يوم من الصمم و البكم : خلال الأيام التي أقمناها في السينغال لم تكن لدينا مشكلة التواصل فقد كان متاعنا من الفرنسية واللهجة المحلية (ولاف) يكفي لحل تلك المشكلة .
غير أننا ومع الدخول لأول قرية داخل أراضي غينيا بيساو وجدنا أنفسنا من ذوي الاحتياجات الخاصة إذ أصبحت الإشارة لغة التخاطب الوحيدة المتاحة لنا .
كانت تلك القرية مقامة حول المحطة النهائية للسكة الحديدية التي يسلكها قطار من وإلى العاصمة (بيساو) وقد استطعنا من خلال لوحة جدارية عند بوابة المحطة أن نخمن أن أرقاما بها تعني أوقات رحلات القطار وأننا وصلنا متأخرين وعلينا أن ننتظر رحلته القادمة بعد أربع وعشرين ساعة ، ولم تكن تلك المشكلة الوحيدة التي تواجهنا فنحن لم نعد نمتلك فلسا واحدا وعهدنا بالطعام والشراب ليلة البارحة والتالي فنحن بالفعل في مأزق حقيقي ولا مغيث لنا سوى أن تطرأ معجزة ففكرنا في البحث عن سيارة نقل يقبل صاحبها التسديد بعد الوصول ،
لكن المشكة تكمن في أنه لا توجد لدينا وسيلة اتصال بمكتب البوليساريو كي نضمن عدم حصول اشكال مع من يقبل بعرضنا ،
وإلى حد الساعة لست أدري كيف استطاع قائدنا واصغرنا سنا (أمان ولد الخالص) أن يتواصل مع سائق الباص الذي سيصبح أملنا في الخروج من الورطة التي نحن فيها ، ورغم الوضعية غير المريحة التي نعيشها فقد وجدتني اضحك حتى آلمتني أضلعي وأنا أتابعهما وهما يتفاوضان حول شئ لا أفقهم منه سوى محاولات (أمان) تقليد الأصوات التي يصدرها البكم بعد أن حاول التواصل معه بالفرنسية دون جدوى .
بعد تلك الوصلة الكوميدية خرج علينا مفاوضنا باتفاق "تاريخي" يقضي بأن نبيع صاحب الباص بعض مغتنياتنا الشخصية وخاصة الساعات مقابل أن يوصلنا إلى مدينة صغيرة تسمى (بولا) تبعد عن وجهتنا بستين كيلومترا على أن يعطينا مبلغا يكفي لمصروفات بقية الرحلة ، وبالفعل بعد صعودنا سلمنا كومة من الأوراق تشبه تلك التي كانت تلف فيها قوالب السكر غير أنها بلون أحمر ويتعاملون بها على أنها نقود تسمى "بيزو" ورغم الجوع والعطش لم نصرف منها شيئا مخافة أن تكون لا تكفي إلا للنقل .
انطلقت بنا الحافلة (السلحفاة) في حدود الساعة الخامسة مساء وبدأت تزحف عبر طريق رملي وعر يشق أدغالا موحشة لا تزال آثار الحرائق بادية في أشجارها من جراء حرب التحرير ضد المستعمر البرتغتالي حسب ما قيل لنا فيما بعد ، وكان الجو داخل الحافلة لا يطاق بحيث كان الركاب مكدسين مع أمتعتهم بطريقة فوضوية والجو حار مما جعل الكل يتصبب عرقا ومما جعل الأمر مقرفا أن غالبية الركاب - بما في ذلك النساء المرضعات – كانوا عرايا وعلى سقف الحافلة كان يوجد قطيع كبير من الخنازير ومن وقت لآخر تتبول وحين تتمايل الحافلة يتطاير على الركاب رذاذ من بولها الذي تدعو رائحته للتقيء ومع ذلك لم يكن أحد ليتضايق أو يتململ.
يتواصل .................