هل الفيدرالية هي الحل “الأمثل” للتعددية الثقافية في أفريقيا ؟ | صحيفة السفير

هل الفيدرالية هي الحل “الأمثل” للتعددية الثقافية في أفريقيا ؟

أحد, 25/12/2016 - 14:05

لم تحظى الفيدرالية في أفريقيا بصورة إيجابية, لكونها سجلت نجاحا غير متجانس في حين يبدو أن إخفاقاتها أكثر من نجاحها, والذي أدى بالبعض لإطلاق النداء إلى إعادة النظر في النظام الفيدرالي بدعوى أنه لا يناسب دول أفريقيا.

وعلى غرار الدول الأفريقية التي تطبق من هذا الشكل من النظام كالسودان (1956) ونيجيريا (1963) وجزر القمر (1975) وإثيوبيا (1995) وجنوب السودان (2011) والصومال (2012)، فما زالت هناك رغبة لدول أخرى للقطع مع الفدرالية أو إقرارها للإلتحاق بدول تطبقها.

ولكن خبراء ما زالوا يؤكدون أن الفيدرالية تشكل الحل الأمثل للتعددية الثقافية في إفريقيا ونواة الإصلاح الأولى لمركزية الدولة، في حين يعتقد آخرون أن من هذا الشكل للحكم سيزيد من تفاقم جروح بلدان غير مستقرة، ضمن سياق إقليمي تتخلله الصراعات الطائفية.

وطفا الجدل من جديد بهذا الخصوص إلى واجهة الأحداث في القارة، عقب قيام كاميرونيين ناطقين بالإنجليزية في غربي البلاد، ومعظمهم من المحامين والأساتذة، باالاحتجاج ضد ما يعتبرونه “تراجعا تدريجيا” من قبل السلطات، عن إعتماد ثنائية اللغة (الفرنسية والانجليزية) ضمن مناهج التعليم والإدارة و”تهميشهم”.

ويطالب الكاميرونيون هؤلاء الناطقين بالإنجليزية وهم يمثلون 20% من أصل 22 مليون كاميروني، بإعادة إرساء النظام الفيدرالي الذي سبق وأن طبّق فترة الاستقلال في 1960 حتى 1972.

وكانت الكاميرون تتألف من منطقتين فدراليتين تقومان على أسس لغوية ورثتهما عن القوى الإستعمارية، هما: فيدرالية غربي البلاد الناطقة بالإنجليزية ومنطقة شرقية فرانكفونية (ناطقة بالفرنسية)، وحظيت بعد توقيع إتفاقية ثنائية بين إنجلترا وفرنسا، بمصادقة الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 13 ديسمبر/كانون أول 1946.

وبناء على هذا الإتفاق خضعت “الكاميرون الفرانكفونية” لهيمنة الإدارة الفرنسية وقوانينها، في حين إنساقت الكاميرون الخاضعة لسيادة بريطانيا لتشريعات “الكاميرون الفرانكفونية”.

ومؤخرا, في تشاد، وعد رئيس تشاد إدريس ديبي إتنو، خلال حملته الإنتخابية لرئاسية أبريل نيسان 2016، بالتوجه نحو النظام الفيدرالي، والذي أدى إنشاء “اللجنة العليا للإصلاحات المؤسساتية”.

وتساءل عدد من المراقبين حول مدى قدرة هذا النظام السياسي على إصلاح أنظمة إفريقية قائمة على المركزية، في ظل تجدد ظهور أزمات مرتبطة بالهوية والطائفية.

تقديم حلول “ملائمة”:

يرى بعض الباحثين الأفارقة أن الفيدرالية قادرة على تقديم حلول “ملائمة” لضعف الدولة العائد لعوامل سياسية واقتصادية، في ظل العجز على تحسين الوضع الإقتصادي وتحقيق معدلات تنمية مرتفعة، في العصر الحالي.

وبعبارة أشيل مبمبي، الأستاذ والباحث بجامعة جوهانسبورغ بجنوب إفريقيا، في حديثه للأناضول: “في عديد البلدان الإفريقية، تلاشى نفوذ الدولة في جزء هام من مناطقها، عبر تقسيم المجال الوطني إلى أقاليم إقتصادية مختلفة يضم، الواحد منها، ثروات معينة (منجمية، زراعة، نفط، لوح وغيرها) يستغلها المحتكرون أو وكالات (أجنبية) مختلفة”.

“تسيطر الدولة على جزء من الأراضي، في حين يخضع قسم آخر للمعارضة المسلحة، حيث تدير كل منطقة، بشكل مستقل، مصالحها الإقتصادية والمالية والدبلوماسية والعسكرية”, يقول مبمبي.

ومع ذلك, فقد شكك مبمبي في قدرة بعض دول القارة على الإيفاء بالمعايير الضرورية لإرساء جمهوريات إتحادية (فدرالية)، ومدى نجاحها على تجميع “المزيج” الذي يتطلب “كيانات سياسية محددة جغرافيّا وضمانات دستورية لإستقلالية القرار ومشاركة مكونات الفيدراليات في عملية صنع القرار إلى جانب الحكومة المركزية ضمن جمعية وطنية (برلمان) مكونة من غرفتين، علاوة على تعيين الكفاءات وحمايتها عبر نظام غير قابل للتغيير، وأيضا إقرار قانون إنفصال يكون غير أحادي الجانب”.

وأشار أشيل مبمبي إلى نقطة مهمة, حيث أبدى خشيته من “خلط محتمل بين الفيدرالية والقبلية” في مناطق يطالب السكان فيها بالتوزيع العادل للثروة، كما هو الحال في نيجيريا، التي تعاني من نزاعات بين شمالها وجنوبها، وسط خلافات سياسية واقتصادية وعرقية.

الفيدرالية وتغليب الإعتبارات العرقية:

ويعتقد آخرون أن فرص إعتماد الفيدرالية، في العصر الحديث، مرتبطة بطبيعة الدول الإفريقية وهيكلة مؤسساتها.
ووفقا للخبير الجيوسياسي الفرنسي المتخصص في الشأن الإفريقي، ميشال غالي: “بالنسبة للدول الناطقة بالإنجليزية التي كانت تخضع، في السابق، لبريطانيا، يعد المجال ملائما لنظام الحكم الفيدرالي، رغم حجم العراقيل التي تلقي بثقلها. غير أن مسألة الإنتقال إلى نظام جديد ليست بمثل هذه السهولة في الدول الفرانكفونية التي تعتمد على المركزية، على المدى القصير على الأقل، على إعتبار أن مقومات النجاح ليست في متناول بعض الدول”.

ورغم أن هدف “الفيدرالية” يتمثل في إنشاء نظام موحد مبني على اللامركزية، إلا أن شكل الحكم هذا يمكن أن يشكل مخاطر مرتبطة بالهوية، من خلال تكريس منوال تنمية ونظام إداري على أسس طائفية.

وهي فرضية تتخذ جذورها من الصراعات المسلحة بين المجموعات العرقية المتنازعة التي تخرج عن سيطرة الحكومات المركزية في العديد من المناطق الإفريقية.

وفي رأي غالي، فإن الجدل الجوهري الذي يحيط بالحكم الفيدرالي في أفريقيا – استنادا على الواقع النيجيري – يكمن في إمكانية تفكك المجال الفيدرالي المراد تشكيله، عبر”تغليب الإعتبارات العرقية”.

وتفيد تقارير الصحف الإفريقية والدولية، بأن الحالة النيجيرية تكشف صعوبات النظام الفيدرالي في إفريقيا.

وورثت نيجيريا – المستعمرة البريطانية السابقة التي تضم نحو 173 مليون نسمة وأكثر من 250 مجموعة عرقية، عقب إستقلالها في 1 أكتوبر/تشرين أول 1960 – دولة فدرالية من 3 مناطق، وسرعان ما تحولت إلى 19 منطقة في 1976، ليستقر العدد على 36 ولاية و768 إدارة محلية عام 1999.

وتشير هذه التحولات المتعاقبة إلى دور الخلافات المبنية على أسس عرقية ودينية “معقدة وغير قابلة للاختزال” بين الشمال والجنوب، في تغذية “التحالفات”، الشاهدة على الأزمة الأمنية الراهنة التي تعصف بهذا البلد الإفريقي العملاق.

أما إثيوبيا التي بنيت نظامها الفيدرالي على أساس العرقية واللغة, فإن خلقت لنفسها – وفق الخبراء – مشاكل عديدة مما نتجت عنها مؤخرا مطالبات عرقية و مظاهرات إقليمية واضطرابات في أنحاء البلاد.

 

المصدر: أفريكا عربي, الأناضول