مذكرات السجين السابق لدى البوليساريو محمد فال ولد أكًاه (الحلقة 47) | صحيفة السفير

مذكرات السجين السابق لدى البوليساريو محمد فال ولد أكًاه (الحلقة 47)

ثلاثاء, 14/02/2017 - 18:12

سيد المختار الديش (طعم الشاي المر).. من نظراته ومن نبرات صوته وهو يروي إحدى يومياته في معتقل " الرشيد " ، يدرك الإنسان حجم المعاناة  التي عاشها الموريتانيون تحت رحمة جلادي البوليساريو ، ويعلم مدى حقد ووحشية هؤلاء المجرمين .

يقول سيد المختار الديش  جاؤوا بي ذات يوم إلى قاعة التعذيب ، وكنت لا أكاد أقوى على المشي ، أجلسوني على كرسي وأنا معصوب العينين ، مكبل اليدين وراء الظهر ، سألني أحدهم إن كنت أريد كأس شاي ، ودون أن أجيب أمر بإزالة القناع عن وجهي والقيد عن يدي ، ثم سألني وهو يهم بأن يناولني الكأس – الذي كنت بصدق قد اشتهيته – إن كنت أعرف أناسا بعينهم ( وقد ذكر الأسماء ) ، ولما أجبته بالإيجاب ، سألني عن علاقتي بهم فرددت أن لا علاقة تربطني بهم سوى أنني أعرفهم في معسكر 12 أكتوبر ، وما كدت أكمل جوابي حتى رمى الكأس على وجهي ونادى بصوت مزلزل يشبه صوت الرعد : " الروبيو " وهي عبارة  بالاسبانية تعني (الأبيض) يكنى بها أحد الجلادين.                  

يتابع المسكين ... كان نداء ذلك الجلاد المجلجل وصوت ضربة " الروبيو " على عنقي هما آخر عهد لي بالحياة في تلك الجلسة ،لأستيقظ في اليوم الموالي وأجد أن الأمر لم يقف عند ذلك الحد ، فقد وجدت نفسي مكوما كالقش داخل الزنزانة ، ملطخا بالدماء وقد أصيبت إحدى عيني إذ لم أعد أرى بها شيئا .

كنت أستغرب أنه خلال حديثه لم تصدر منه كلمة تنم عن حقد على جلاديه ، بل إن كلامه لم يخل من مزحة ، فحين نادى الجلاد على " الروبيو " روى أنه قال في نفسه (هذا الشاي مر ) ، حينها تذكرت أن جلاده " الروبيو " نزل ضيفا على أسرتي هو وزوجته وكانا موضع ترحيب وإكرام ، وغادرا دون أن يعرف هو عمق الجرح الذي تركه زملاؤه الجلادون في نفس تلك الأسرة ، وحينها أيضا أدركت كم هي متجذرة روح التسامح والسماحة في الشعب الموريتاني المسالم .

في ذلك اللقاء بقي لي سؤال لم أطرحه على المسكين وهو عما إذا كان يعرف أن الاسم الحقيقي لجلاده هو ( محمد العتيق ) وأنه كان مدربا في معسكر  12أكتوبر قبل أن يتحول إلى جلاد ، وأنه يعيش اليوم في إحدى أهم المدن الموريتانية ، ويملك فيها مشروعا تجاريا يعود عليه بالربح ،وربما يكون قد " اشترى " أوراقا ثبوتية موريتانية ككل التائهين وككل من لفظتهم مجتمعاتهم ، بينما هو ( الضحية ) الذي سجن وعذب بسبب جنسيته الموريتانية يعيش غريبا ولا يجد الكفاف في وطنه .  

أما السؤال الكبير الذي يطرح نفسه فهو موجه للحقوقيين والإعلاميين الموريتانيين الذين يناقضون رسالتهم النبيلة بتجاهلهم لمأساة طالت المئات من الموريتانيين الأبرياء ، والذين يرفعون أصواتهم في كل يوم لا يبغون سوى الإنصاف في ما تعرضوا له من قتل وتعذيب على أيدي جلادين ينعمون بالحرية المطلقة في الدخول والخروج من وإلى بلدهم دون أدنى مساءلة .

إن وجود الجلاد " الروبيو " في موريتانيا وتمتعه بحقوق المواطنة ليس الحالة الوحيدة ، فهناك الكثير من كبار جلادي البوليساريو ممن يملكون المشاريع الكبيرة والعقارات ، في حين أن أغلب الضحايا يسكنون – في أحسن الأحوال – أحياء عشوائية في أكواخ كأنها خمُ دجاج ، ولا يملكون ما يسد رمقهم .

قبل أن يودعني صاحبي ترك لي صورة تذكارية يرفع فيها يديه حول وجهه وآثار حقد الجلادين بادية عليهما ، وكأنه يقول فيها لأصحاب الشأن من حقوقيين وإعلاميين : صمتكم أعاد تكبيل يدي فألف شكر لكم.   

 

يتواصل ......