رابطة العالم الإسلامي في خدمة الفقه الإسلامي ‏ | صحيفة السفير

رابطة العالم الإسلامي في خدمة الفقه الإسلامي ‏

جمعة, 26/04/2024 - 21:26

انطلاقا من كونها منظمة تتكون من كافة الدول والمذاهب الإسلامية ، وتهدف في المقام الأول إلى إيضاح حقيقة الإسلام، وتعزيز الصداقة بين الشعوب ، حرصت رابطة العالم الإسلامي على تنفيذ برنامج متنوع ومتكامل من الأنشطة الأكاديمية والتواصلية والعلمية والديبلوماسية والخيرية داخل دول العالم الإسلامي وخارجه . وسعت من خلال ذلك إلى تحقيق عدد من الأهداف النبيلة من أهمها التعريف بالإسلام وبيان حقائقه وقيمه السمحة ، وترسيخ مفاهيم الوسطية والاعتدال في وعي الأمة المسلمة ، وبذل الجهود الممكنة في علاج وحل قضايا الأمة المسلمة، ودفع عوامل النزاع والشقاق، والاهتمام بالأقليات المسلمة وقضاياها، والتواصل معها لعلاج المشكلات التي تواجهها في حدود دساتير وأنظمة الدول التي يوجدون فيها.
وفي هذا الإطار، نظمت رابطة العالم الإسلامي في مارس وأبريل 2024 ، نشاطين مهمين في مجال تعزيز التواصل بين المذاهب الإسلامية وتطوير الاجتهاد الفقهي الإسلامي . أولهما المؤتمر الدولي حول "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" الذي عقدته رابطة العالم الإسلامي يومي 18-19 مارس الماضي في مكة المكرمة، تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وحضره عدد من كبار الشخصيات الإسلامية من المفتين وكبار العلماء من داخل وخارج المملكة العربية السعودية يمثلون مختلف المذاهب والطوائف الإسلامية. واعتمد المشاركون في ختام المؤتمر (وثيقة بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية).
أما النشاط الثاني فهو اجتماع الدورة الثالثة والعشرين للمجمع الفقهي الإسلامي الذي عقد في مدينة الرياض في المملكة العربية السعودية يومي 21-22 أبريل 2024 ، برئاسة سماحة المفتي العام للمملكة، رئيس هيئة كبار العلماء، رئيس مجلس المجمع الفقهي، الشيخ عبد العزيز بن عبدالله آل الشيخ، وبحضور كبار المفتين والعلماء والباحثين، من الدول الإسلامية ودول الأقليات . وتم خلال هذا الاجتماع عقد عدد من الجلسات العلمية خصصت لمناقشة عدد منَ القضايا والنوازل الفقهية المُعاصِرة، التي تُواجِه المسلمين داخل العالم الإسلامي وخارجه خاصة في الدول التي توجد فيها أقليات مسلمة . وفي ختام أعمال الدورة الثالثة والعشرين للمجمع الفقهي الإسلامي، تم اعتماد 12 قرارا و7 بيانات.
ومما يثير الانتباه ، ويثلج الصدر أن بعض هذه القرارات والبيانات تطرقت إلى قضايا شائكة يواجهها المسلمون في دول العالم الإسلامي وفي الدول الغربية ، بفعل التطور التقني والمعلوماتي الذي حمل معه كثيرا من السلبيات والمخاطر المهددة للمعاملات الاقتصادية ولمنظومة القيم الأخلاقية والتماسك العائلي والمجتمعي . وويتعلق الأمر بالقرارات والبيانات التالية :
• قرار حول (المتاجرة في العملات عبر الوسائل الحديثة بما في ذلك المنصات الإلكترونية) حيث تم التأكيد على أن الأصل في بيع العملات هو الحل إذا تم على وجه المصارفة بشروطها الشرعية ومن أهمها تحقق القبض وقت التعاقد ، وأن المتاجرة بالعملات على وجه المجازفة لا يجوز شرعا لعلاقته بالربا والقمار وما يسببه من أضرار بالاقتصاد والمصالح العامة
• قرار حول (إثبات رؤية الهلال عن طريق تقنية كاميرا سي سي دي) ، حيث تم الاتفاق على أن رؤية الهلال بهذه التقنية نهارا لا يعتد به مطلقا ، وأن هناك ثلاث حالات لرؤية الهلال بعد الغروب وهي الرؤية المباشرة وتعد شرعية ، والرؤية بطريقة تجميع الصور وتكديسها وهي غير معتبرة ، ثم تصوير الهلال بالكاميرا وتكون شرعية إذا تحققت بعدسة الكاميرا أثناء التصوير ، وغير شرعية إذا تعذرت الرؤية أثناء التصوير .
• قرار حول (حكم تكميم المعدة) ، حيث تم نصح الأطباء المتخصصين في تكميم المعدة لغرض إنقاص الوزن باللجوء إلى البديل الشرعي الخالي من المخاطر الصحية والمتمثل في التغذية الملائمة والتمارين الرياضية . كما تم التأكيد على أنه يجوز إجراء جراحة تكميم المعدة لغرض التجمل والتحسين .
• بيان حول ( منح المسلمين خارج دول العالم الإسلامي إجازات في أيام الأعياد) ، الذي ناشد فيه المجمع الفقهي الإسلامي " الحكومات، والمجالس البرلمانية، والمنظمات الحقوقية ، والشخصيات الدينية والعلمية خارج دول العالم الإسلامي ، بالعمل على منح المسلمين المقيمين إجازات في أيام عيدي الفطر والأضحى ، أسوة بما يتمتع به غير المسلمين في أعيادهم ، فهذا مطلب إنساني وحقوقي ، وتحقيقه يندرج في احترام خصوصيات المسلمين في هذه الدول ، بما يشعرهم باحترام كينونتهم ودورهم في تنمية مجتمعاتهم ، تحقيقا للمواطنة الواعية التي تنعكس ايجابا على مستقبل التعايش الديني والوئام المجتمعي "
• بيان حول ( الشذوذ الجنسي ) ، حيث أدان المجمع الفقهي الإسلامي الحملات المغرضة لإشاعة الشذوذ الجنسي لكونه جريمة منكرة تخالف الفطرة الإنسانية السوية ، وتهدم القيم الأخلاقية ، وتصادم التشريعات الإلهية . وأكد المجمع أنه من واجب الدول التصدي لهذه الظاهرة ومحاربتها ودعا المجمع المؤسسات التربوية ووسائل الإعلام المختلفة على المساهمة في تحصين الناشئة من هده الانحرافات الخطيرة .كما ناشد دول العالم كافة ومنظماته الحقوقية لاتخاذ موقف مماثل لرفض هذه الدعوات المشينة
• بيان حول ( التحول الجنسي ) ، حيث تم الـتأكيد على أنه لا يحل تحويل الذكر الذي كملت أعضاء ذكورته ، والأنثى التي كملت أعضاء أنوتثها ، واعتبار محاولة التحويل جريمة يستحق فاعلها العقوبة لأنها تغيير لخلق الله . وقال البيان بأنه يجوز العلاج الطبي لمن اجتمعت في أعضائه علامات النساء والرجال لإزالة الاشتباه في الذكورة والأنوثة سواء بالجراحة أو بالهرمونات ، لأن ذلك مرض والعلاج يقصد به الشفاء ، وليس تغيير خلق الله عز وجل .
• بيان حول ( استخدام الذكاء الاصطناعي ) ، حيث أوضح المجمع الفقهي الإسلامي أن الذكاء الاصطناعي من التقنيات الحديثة التي سخرها الله للإنسان في العصر الحاضر ، وهو جائز شرعا إن تم استخدامه بما ينفع البشرية . وهو محرم شرعا أن استخدم للمفسدة مثل تزوير الأصوات والصور والخداع وإلحاق الضرر بالغير بصفة عامة . وأوصى المجمع بعقد ندوة علمية يشارك فيها الخبراء المختصون والعلماء والفقهاء ، وتعرض نتائج أبحاثهم على أنظار المجمع لاتخاذ ما يراه مناسبا ، وإصدار مدونة أخلاقيات الذكاء الاصطناعي وفق النظر الشرعي
وتمحورت باقي القرارات حول (تحميل الجاني تكاليف علاج المجني عليه) و ( التعويض المالي عن الضرر المعنوي الناتج عن الجناية أو الشكوى الكيدية ) ، و ( تغيير شرط الواقف للمصلحة والتصرف فيما زاد من ريع الوقف) ، و( السفر لبلاد يقصر فيها النهار لأجل الصوم بها) ، و(استثمار أوقاف الجهات الخيرية ) ، و (الحيل في عدم دفع الزكاة)، وموضوع ( استخدام الشاشات الضوئية في الصلاة والخطب )، وموضوع (الدفن في أماكن مخصصة للمسلمين في المقابر غير الإسلامية )، وموضوع ( تحديد دخول وقت صلاة الظهر) .

أما باقي البيانات فتناولت موضوع ( الحكمة في الدعوة إلى الله وتأليف القلوب) ، وموضوع ( حق تعليم المرأة في الإسلام ) وموضوع ( المنصات الإلكترونية الرسمية الخيرية بالمملكة العربية السعودية )

يذكر أن المجمع الفقهي الإسلامي أنشأ يوم 22 ديسمبر من عام 1977 ، وهو هيئة علمية إسلامية ذات شخصية اعتبارية مستقلة، داخل إطار رابطة العالم الإسلامي، مكونة من مجموعة مختارة من فقهاء الأمة الإسلامية وعلمائها. ومن أهدافه بيان الأحكام الشرعية فيما يواجه المسلمين في أنحاء العالم من مشكلات ونوازل وقضايا مستجدة من مصادر التشريع الإسلامي المعتبرة. كما يهدف إلى نشر التراث الفقهي الإسلامي وإعادة صياغته، وتوضيح مصطلحاته وتقديمه بلغة العصر ومفاهيمه ، وتشجيع البحث العلمي في مجالات الفقه الإسلامي . ويعمل المجمع على جمع الفتاوى والآراء الفقهية المعتبرة للعلماء المحققين، والمجامع الفقهية الموثوقة في القضايا المستجدة، ونشرها بين عامة المسلمين ، والتصدي لما يثار من شبهات وما يرد من إشكالات على أحكام الشريعة الإسلامية..

____________

د. المحجوب بنسعيد/
باحث في الاتصال والحوار الحضاري