.gif)
لا شيئ أنكى في الوعي السياسي والمجتمعي من شعور المراقب وهو يشاهد العودة القوية لموجات غير مسبوقة من خطابات التشظي القبلي والعشائري وعناوينه المجللة بالجهل والبلادة تقذف بها أغوار المجتمع العميقة وتنشر مناخها الانقسامي المعمم وتستبيح كل حريم مما بقي من فضاءات، سبق وأن رام اصحابها ـ بوعي حالم أو واقعي ـ بقيام دولة حديثة تتأسس وفق القواعد المقررة والمقبولة في فترتنا التاريخية، الراهنة، والابتعاد قدر الإمكان عن كل ما يدغدغ غرائز الناس ويعيد صلتهم بجذور ثقافة الانقسام القبلي والشرائحي واللاشعور الزمني باعتباره أشد ينابيع التخلف الانتربولوجي خطورة وإغراء لأصحاب الوعي الأضعف وأكثرها تعارضا مع مفهوم الكيان الوطني الجامع. وبضدها تتميز الأشياء.
ففضاءات ذلك الوعي مهما صوح نبتها وتعددت عثراتها وتلونت مشاريعها وتناقضت، تبقى مراميها البعيدة جميعا ضرورية إلى هذا الحد او ذاك للدولة الحديثة بل أن وجودها ارتبط تاريخيا بوجود وظهور هذه الفضاءات الذهنية والفكرية.
يفترض أن يكون وعينا بالزمن مثقلا بوعينا بالمكان وحقائقه، وما يتداول فيه من أفكار، ومن المعروف أن الانتماء اليوم يقوم على هويات جامعة أدناها هو هوية الدولة القطرية أو الوطنية التي وهبتنا ظروف تاريخية معينة (منجزا) منها منذ أزيد من نصف قرن، أصبحنا اليوم نعتز جميعا به، بل غدا ملاذنا الأوحد، وما زال منذ ميلاده يتعرض لاهتزازات وهزات تدور كلها حول علاقة هذه الدولة بالمجتمع الذي تحتاج إليه ويحتاج إليها، وكثيرا ما برز التوتر الشديد في العلاقة بين الاثنين ، خصوصا في الفترات التي تكون لدى السلطة فيها رغبة في استغلال أو تفجير بنية المجتمع أو جزءا منها واستغلال ( نخبته) في معاركها المتغيرة بتغير السياسات والنوازع الفردية لمن تعاقبوا على الحكم، وآخر ذلك ما نشاهده اليوم من سعي حثيث لافراد من هذه ( النخبة) المخزنية للاستماتة في إنتاج ماض ميزَتُه الوحيدة هي التخلف وتكريس ممارسات اثبتت التجربة عدم مصداقيتها وتعارضها مع العقل والمنطق وحقائق التاريخ المعاصر وحتمية ما ستسببه من تجذير ازمة مجتمعنا العميقة اصلا.
(نخبة) نشاهه تستميت في التدفاع والبحث عن رغبة الحاكم حتى وإن تطلب الأمر من بعضها اجتراح اساليب السرياليين التي يعطي منطقها للاسماك حق المشاركة في الاقتراع، وتقرير مضير بلد في لحظة فارة من حياته.. وينبري بموجب نفس المنطق جزء من هذه (النخبة) للترويج لانتهاك القيم والمبادئ الكونية المتعارف عليها ، والتفاني في التخلص من بلسم هو الوحيد الذي حصل عليه المجتمع في 2006 بعد عقود من معارك وتضحيات في طريق التحديث وتطوير الديمقراطية.
كل ذلك يشكل سخرية وازدراء بمصلحة ووجدان شعب بائس مثقل بالهموم، ويبقى عزاؤه الوحيد هو مصير الهوان المحتوم لمن يستهزئ بشعبه ومجتمعه.
افتتاحية حزب الصواب؛ الاثنين 24/07/2017
