وباء كورونا.. هل هو اختبار لدور الصين في نظام عالمي يتأسس؟ | صحيفة السفير

وباء كورونا.. هل هو اختبار لدور الصين في نظام عالمي يتأسس؟

سبت, 21/03/2020 - 12:57
عبدالله راقدي

أثارت الكيفية الفعالة التي أدارت بها الصين رعب وباء فيروس كورونا Coronavirus (couvid-19)، الذي امتدت تأثيراته مست إلى الكثير من بلدان العالم وعبرها معظم القطاعات الحيوية الحياتية، الكثير من النقاش والجدل حول توقيت ظهوره، المناطق التي استهدفها، وتداعيات ذلك على بنية وأطراف النظام الدولي الذي يجري التأسيس له. في هذا السياق، سأحاول الإجابة على أسئلة من قبيل: كيف تعاملت الصين مع وباء فيروس كورونا؟ ولماذا استهدف دول معينة بدرجة أكبر وأخطر على غرار إيطاليا وايران؟ وهل سيساهم  نجاح النظام الصيني في محاصرة الوباء (فضلا على النجاح الاقتصادي) في توسيع دائرة الشعوب والبلدان المهتمة بتبني نموذجه في الحكم؟ وهل يعزز ذلك مكانتها في نظام عالمي يُراد له أن يكون متعدد الأقطاب؟ وهل يمكن القول أن الانتشار الواسع للوباء في ظل عجز الدول منفردة عن مواجهته، سيدعم مواقف أنصار العولمة على حساب خصومها على غرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؟ أسئلة سيحاول المقال الإجابة عليها، لكن قبل ذلك دعونا نقرأ خارطة انتشاره أو بالأحرى الدول المستهدفة أكثر.
وباء كورونا : قراءة في خارطة  الانتشار
عموما يمكن تصنيف النقاشات المتعلقة بأسباب انتشار الوباء إلى اتجاهين رئيسيين؛ التقارير الغربية أو الموالية لها، والتي ترى في الحيوانات كمصدر للفيروس. اما الاتجاه الثاني  فيمثله من يرون أن ما يجري هو مظهر من مظاهر الحروب البيولوجية، وبالتالي فإن الفيروس لا يعدو ان يكون منتوج مختبرات غربية، كما يذهب إلى ذلك الخبير العسكري إيغور نيكولين العضو السابق في لجنة الأمم المتحدة للأسلحة البيولوجية،[1]وليجان زاهو بتويتر، نائب رئيس إدارة المعلومات بوزارة الخارجية الصينية، الذي لفت في تغريدة له إلى احتمالية أن يكون الجيش الأمريكي هو من جاء بفيروس كورونا الجديد “كوفيد-19” إلى منطقة ووهان في الصين.[2] فضلا على هذا الجدل، ثمة سؤال آخر يجدر طرحه، لماذا استهدف الفيروس بهذه الحدة كل من الصين وإيران وإيطاليا؟
أكد رعب وباء كورونا الذي ظهر  في مدينة ووهان الصينية – تمتلك الصين ثاني اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة الأمريكية ب 13 تريلون –[3] مركزها الصناعي والتجاري ومنفذها الرئيسي في التجارة الدولية، كونها تصدر عبر موانئها للعالم ما يعادل 78%، وتوقف الانشطة الاقتصادية، إمتداد تأثير أزمة كورونا إلى الاقتصاديات الكبرى  والأسواق المالية العالمية. فقد أدت إلى تراجع أسعار البترول إلى ما دون 40 دولار. بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية فقد تضررت الكثير  من شركاتها العاملة في الصين (أكثر من 200 شركة كبرى Amazone  Apple , sony).  ولإنتاج شركتي  apple  وBowing  فقط في الصين تأثير قوي على الاقتصاد الأمريكي. يشير الخبير طلال أبو غزالة في حصة “العالم إلى أين”، ستحصل أزمة ندرة  في سوق الهواتف النقالة والكومبيوتر، كل الشركات ستكون خاسرة، ستحصل أزمة في سوق المال، لأول مرة منذ أزمة 2008 أعلنت البورصة في 28/02 إنهيار في قيمة  الأسهم الأمريكية الى أدنى مستوى لها.[4]
أما بالنسبة لإيران، فيبدو أن انتشار الفيروس أُريد له أن يضاعف من حجم متاعب النظام الإيراني، الذي ظل يواجه طيلة أربعين سنة (منذ قيام نظام الجمهورية الإسلامية عام 1979) حصار أمريكي، وازدادت حدته مع إدارة الرئيس دونالد ترامب. بمعنى توسيع دائرة الناقمين على أداء النظام، في انتظار أن تسهم هذه الازمة ( كما يرغب خصومها) إما في تغيير سلوك النظام بما يتوافق مع الرؤية الامريكية، أو تغييره جذريا. أما فيما يتعلق، بمتاعب الحكومة الإيطالية اليمينية التوجه القومية النزعة، المناهضة لتطلعات المناصرين لاتحاد أوروبي موحد موسع وقوي، منفردة مع الوباء دون دعم ومساعدة مؤسسات الاتحاد الأوروبي ، فأقدر أن مرده ترك الحكومة اليمينية تواجه مصيرها بنفسها إلى حين أن تدرك مخاطر تبنيها لسياسات مناهضة للاتحاد. ويبدو أن الصين استغلت هذا الغياب، فقدمت مساعدات للحكومة الإيطالية من خبراء ومعدات طبيّة وأدوية لمساعدتها في مواجهة الأزمة فضلا عن الحكومة الإيرانية، فهل يساهم نجاح الصين في مواجهة الوباء، ومساعدتها لإيران والحكومة الإيطالية في تأكيد دورها المحوري في النظام العالمي الذي يجري التأسيس له؟
هل شرعنت الصين عبر مكافحة وباء كورونا، دورها العالمي؟
أحذت الحكومة  الصينية على عاتقها منذ البداية حماية الأرواح ضمن أولى أولوياتها، وهو الأمر الذي ترجمته ببناء مشفى يتسع ل 2600 سرير في عشرة أيام مجهز بأحدث المعدات والوسائل الطبية، فضلا على الأطباء وطواقم التمريض.معتمدة في ذلك على نظامها السياسي والاجتماعي القائم على الهرمية والولاء والطاعة وهدوء الإنسان الصيني. وفي كل ذلك كان  الحزب الشيوعي المرجع الداخلي لإدارة الخلافات بين المواطنين،[5]طبعا في ظل التعاون والتنسيق مع مختلف المؤسسات الأمنية. وفي ذات السياق،  ومن أجل احتواء الوباء في المناطق التي ظهر فها، عملت  على تقييد تنقلات مواطنيها، وهذا عبر  منع حركة وسائل النقل (السيارات والمطارات والموانئ ) وحبسهم في المدن لمدة أسبوعين .ولاشك أن خصوصية الإنسان الصيني الهادئ المنضبط سهلت من أداء السلطات الصينية.
يبدو أن نجاحها الباهر في إدارة رعب الوباء، رغم أن الغرب يرفض الاعتراف لها بهذه الانجازات، لم يمنع أن تظهر اصوات معترفة لها بهذا الإنجاز، على غرار ما كتبه آستنغلوسبي Austan Goolsbee في جريدة نيورك تايمز  new york times بتاريخ 6 مارس 2020 يقول ، “هناك عدة عوامل تعمل ضد الولايات المتحدة،.والحكومة الاستبدادية في الصين قادرة على عزل مدن كاملة، أو فرض النظام على الناس خارج الشوارع على النحو الذي يصعب تخيله في أميركا.[6]أيضا كتب جافيار  سي هيرننداز Javier C. Hernández  في نفس الجريدة الصادرة بتاريخ 28 فيفري 2020، “فقد أشاد المؤثرون على شبكة الإنترنت باستخدام الصين للضوابط الاجتماعية على غرار الماوية   لاحتواء والتحكم في الوباء. إن الطريقة الصينية هي الطريقة الوحيدة التي أثبتت نجاحها”.[7] لاشك أن تجربتها  الناجحة في محاربة الوباء، فضلا عن المخاطر ذات الامتدادات العالمية التي يمكن أن تحدثها أي أزمة يتعرض لها اقتصادها، ستمكنها من فرض قواعد لعبة عالمية تكون فيها طرفا رئيسيا.
وأخلص:
– إلى أن وباء كورونا رفع من أسهم أنصار العولمة في ظل عجز الدول منفردة على الحد من انتشاره والتحكم فيه.
– منهج الصين في مواجهة الوباء أكد دورها المحوري في النظام العالمي القادم، فضلا على أحقية الشعوب والبلدان في أن تستلهم منها مبادئ الحكم والنظام.
– فضلا عن أزمة الكساد التي سيقع فيها الاقتصاد العالمي (الأمريكي أساسا)، سيكون الرئيس دونالد ترامب أكبر المتضررين من كورونا، على اعتبار أن ضمان عهدة رئاسية ثانية مرهون بمدى نجاحه الاقتصادي.
– مواجهة الحكومة الإيطالية للوباء منفردة دون دعم ومساعدة مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وكأنه رسالة ضمنية من الاتحاد مفادها النزعة القومية لم تعد تنفع في عالم  يواجه ظواهر عابرة للحدود .
[1]– خبير لا يستبعد إنتاج “كوفيد-19” في المختبر
https://bit.ly/3aSYp7T
[2]-مسؤول صيني: “جيش أمريكا يحتمل أنه من جاء بفيروس كورونا للصين”.. والخارجية تعلق، الجمعة، 13 مارس 2020https://cnn.it/2TSTiiJ
[3]– طلال أبو غزالة، العالم إلى أين، RT Arabic، 08/03/2020.
https://bit.ly/2TRC0m2
[4]-طلال أبو غزالة، العالم إلى أين، RT Arabic، 08/03/2020.
https://bit.ly/2TRC0m2
[5]– جمهورية الصين الشعبية، سياسة الصين،
https://bit.ly/2IMip01
[6]– Economic view, Why the Coronavirus Could Threaten the U.S. Economy Even More Than China’s
https://nyti.ms/39K0RO9
[7] – Javier C. Hernández, China Spins Coronavirus Crisis, Hailing Itself as a Global Leader, March 3, 2020.
https://nyti.ms/33llOML
أستاذ العلاقات الدولية، جامعة باتنة .1. الجزائر