى اقتصادين بإفريقيا جنوب الصحراء (نيجيريا وجنوب إفريقيا).
كما ساهم انخفاض حجم التبادل التجاري واستمرار انخفاض التضخم أيضا في تباطؤ الاقتصاد العالمي خلال عام 2016
ويتوقع أن يتسارع انتعاش النشاط الاقتصادي العالمي خلال عام 2017 (+3,4%) مدفوعا أساسا بـ: (أ) تحسن التوقعات في البلدان الصاعدة والنامية؛ (ب) زيادة في النشاط في الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة التراخي في كبح المخزون وانتعاش الاستثمار.
وفي المقابل، يتوقع أن يستمر تباطؤ نشاط اقتصادات منطقة اليورو عام 2017 (1,5 مقابل 1,7% و2% على التوالي في 2016 و2015) وذلك ناتج أساسا عن الغموض بشأن تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على أداء الاقتصاد الكلي في أوروبا.
وعلى مستوى إفريقيا جنوب الصحراء من المتوقع أن ينخفض النشاط الاقتصادي بدرجة كبيرة خلال 2016 (1,4% مقابل 3,4% في عام 2015) ولاسيما نيجيريا (-1,7%)، حيث تعطل الإنتاج بنقص العملة الأجنبية والانقطاعات المتكرة للتيار الكهربائي وأنشطة حركة بوكو حام في دلتا نهر النيجر. وفي جنوب إفريقيا، شهد النشاط انخفاضا (+0,1%) على الرغم من تحسن البيئة الخارجية.
انتعاش تدريجي في النشاط الاقتصادي الوطني خلال 2016 وتدعيم هذا الانتعاش خلال عام 2015 وانخفاض مستوى التضخم......!
لقد تعرض النشاط الاقتصادي الوطني منذ نهاية عام 2014 لمجموعة من الصدمات الخارجية (انخفاض أسعار المنتجات المعدنية، استمرار انخفاض إنتاج النفط وتدهور معدلات التبادل التجاري)، الشيء الذي كان له أثر سلبي على الإنتاج المحلي وعائدات الدولة. وهكذا، وبعد أن كانت وتيرة النمو حوالي 5,6% في المتوسط سنويا خلال الفترة 2011 – 2014، تباطأت وتيرة النشاط الاقتصادي بشكل ملحو خلال عام 2015، مع نمو في الناتج المحلي الإجمالي من حيث القيمة الحقيقية يقدر بحوالي 2%. أما بالنسبة لسنة 2016، فتشير التوقعات المنقحة لمؤشرات النشاط إلى انتعاش معتدل للنمو الاقتصادي بمعدل 3,1%، نتيجة الأداء الجيد للقطاع الريفي (الزراعة والثروة الحيوانية) والانتعاش المتوقع في قطاع المعادن والتطور الإيجابي الملاحظ في القطاع الفرعي للصيد.
ويتوقع أن يتعزز النشاط الاقتصادي المحلي خلال 2017 ليصل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي حدود 5%، بفضل توقعات زيادة إنتاج الشركة الوطنية للصناعة والمناجم (اسنيم) والتوسعة المقررة في منجم الذهب لشركة تازيازت وتحسين أداء القطاع الفرعي للصيد. لكن التوقعات الجد مواتية للقطاع الفرعي الزراعي (المروي)، هي ما يعزز التنبؤ بنمو الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2017.
وفي عام 2016، يتوقع أن لا يتجاوز معدل التضخم 3,1% بالمتوسط السنوي، أقل بكثير من مستوى 3,6% الذي كان متوقعا أصلا. وذلك نتيجة للتغيرات الخفيفة في أسعار المواد الغذائية الملاحظة خلال الأرباع الثلاثة الأولى من السنة وكذا التحكم في الكتلة النقدية. أما خلال عام 2017، فيتوقع أن تظل الزيادة في أسعار المواد الاستهلاكية حوالي 4%.
تحسن أكثر من المتوقع في العجز العمومي وفي مستوى احتياطيات النقد الأجنبي خلال عام 2016
وعلى الصعيد المالي، فقد تدهور العجز الإجمالي (خارج الهبات) في جدول العمليات المالية للدولة خلال عام 2014 و2015 ليصل تباعا إلى 4,1% و5,7% من الناتج المحلي الإجمالي باستثناء الصناعات الاستخراجية، مقابل 2% خلال عام 2013. وفي سنة 2016، جرى تنفيذ الميزانية خلال الأرباع الثلاثة الأولى من السنة في ظروف جيدة، رغم تحمل النفقات الاستثنائية المتعلقة بانعقاد مؤتمر قمة الجامعة العربية الذي التأم في شهر يوليو من هذا العام في بلدنا؛ وذلك نتيجة بذل جهد كبي في تحصيل الضرائب وتعبئة دعم الموازنة. وأدت هذه الحالة إلى تحسن أفضل مما كان متوقعا في رصيد الميزانية والذي سيحقق فائضا طفيفا (0,1% من الناتج المحلي الإجمالي باستثناء الصناعات الاستخراجية) مقابل عجز متوقع أصلا بنسبة 1,6% من الناتج المحلي الإجمالي باستثناء الصناعات الاستخراجية.
أما بالنسبة للقطاع الخارجي، فمن المتوقع أن تكون الاحتياطيات الرسمية من العملة الصعبة لسنة 2016 في وضع مريح بحدود 6,6% أشهر من واردات السلع والخدمات. وعلى الرغم من أنها ستتراجع قليلا في سنة 2017، إلا أنها ستظل في مستوى جيد نسبيا مما سيساهم في مقاومة الاقتصاد الوطني للصدمات الخارجية.
يتواصل..