أسئلة الحوار الحائرة / محمد الأمين ولد الفاضل | صحيفة السفير

أسئلة الحوار الحائرة / محمد الأمين ولد الفاضل

خميس, 22/09/2016 - 12:01

(1) في يوم 14 يناير من العام 2015 فاجأت السلطة الحاكمة الرأي العام الموريتاني بوثيقة تدعو فيها إلى الحوار، وهي الوثيقة التي تقدم بها الوزير الأول إلى كل الكتل السياسية في البلاد. لم يكن من المتوقع في تلك الفترة أن تصدر السلطة وثيقة تعلن من خلالها أنها على استعداد لتنظيم انتخابات تشريعية 

وبلدية ورئاسية سابقة لأوانها، لم يكن ذلك متوقعا خاصة وأن السلطة ـ والتي لم تعرف سابقا بكرمها في تعاملها مع شركائها السياسيين ـ كانت قد خرجت منذ وقت قريب من انتخابات تشريعية وبلدية ورئاسية، يضاف إلى ذلك بأنه في تلك الفترة لم تكن هناك أي ضغوط أو احتجاجات قوية من طرف المعارضة الموريتانية تفرض على السلطة تقديم مثل تلك "التنازلات".
(2)
بعد التقدم بتلك الوثيقة وبعد الكثير من المد والجزر تمكن الطرفان (الأغلبية والمنتدى) من تنظيم لقاءات تمهيدية، وبعد سلسلة من اللقاءات، جاءت المفاجأة هذه المرة من طرف الوزير الأمين العام للرئاسة، وتمثلت هذه المفاجأة في وقف تلك اللقاءات وإلغائها من طرف واحد، والدعوة في يوم 11 أغسطس من العام 2015 إلى حوار أو مشاورات في أجل تم تحديد أقصاه بالسابع من سبتمبر. بعث الوزير الأمين العام للرئاسة برسائل إلى أحزاب المنتدى تدعو إلى حوار في أجل أقصاه السابع من سبتمبر وتجاهل الوزير المنتدى ككتلة سياسية، وذلك من قبل أن يبعث بنسخة من تلك الرسائل في وقت متأخر إلى رئيس المنتدى (تحديدا بعد ثلاثة أيام من توزيع الرسالة الدعوة على كل رؤساء الأحزاب السياسية).
(3)
تم تنظيم ما سيعرف فيما بعد باللقاء التشاوري الممهد للحوار في السابع من سبتمبر من العام 2015، وقد طالب المشاركون في بيانهم الختامي بضرورة تنظيم حوار في أقرب الآجال، ولقد حدد الوزير الأول أقرب الآجال بشهر أكتوبر. ترك الوزراء مكاتبهم وخرجوا في الناس ليشرحوا مضامين ونتائج حوار السابع من سبتمبر، وفي آخر أيام سبتمبر بعث الوزير الأول برسالة إلى رئيس المنتدى (وليس إلى رؤساء الأحزاب السياسية المشكلة للمنتدى) يدعو فيها المنتدى ـ وبكل أقطابه ـ إلى المشاركة في حوار أكتوبر 2015.
(4)
مرت ثلاثة أسابيع من أكتوبر2015، وفي يوم الجمعة الموافق 23 أصدرت اللجنة المكلفة بالحوار باسم "الأغلبية الرئاسية" بيانا، وكانت هذه هي المرة الأولى، وربما تكون هي الأخيرة التي يصدر فيها بيانا موقعا من طرف ما يسمى باللجنة المكلفة بالحوار، والتابعة لما يسمى بالأغلبية الرئاسية، وكانت مفاجأة هذا البيان  المختصر جدا هو أنه قد تفادى استخدام أي عبارة قد يساء فهمهما من طرف المنتدى، وكان أهم ما في هذا البيان هو أنه ألغى بلغة سياسية فصيحة توصيات اللقاء التشاوري ونتائجه والموعد الذي تم ضربه في شهر أكتوبر لإطلاق الحوار. البيان أعاد ملف الحوار للوزير الأمين العام للرئاسة، وذلك بعد أن سحبه منه الوزير الأول ذات لقاء تشاوري، وبعد إصدار هذا البيان بثلاثة أيام، وتحديدا في يوم الثلاثاء الموافق 27 أكتوبر اتصل هاتفيا الوزير الأمين العام للرئاسة برئيس المنتدى ودعاه إلى لقاء، وأحدثت تلك الدعوة شرخا في المنتدى.
مر شهر كامل وتم اللقاء بعد طول انتظار، ولكن ذلك اللقاء الذي طال انتظاره لم يأت بجديد، ولم يقدم الوزير الأمين العام للرئاسة خلال  ذلك اللقاء سوى كلماته الناعمة وابتساماته المعهودة والتي لم يبخل بها في أي يوم من الأيام عن أي شخص يلقاه على قارعة الطريق.
حدث صدٌ وهجرانٌ وانقطع الوصال، ورحل العام 2015، وفي مطلع شهر فبراير من العام 2016 تذكر الوزير الأمين العام للرئاسة هاتفه فأخذه واتصل من جديد برئيس المنتدى، وضرب له موعدا في مساء الأربعاء الموافق 3 فبراير 2016، وفي قصر المؤتمرات (قصر اللقاءات)، وألمح الوزير في اتصاله بأنه قد يأتي هذه المرة برد مكتوب. وفي الأربعاء الموعود غاب الوزير واعتذر بسبب انشغالات طارئة، ولم يحضر الوزير في اليوم التالي، وكان لسان الحال يقول : مكالمة، فابتسامة، فموعد، فهجران.
(5) 
انقطعت مكالمات الوزير الأمين العام للرئاسة ومرت الأيام والأسابيع والأشهر بطيئة متثاقلة إلى أن قرر الرئيس أن ينظم زيارة لمدينة النعمة في الثالث من شهر مايو من العام 2016. توقع الكثير من المراقبين أن تأتي زيارة النعمة بالجديد، وظنوا بأنها ستدفع بعجلة الحوار إلى التحرك، ولكن أي شيء من ذلك لم يحدث، بل على العكس، فقد خطب الرئيس في مدينة النعمة بلغة حادة ومتشنجة ووصف المعارضة في خطابه بأقبح الأوصاف، وتمثلت  مفاجأة الخطاب الكبرى في تحديد ثلاثة أسابيع أو أربعة كموعد نهائي لإطلاق الحوار. خرجت الوفود لشرح مضامين خطاب الرئيس، وتم تأكيد الموعد من خلال كل شراح الخطاب، كما تم تأكيد هذا الموعد من طرف الرئيس نفسه خلال زيارة نظمها لمدينة نواذيبو في الخامس والعشرين من نفس الشهر.
(5)
بدأ العداد الزمني يشتغل، ومرت الأسابيع الأربعة مسرعة، ولم يتم تنظيم أي حوار بين المنتدى والسلطة. وفي خضم انشغال الجميع بأمور أخرى تذكر الوزير الأمين العام للرئاسة هاتفه، فأخذ الهاتف من جديد، واتصل للمرة (...) برئيس المنتدى، وطلب الوزير خلال هذا الاتصال بلقاء جديد. تم تنظيم لقاءات سرية وغير رسمية لم تأت بأية نتيجة، ولكن يبدو أن تلك اللقاءات لم تعجب الوزير الأمين العام للرئاسة فقرر أن يقطعها، وقرر أيضا أن يولي وجه شطر قصر المؤتمرات لا ليلتقي برئيس المنتدى، وإنما ليعقد مؤتمرا صحفيا مفاجئا.
في مساء الثلاثاء الموافق 16 أغسطس 2016 نظم الوزير الأمين العام للرئاسة مؤتمرا صحفيا في قصر المؤتمرات، قال فيه كل شيء، ولم يقل فيه أي شيء، المهم أن الوزير في هذا المؤتمر الصحفي جاء بمهلة جديدة، وحددها بأسبوع أو أسبوعين.
(6)
مر الأسبوع الأول، فالثاني، فالثالث، فالرابع، وبعد أن اكتمل شهر بأيامه ولياليه دون تنظيم أي حوار، ولا حتى أي دردشة،  فإذا بالمفاجأة في هذه المرة تأتي من طرف الحزب الحاكم، والذي حدد  من خلال تسريبات إعلامية ـ لا من خلال بيان أو مؤتمر صحفي ـ موعدا جديدا للحوار في شهر أكتوبر، وربما في السادس منه، وبذلك نكون قد عدنا للمرة الثانية إلى مواعيد أكتوبر.
لقد ضرب الوزير الأول وكل الذين شاركوا في مشاورات السابع من سبتمبر موعدا للحوار في أكتوبر من العام 2015، ولكنهم أخلفوا وعدهم وموعدهم.
ولقد ضرب الرئيس في الثالث من مايو موعدا للحوار بعد ثلاثة أو أربعة أسابيع، ولكن الرئيس أخلف وعده وموعده.
ولقد ضرب الوزير الأمين العام للرئاسة في السادس عشر من أغسطس موعدا للحوار بعد أسبوع أو أسبوعين، ولكن الوزير الأمين العام للرئاسة أخلف وعده وموعده.
وبعد أن دار الزمان دورته، فإذا بنا نفاجأ بموعد جديد يسربه الحزب الحاكم، وقد اختار له  شهر أكتوبر من العام 2016 مثلما كان الوزير الأول قد اختار لموعده شهر أكتوبر من العام 2015.
فلماذا اختار الوزير الأول والحزب الحاكم شهر أكتوبر كموعد للحوار؟ ولماذا اختار الرئيس والوزير الأمين العام للرئاسة إعطاء المهل والتحدث بلغة الأسابيع؟ وبالعودة إلى أصل الحكاية فلماذا اختارت السلطة أن تتقدم بعروض مغرية في مطلع العام 2015؟ ولماذا أظهرت السلطة في ذلك الوقت حماسا كبيرا من أجل تنظيم حوار مع المعارضة؟ ولماذا ظل ذلك الحماس يتراجع إلى أن وصل في أيامنا هذه إلى القاع؟ ولماذا تصر السلطة دائما أن تذكرنا بالحوار  كلما نسيناه أو تناسيناه، وذلك على الرغم من أنها ـ أي السلطة ـ تضع دائما العراقيل لإفشال أي انطلاقة جادة للحوار؟ وما هي مشكلة السلطة مع الكتابة ولماذا تكرر دائما على أنها تقبل بجل ـ إن لم أقل كل ـ ما جاء في وثيقة الممهدات، وذلك في وقت ترفض فيه أن تكتب سطرا واحدا يؤكد ذلك؟
يبدو أن المساحة المخصصة لهذا المقال لم تعد تسمح بطرح المزيد من الأسئلة، ولا بمحاولة الإجابة على الأسئلة التي تم طرحها، ولا تتوقعوا مني أن أعدكم بتقديم الإجابة على هذا الأسئلة بعد أسبوع أو أسبوعين، ولا أن أعدكم بتقديم إجابة لها في السادس من أكتوبر..لا تتوقعوا مني ذلك، فأنا لا أحب أن أضرب موعدا فأخلفه.