من تاريخ الأنظمة في موريتانيا (شهادات، مذكرات ومعالجات).. الحلقة الثالثة | صحيفة السفير

من تاريخ الأنظمة في موريتانيا (شهادات، مذكرات ومعالجات).. الحلقة الثالثة

ثلاثاء, 16/08/2016 - 11:53

مع إطلالة الخمسينات بدأت موجة تحرير تجتاح معظم القارة الإفريقية حيث استقلت بعض دول إفريقيا نتيجة لتضافر عوامل عديدة مثل ظهور حركات التحرير في مختلف مناطق العالم وإنهاك الدول الاستعمارية وقيام منظمات إفريقية.

وقد شكل ظهور الهيئات الإقليمية عامل ضغط من شأنه خلق توازن بين محوري الاستقطاب الشرقي والغربي وهو ما أعطى دفعا لحركات التحرير فحركة عدم الانحياز مثلا قد شكلت محورا ثالثا يؤيد نزعات التحرر في كل مكان.

كانت سنة 1960م سنة الاستقلال بحق على المستوى الإفريقي حيث نالت خمسة عشر دولة استقلالها، وكانت هذه السنة من أكثر سنوات الحرب الباردة تأزما حيث عرفت المنافسة بين القطبين في مجال التسلخ أوجها نتيجة التفوق الذي أحرزه الاتحاد السوفيتي في الفضاء والتسلح الاستراتيجي فقامت الولايات المتحدة ردا على ذلك بتطوير سلاح البحرية الذري، وأصبح التفاهم بين الشرق والغرب قائما على حتمية التعايش السلمي في ظل توازن الرعب.

في هذه الظرفية ونتيجة للتطورات السابقة لم يعد هناك مناص من أن تذعن الدول المستعمرة لإرادة تحرير الشعوب في ضوء ما تمليه معادلة التوازن تلك وتداعيات السباق المحموم نحو اجتذاب حلفاء جدد والتصعيد المستمر لثورات التحرير.

انسجاما مع هذه التحولات ووفقا للمطالب الضاغطة من الداخل من أجل التحرر تم إعلان استقلال موريتانيا رسميا على لسان وزيرها الأول الأستاذ المختار ولد داداه بعد مسيرة طويلة من النضال السياسي شاركت فيها قوى عديدة كل من موقعها.

لم يكن القرار بديهيا من أوجه كثيرة كانعدام البنى التحتية وقلة الأطر وضعف الوسائل المادية وغياب الخلفية التاريخية لاسيما أن البلاد لم تعرف قيام دولة مستقرة في العصور الحديثة على الأقل وقد عمل المستعمر على أن يحول هذا الكيان إلى منطقة معزولة تقريبا عن عمقه الاستراتيجي في المغرب العربي.

ورغم تلك الرغبة المحمومة في السيطرة على هذه المنطقة ظلت مقاليد أمورها طيلة العهد الاستعماري تدار من السنغال حيث "داكار" عاصمة إفريقيا الغربية "سينلوي" عاصمة الإقليم "البيظاني" الذي لم يتضح شكله السياسي إلا مع الإصلاحات الدستورية الفرنسية عقب الحرب العالمية الثانية وإعادة ترتيب علاقات فرنسا بمستعمراتها.

انطلاقا من ذلك جرى التأكيد على أن فرنسا ماضية في قيادة الشعوب التي هي مسؤولة عنها نحو حرية تسيير نفسها بنفسها وإدارة شؤونها الخاصة بصفة ديمقراطية كما نص على ذلك دستور 27 أكتوبر 1946م وتكريسا لهذا التوجه الجديد في سياسة الدولة المستعمرة تم إنشاء الاتحاد الفرنسي الذي يشمل جمهورية فرنسا بجميع ولاياتها ومقاطعاتها فيما وراء البحار إضافة إلى المناطق المحمية والمستعمرة. وبموجب هذا التطور أصبحت موريتانيا ولأول مرة إقليما سياسيا متميزا عضوا في الاتحاد الفدرالي الذي أطلق عليه "إفريقيا الغربية الفرنسية".

وفقا للإصلاحات الجديدة منح هذه الأقاليم بعض الامتيازات السياسية والدستورية أصبحت بفضلها تتمتع بهيئات تشريعية وتنفيذية تخضع كلها لسلطان الحاكم الذي تنتبده الحكومة الفرنسية، وعلى إثر ذلك تم إنشاء جمعية للشؤون المحلية تمتلك الحق في اختيار مدوبها إلى المجلس الأعلى لغرب إفريقيا الفرنسية، وفي مرحلة لاحقة منحت هذه الأقاليم التي لا زالت خاضعة للاستعمار حق انتخاب ممثل لها في البرلمان الفرنسي.

وانطلاقا من هذه التحولات الجديدة والانفراج الذي تحقق في أسلوب تعامل الإدارة الاستعمارية مع مستعمراتها، انتعشت الروح الوطنية لدى الكثيرين وراودتهم نزعة التحرر فظهرت معالم حركة وطنية تمكنت بخطابها التعبوي رغم وسائلها المحدودة من إلحاق الهزيمة بمرشح الإدارة الفرنسية "رازاك" على يد "أحمد ولد حرمه ولد ببانه" الذي تم انتخابه في العاشر من نوفمبر عام 1946م كأول ممثل لموريتانيا في البرلمان الفرنسي.

 

تأليف: اعزيزي ولد المامي