معركة عدوة ..أسبابها وأحداثها ونتائجها | صحيفة السفير

معركة عدوة ..أسبابها وأحداثها ونتائجها

أربعاء, 26/10/2016 - 09:38

تعتبر معركة عدوة(*) من بين أهم مراحل النضال و الكفاح التحرري الذي قاده الشعب الإثيوبي في نهاية القرن التاسع عشر ضد الاستعمار الايطالي الذي أراد السيطرة على المنطقة و استنزاف ثرواتها و استعباد شعبها.

أسبابها:
في 2 مايو 1889(1) أبرمت ايطاليا مع منيليك المعاهدة الشهيرة المعروفة باسم معاهدة اوتشيالي نسبة للمدينة التي الحبشية التي وقعت فيها، وقد كتبت هذه المعاهدة من نصين احدهما ايطالي و الأخر حبشي، و جاء نص المادة 17 في النص الايطالي مختلفا عن النص الحبشي، المكتوب بالغة الامهرية. ما يعني أن للإمبراطور الحبشي الحرية في أن يستعين بالحكومة الايطالية في علاقاته الخارجية، بينما يقضي النص الايطالي بأنه على الإمبراطور أن يستعين بالحكومة الايطالية في علاقته مع الحكومات الأخرى و كان معنى هذا القرار في زعم ايطاليا أن مللك الحبشة قد وافق على تكليف الحكومة الايطالية بإدارة شؤون الحبشة مع الدول الأخرى.

واتضح ما تهدف إليه ايطاليا من هذه المعاهدة حين أبلغت الدول العظمى بان ملك الحبشة قد وافق على تكليف الحكومة الإيطالية بإدارة جميع شؤون الحبشة الخارجية مع الدول و الحكومات الأخرى و إنها تقوم بتبليغ الدول بهذا الأمر بناء على ما تقضي به المادة 34 من قرارات مؤتمر برلين الصادرة في 26 فبراير 1885 و كان معنى ذلك أن الحبشة أصبحت محمية ايطالية و ظل إمبراطور الحبشة لا يعلم شيئا عن الاتجاه الإيطالي إلى أن أوضحت فرنسا للإمبراطور مرمى التبليغ الإيطالي ، فما كان من الإمبراطور إلا أن أرسل خطابا دوريا للدول الكبرى يؤكد فيه عدم موافقته على جعل بلاده تحت الحماية الايطالية و انه مقيد بالنص الحبشي الذي وقع عليه الطرفان.

و كان رد ايطاليا على اعتراضات الإمبراطور الحبشي انه إذا كانت الترجمة الامهرية غير مطابقة للنص الايطالية فان المسئول عن هذا الخطأ هو سكرتير الإمبراطور و مترجمه فقط(2).

أحداثها:
اعتبر الإيطاليون إلغاء منليك الثاني لمعاهدة اوتشيلي بمثابة إعلان للحرب عليهم لذلك أعلنوا الحرب من جانبهم ضد الحبشة و اخذوا يزحفون على إقليمي الامهرا و تيغري و أعلن (باراتيري) القائد الايطالي ضم إقليم تيغيري لاريتريا بعد تلك الانتصارات التي حققها على الأحباش ديبراهيلا في 9 نوفمبر 1890 م ، وقصد الايطاليون عدوة وتقدموا نحو أكسوم فقوبلوا بمقاومة عنيفة عند تقدمهم تجاه هذه المدينة المقدسة لدى الأحباش .وزاد دفاع منيليك الثاني عن هذه المدينة شهرة كبيرة مم جعل الأحباش يتحدون تحت لوائه ويزداد الأحباش و حدة و قوة في مواجهة الطليان و دفاعهم عن بلادهم. بدأ الطليان تقدمهم نحو الأراضي الداخلية للحبشة فوصلت أخبار هذا التقدم الايطالي إلى الرأس (الولا) عن طريق جواسيسه ، و هو بدوره نقلها إلى الإمبراطور (منيلك الثاني). و استطاعوا تحقيق النصر عليهم في معركة امبالاجي في 07 ديسمبر 1895. لكن الطليان صمموا على الانتقام من الأحباش و اتجهوا إلى مدينة (عدوة)* العاصمة القديمة لاقليم تيغري ، حيث كانت المعركة الفاصلة بين الطرفين في أول مارس 1896م ، والتي انتصر فيها الأحباش انتصارا كبيرا و ساحقا على الطليان.

نتائجها:
البشرية: مقتل 6000 جندي ايطالي و اسر 4000 وجرح فيها 1428 من الجنود الايطاليين ، و استولى الأحباش على كل المدافع الإيطالية المقدرة بحوالي 65 مدفعا ،وبلغت فيها خسائر الطليان أكثر من نصف القوة الايطالية التي شاركت في تلك الفترة.

أما بالنسبة للأحباش فقد بلغت 6000 قتيل و حوالي 8000 جريح ، ولم يؤسر منهم احد . و لولا قلة المؤونة و وجود خلافات داخلية بين الأحباش لواصلوا ملاحقتهم للطليان الفارين و أبادوهم ،و هم و من دون شك سيجعل الوجود الإيطالي في تلك المناطق في خطر.

السياسية: يتمثل في تبليغ الحكومة الايطالية للدكتور (نيرازيتي) المفاوض لايطالي في مباحثات السلام مع إثيوبيا أن الحكومة الإيطالية ستوافق على الإلغاء غير المشروط لمعاهدة اوتشيالي و الاعتراف بسيادة و استقلال إثيوبيا . و قد دخل الطرفان في مفاوضات سلام انتهت بتوقيع معاهدة أديس أبابا في 28 أكتوبر1896. أكدت هذه المعاهدة الاستقلال الكامل للحبشة ،حيث أعلنت المادة الأولى منها على انتهاء الحرب بين الطرفين .

وألغت المادة الثانية معاهدة وتشاله. أما المادة الثالثة فقد اعترفت فيها ايطاليا بالسيادة و استقلال الحبشة كما رسمت المادة الرابعة الحدود بين مناطق النفوذ الايطالي و الحبشي ، حيث تمت الموافقة من الطرفين بالاحتفاظ بالوضع السابق للحدود و ترك المسالة للمفاوضات بين الطرفين.(3)

الخاتمة:
وفي الأخير يمكن القول أن معركة عدوة من المعارك التأريخية التي تركت أثارا عميقة سواء في تاريخ الحبشة(إثيوبيا) أو تاريخ ايطاليا لسنوات طويلة. وقد أدت هزيمة الايطاليين في عدوة إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة تسعة وثلاثين عاما،لكن رغبتهم في الانتقام ومسح هذه المرحلة السوداء من تاريخهم أدى إلى زحف الجيش الايطالي الفاشي على الحبشة ، والتي دخلت إليها سنة 1935م.

[divide margin_top=”20″ margin_bottom=”20″ color=”#4c4c4c”]

الهوامش:
(*) عدوة : مدينة في شمال وسط إثيوبيا بمقاطعة التيغيري جنوب مدينة أسمرا بحوالي 150 كم.انظر. عبدالحكيم العفيفي: موسوعة 1000 مدينة اسلامية، اوراق شرقية للطباعة و النشر و التوزيع،2000،ص 461.
(1) موسى فيصل محمد: موجز تاريخ إفريقيا الحديث والمعاصر، منشورات الجامعة المفتوحة ، بنغازي، 1997م، ص 147.
(2) شوقي عطا الله الجمل وعبد الله عبد الرزاق إبراهيم: تاريخ إفريقيا الحديث والمعاصر، ط2، دار الزهراء للنشر والتوزيع، الرياض، 1422ه/2002م، ص ص 178-179
(3)عبد الرحمان قراش:التنافس الاستعماري على القرن الافريقي(1862-1899)،رسالة ماجستير في التاريخ الحديث و المعاصر، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة الجزائر ،ص ص 103-102