الشرف العربي بين تاريخين أحلاهما مر يا أهل المغرب العربي: ارفعوا علم فلسطين؟ | صحيفة السفير

الشرف العربي بين تاريخين أحلاهما مر يا أهل المغرب العربي: ارفعوا علم فلسطين؟

خميس, 11/08/2016 - 13:48

رافقني حلم مرعب في طفولتي بعد زيارتنا للضفة الغربية تظهر فيه جدتي «أم أبي» بيد خشبية هي عصاها التي كانت تهشنا بها في «حوش» البيت الكبير لتخيفنا من اليهودي، أما وقد رحلت المخلوقة ورحلت معها ثقافة الخوف والعصا، واختطف قمر جدي – رحمه الله – من بئر الحوش، وبقيت البئر وفأسه وقمبازه واليهودي، فإنه لا أسف على جدتي ويدها الخشبية، خاصة أن علماء الآثار وبعض القوى الغيبية أخبروني مؤخرا أن أجداد أجداي يهود من أصول كنعانية، أما التيه فهو بدعة إعلامية تماما مثل العصا، بالتالي فأنا يهودية حسب توقيت الساعة الجينية، التي تتغير كل مئة عام تبعا لآلية التطور البشري، الذي يذيب أمة في أمة، تلغي كل منهما صفات الأخرى فتأخذ منها وتعطيها ليشكلا أمة جديدة، فأهلا أهلا بأجدادي القدامى الجدد، والحمد لله أن جدنا الأكبر سام لم يكن آخر العنقود في سلالة نوح، لأن خير السلالات أوسطها !

بلفور بريء حتى تثبت إدانة نابليون وهرتزل

ترى هل كنا سنصدق التاريخ أكثر من الكتب السماوية لو تم نقله إلينا عبر الكاميرات والتوثيق الإعلامي المرئي؟ من أجمل وأصدق وأرحم: قصص الآلهة وكتب الغيب أم عدسات التصوير العمياء؟
المواقع الألكترونية للفضائيات الإسرائيلية تمارس محوا تاريخيا منظما، على ثلاثة أصعدة: الدين، التاريخ، الإعلام، بحيث لا تكتفي بفبركة الأحداث وتزوير الصور واختطاف دم الضحايا انطلاقا من عقدة الجريمة – التي احتفظت بالصليب كبصمة موروثة أو كصدمة ذاكراتية لا تولد شعورا بالذنب بقدر ما تؤدي إلى اضطراب سلوكي وانفعالي عبر التاريخ – إنما أيضا سخرت العقيدة التوراتية لأهدافها الصهيونية من خلال خوارج إعلاميين وفضائيين يلعبون على الحبال الألكترونية ويمرجحون التاريخ بين جحيمين: السماء والأرض لينتجوا حربا جديدة بين الديانات والجغرافيات، لا تمت بصلة للحقائق التاريخية والشرائع العقائدية، فأين العرب من كل هذا!؟
تعرض المواقع الأسرائيلية رسالة من القائد الفرنسي الأعلى نابليون بونابرت والحاخام أهارون يدعو فيها يهود أفريقيا وآسيا للعودة إلى دولتهم وبنائها من جديد وتسلم ورثتهم من فرنسا، وخبرا مقتبسا من صحيفة « PARIS MONITEUR UNIVERSAL» عام 1799 عن عزم بونابرت إعادة «يروشلايم لليهود» بعد احتلاله «يافو» وفرض حصار على «عكو»، فهل كان «وعد بلفور» مجرد مجاملة سياسية، بما أن البونابرتي دخل في قضية حصر إرث؟ الدكتور المفكر راغب السرجاني تحدث في إحدى حلقات برنامجه «قصة الإسلام»، التي ينشرها على «اليوتيوب»، عن دور ذلك الصحافي النمساوي الصغير: هرتزل الذي تبنى فكرة بحجم ذرة وحولها لقنبلة عنقودية، حين تحول من صحافي إلى شحاد جغرافي يطرق أبواب المستعمرين للحصول على دولة يهودية في أوغندا وموزمبيق والأرجنتين وليبيا والحبشة وسيناء، حتى وصل لفلسطين وهو العلماني، الذي لا يؤمن بالتوراة، تحول بقدرة فكرته إلى ناسك متعبد يقود أول مؤتمر صهيوني علماني لتأسيس أرض ميعاد توراتية «من النيل إلى الفرات» و»من المحيط إلى الخليج»، حتى ليهيأ إليك وأنت تسمع أنشودة «وطني حبيبي الوطن الأكبر يوم ورا يوم أمجادو بتكبر» أنها إهداء قومي من بني يعرب لبني اسرائيل!

يحق للإعلام ما لايحق لغيره!

علماء التاريخ والآثار وجدوا أن العبرانيين جذع كنعاني، وأنهم لم يعيشوا في مصر، وقال آخرون إنهم بربر جاءوا من فلسطين إلى شمال أفريقيا، التي خانوها وقد أثبتت بيانات الجيش الفرنسي تورط الموساد الاستخباراتي خلال الثورة الجزائرية لصالح فرنسا، بينما نشرت صحيفة «الرياض» تصريحات عن كتاب الدكتور فاضل الربيعي «القدس ليست أورشليم» أكد فيها خلو التوراة من أي ذكر لفلسطين أو القدس، وحذر من الخداع الاستشراقي وعلماء الآثار والتاريخ الذين يقدمون قراءة خاطئة للنص العبري، فـ«قدس قدش» وصف توراتي يخص جبلا شاهقا لا تنطبق معالمه على «أورشليم»، بل على جبل القدس المبارك جنوب تعز اليمنية، وبعيدا عن المصاهرة التاريخية بين حارس الهيكل والتاج السبئي فالخطر الحقيقي يكمن بتحكم اسرائيل بعمليات التنقيب والمسح الفضائي لليمن، والذي لا بد سيلعب دورا في إنتاج فكر تحريفي جديد يحق فيه للإعلام ما لا يحق للتاريخ والغيب !

المغاربية في الصفوف الأولى

قناة «المغاربية»، التي تبث برامجها من العاصمة اللندنية وتعرض برنامجا أسبوعيا هو «عين على فلسطين» يرفع شعار: القدس بين الصمود والخذلان، تقدمه الإعلامية وجدان الربيعي، وتقود من خلاله حملة شجاعة لمناصرة معركة «الأمعاء الخاوية» في «باستيلات» دولة السجون، ودعم أبطالها الصامدين على رأسهم بلال الكايد، الذي اعتقل من بيته في ديسمبر/ كانون الأول 2001 حيث تعرض للضرب والتعذيب بالماء البارد في جو شتائي قارس أمام عيون أهله، ولم يزل إلى اليوم في المعتقل بلا محاكمة ولا حرية، يخوض إضرابا عن الطعام ولا يتناول سوى الماء والملح، ويرفض أي إجراءات طبية أو إطعاما بالإكراه أو رضوخا للسجان، يدعمه الشقيقان الأسيران محمد ومحمود، أبناء الشهيد أحمد بلبول، ثم القائد البطل أحمد سعدات، وقد أجرت الربيعي اتصالا مع الأسير المحرر محمد القيق، الذي اعتقل بدوره في العام الفائت من بيته ورمي في العراء معصوب العينين والفم لعشرين ساعة متوالية، وبعدها للسجن حتى خاض إضرابا مفتوحا عن الطعام على الطريقة اليابانية لمدة 94 يوما قبل نقله للمستشفى والإفراج عنه، وقد أشاد وافتخر بدور قناة «المغاربية» الإعلامي وعدم الاكتفاء بتسليط الضوء على قضية الأسرى من باب رفع العتب أو تدليك العضلات الاستعراضية، مؤكدا أن المحاور الثلاثة التي تسند حيل المعركة هي: الإعلام ، الشارع العربي والفلسطيني وإرادة الأسير. بينما رأى قائد معركة الأمعاء الخاوية الشيخ خضر عدنان أن السجان يصدر نفسه للإعلام العالمي بصفته حارسا للحرية، داعيا إلى حراك فعال على المستوى الدولي للاقتصاص من كيان الجريمة ودولة السجون .
البرنامج تحدث مع زوجات الأسرى وأمهاتهم وأخواتهم وبناتهم، وأحاط بالبعد الإجتماعي والإنساني والوطني لقضية الأسرى، ثم عرج على الدور التوعوي، الذي مثلته ولاية بو مرداس والمعهد الجزائري للدراسات والمعارف المقدسة، الذي يتبنى منهجا تعليميا وتوعويا بمركزية القضية الفلسطينية والقدس، مستعيدا دور الأبطال الجزائريين كالبشير الإبراهيمي ومحمد بوسليماني في حركة البناء الوطني، ونتمنى أن يتطور دور هذا المعهد ليتعدى الجانب النظري إلى الجانب العملي القانوني .
« عين على فلسطين» برنامج ضمائري تمكن من سبر أغوار العتمة، واختراق أسوار السجون، وصل إلى أبعد نقطة في هذا الكوكب الأعمى: عيون الأسير، ليطل من خلالهما على شمس حريته، حيث يطير الحمام، يحط الحمام، ويبارك له جوعه وهو يحن لخبز أمه ومائدتها المريمية فيعلن صيامه المقدس افتداء للحنين!

لا أسف على الرجال

يا أبطال فلسطين، الحرية اسم من أسماء سماء أنتم أبناؤها، فلا تهنوا ولا تحزنوا كلما سمعتهم شلة المنتفعين تطالب بحق العودة إلى أوسلو أكثر من حق عودة اللاجئين إلى فلسطين. هذا هو وضع المشرق المتخم بالدم والجثث والأرواح الشريرة وأكلة لحوم البشر وديناصورات الحروب الرخيصة وقراصنة الفضاء، فلا أسف على الرجال حين تصبح الفحولة مناطحة فضائية بين تاريخين أحلاهما مر. ولهذا أضم صوتي لصوت «المغاربية»، التي دعت باسم زوجات الأسرى أهلنا في المغرب العربي إلى رفع أعلام فلسطين وإستعادة القضية وتحريكها وانتشالها من مستنقع المشرق العربي، الذي لم يبارح مغارة الدم منذ قتل قابيل أخاه وكفّنه بغيمة لم تزل دموعها تنزف هناك فوق جبل قاسيون !

 

لينا أبو بكر/ كاتبة فلسطينية تقيم في لندن