محمد المختار ولد سيدي محمد : قصة أغرب من الخيال: لقد بات اليوم يعرف الكثير من القصص المأساوية عن الأدوار القذرة التي لعبتها المخابرات الجزائرية في التغرير بالعشرات من الشباب الموريتانيين خلال سنوات السبعينات من القرن الماضي ، وتسليمهم للبوليساريو في محاولة لاستعمالهم - تحت الإكراه أحيانا – كحطب للحرب التي كان النظام الموريتاني في ذلك التاريخ طرفا فيها ، فما تزال حاضرة في الذاكرة قصة سبعة وثلاثين شابا موريتانيا تم استدراجهم من ليبيا بالتعاون مع المخابرات الليبية تحت إشراف رجل المخابرات والسفير الليبي السابق (محمد سعيد القشاط) الذي خصص جزء من كتابه " الأسراب الجانحة " لقصة أولئك الشباب الموريتانيين الذين خدعوا بالشعارات البراقة للثورة لينتهي بهم المطاف في المعتقلات الجهنمية للبوليساريو ، و تطالهم يد الغدر فيسقط منهم شهيد وعدد من الجرحى خلال احتجاجهم على المعاملة السيئة التي كانوا يعاملون بها في المعتقل . وقد جاء إطلاق سراحهم في سياق فشل محاولة انقلاب جديدة لضباط موريتانيين ضد الرئيس محمد خونا ولد هيدالة في مارس 1982 ، بدعوى تعرض موريتانيا للخطر وبأنه مطروح عليهم مسؤولية إنقاذها كمقاتلين متدربين على حمل السلاح ، كما تم تهديدهم بأن يد البوليساريو طويلة ستصلهم حيث ما سيكونون إن هم أفشوا بأسرار ما تعرضوا له من تعذيب بمخيمات تيندوف وقد تم تسليمهم من طرف مدير الأمن العسكري للبوليساريو "سيد أحمد البطل " إلى وحدة عسكرية موريتانية على الحدود بقيادة النقيب بريكة ولد مبارك ، والمبكي المضحك أنه بعد عملية التسليم أعاد الضابط الموريتاني على مسامعهم عبارات التهديد التي سمعوها من مسؤولي البوليساريو.
كما أن كذبة " الشبكة " الموريتانية للجوسسة والتخريب التي اختلقتها البوليساريو في الثمانينات ، والتي ذهب ضحيتها مئات الشباب الموريتانيين ، لازالت جراحها لم تندمل ، ولا أظنها ستندمل في قريب الأيام ، لأنها أشعلت نارا لازال من أشعلها يكابر ويمتنع عن إطفائها بالرغم من اعترافه بارتكاب الجريمة وكان أغرب كل تلك القصص هو قصة (محمد المختار ولد سيدي محمد) الذي يقول بكل وضوح بأنه لا يحمل البوليساريو وحدها المسؤولية عن مأساته بالرغم من أنه أمضى اثنتي عشرة سنة ونصف السنة في معتقلاتها ، فكيف كانت قصة معاناته ؟ وكيف اختلفت عن قصص باقي ضحايا البوليساريو من المدنيين الموريتانيين ؟ .
بدأت قصة هذا الرجل أواخر 1977 حين تم تسفير الموريتانيين من الكونغو ونهبت ممتلكاتهم ، ليجد نفسه صفر اليدين مشردا بعد أن كان تاجرا ناجحا من ضمن جالية أغلبها من أبناء عمومته ، فتوجه إلى غينيا الاستوائية ، وفيها أشار عليه أحد أقاربه بالتوجه إلى ليبيا ، وساعده بثمن التذكرة ، لكنه لسوء الحظ لم يجد شركة طيران تقبل العملة المحلية لذلك البلد غير الخطوط الجوية الجزائرية ، وعند مراجعة رحلاتها وجد أن الطائرة المتوجهة منها إلى ليبيا كلها تمر بالجزائر العاصمة فتوجس خوفا من أن يكون الأمر مخاطرة ، خاصة أن البوليساريو المدعومة والممولة من طرف الجزائر ما تزال تخوض حربا ضد موريتانيا ، وعندما نقل توجسه إلى قريبه عمد هذا الأخير إلى أحد زبائنه من السفارة الجزائرية وعرض عليه الأمر ، فكان رده أن الحرب بين الأنظمة وليست بين الشعوب ، وأن لا مبرر لخوفه من السفر إلى الجزائر.
يعلق محمد المختار : عملت بمشورة ذلك الزبون بالسفر على الخطوط الجزائرية ويبدو أنني بذلك وقعت على تسليم نفسي للمخابرات الجزائرية دون أن أكون مطلوبا لديها ، ودون أن يكون لي أي ذنب ، ودون أن أتصور أن تكون مخابرات دولة محترمة بهذه السخافة ، لأكتشف في النهاية أنهم سيمثلون بي نكتة الشرطي العربي الذي ضبط وهو يعذب قطا كي يعترف بأنه أرنب
يتابع محمد المختار : في يوم 24/2/1978 وصلت بالطائرة من كونا كيري إلى الجزائر وتوجهت إلى مكتب العبور لتبديل الطائرة ، فقدمت جوازي للموظف من أجل الإجراءات ، فحدق فيه كثيرا ، ثم طلب مني أن أنتظر ، فانتظرت حتى خلا المكان تقريبا من المسافرين ، عندها قدم إلي اثنان ،عرفت فيما بعد أنهما من المخابرات ، ولا زلت أتذكر أن أحدهما يسمى "عنترة ".
سألاني إن كنت أنا محمد المختار ، وعندما أجبتهما بالإيجاب ، طلبا مني أن أصحبهما لإتمام بعض الإجراءات ، وخارج المطار وجدنا سيارة في انتظارنا ، فطلبا مني الصعود ، ونفذت وأنا في حالة من الذهول أفقدتني القدرة على التفكير ، وبعد دقائق وقفت بنا السيارة أمام بناية كتب عليها " فندق ألبرت الأول " ، ثم طلبا مني النزول ، وعندها استجمعت شجاعتي وسألتهما ماذا يريدان مني فجاءني الرد بأني في ضيافة رئاسة الجمهورية ، الأمر الذي لم يزدني إلا حيرة على حيرة ، وفي البداية ظننت الأمر مزحة وسخرية ، غير أنهما بالفعل أدخلاني غرفة في الفندق ورقمها هو (311 ) ، وأفهماني أن علي البقاء فيها وليس لي حق الخروج من الفندق ، وأن أطلب ما أريد من عامل الاستقبال .
منذ ذلك اليوم بدأت مأساتي التي دامت أكثر من اثني عشرة سنة ، بدأت بمصادرة جوازي إلى اليوم ولازلت أتذكر رقمه ( 26104 ) ، وبقيت محتجزا هناك طيلة أربعين يوما ، إلى أن حضر إلي عناصر من المخابرات الجزائرية ومعهم أناس يتكلمون اللهجة الحسانية تم تقديمهم لي بأنهم من الأمن الصحراوي وأن علي أن أصحبهم للرد على بعض الأسئلة ، وبعدها سيحجزون لي على أول طائرة متوجهة إلى ليبيا ، وكم كانت مفاجأتي كبيرة عندما أجبروني على الركوب معهم على طائرة متوجهة إلى تيندوف .
في مطار تيندوف وجدنا في انتظارنا مجموعة ممن عرفتني سنون السجن الطويلة بأنهم من جلادي البوليساريو ن ومعهم سيارتا لاندرو فير نقلوني في إحداها إلى (الرابوني) ،واحتجزوني هناك حتى صباح اليوم الموالي حيث نقلوني إلى قاعة مجاورة وجدت فيها مجموعة من قادة البوليساريو على رأسهم محمد عبد العزيز الذي تولى بنفسه استجوابي ، وكانت صدمتي مدوية حين علمت في نهاية الاستجواب أن علي أن أدفع جزء من ضريبة حرب قبلية مر عليها عدة قرون ، وكان ذنبي الوحيد فيها أن أجدادي كانوا طرفا فيها .
يتواصل .......