أسدل الستار على أول أزمة سياسية، دشن بها الرئيس الموريتاني الجديد محمد ولد الغزواني عهدته الرئاسية، بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة التي أجريت في سبتمبر/أيلول المنقضي.
خلال مؤتمره العام، اختار حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية" الحاكم، محمد ولد الطالب أعمر رئيسا جديدا له كقيادة موالية للرئيس الجديد، تزحزح سلفه الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز عن المشهد السياسي.
هذا الخيار الذي انتهجه الحزب الحاكم في موريتانيا، أنهى تقليدا مستمرا لسنوات، جعل من كل الرؤساء الذي وصلوا إلى السلطة إما عبر صناديق الاقتراع أو عبر الانقلابات العسكرية المتتالية منذ عقود يؤسسون أحزابا جديدة على أنقاض الأحزاب الحاكمة القديمة.
ويأتي هذا التوجه بعد أزمة استمرت لأشهر، شهدت صراعات مفتوحة مع الرئيس السابق وأنصاره، الذين سرعان ما انفضوا من حوله مع رجوح الكفة لصالح الرئيس الجديد ولد الغزواني.
حزب الرئيس
بحضور أكثر من 2200 مندوب قادمين من مختلف أرجاء موريتانيا، عقد حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية" الحاكم أعمال مؤتمره ابتداء من يوم 28 ديسمبر /كانون الأول 2019 بنواكشوط.
وقال أمينه العام بالنيابة محمد ولد عبد الفتاح: "إنها فرصة لتعديل القوانين الداخلية والانفتاح على أحزاب أخرى، بخاصة التي دعمت الرئيس الموريتاني الجديد خلال الانتخابات التي أقيمت في حزيران/يونيو 2019".
كما تعهد رئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية سيد محمد ولد الطالب أعمر، بدعم برنامج الحكومة وإسناد البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني وفي نفس الوقت "تطبيع" العلاقة مع المعارضة.
وقال محمد ولد الطالب، في أول مؤتمر صحفي له: "نلتزم بالدعم السياسي المطلوب لتطبيق برنامج تعهداتي (البرنامج الانتخابي للرئيس الجديد)، والدفاع عن الحكومة لمواجهة التحديات الكبرى كالتغيير المناخي ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والدفع بوتيرة التنمية عبر مجموعة الإصلاحات التي بدأها رئيس الجمهورية على مستوى الصحة والتعليم، ومؤازرة المحتاجين والمغبونين في موريتانيا".
بهذا الحديث أعلن قادة الحزب الجدد عن فك ارتباط حزبهم من الرئيس السابق معتبرين أن الرئيس الجديد وبرنامجه هو المرجعية الجديدة للحزب الحاكم.
وإثر المؤتمر العام للحزب والإعلان عن نتائجه، تم نزع جميع صور ولد عبدالعزيز، من المقر الرئيسي للحزب الحاكم، حيث هي معلقة إلى جانب صور ولد الغزواني في واجهة مقر الحزب، وعلى بعض الجدران الداخلية له.
"السلطان المهندس"
ولد الطالب أعمر الذي انتخب رئيسا للحزب الحاكم بعد 10 أشهر من الفراغ، هو مهندس ودبلوماسي وسياسي تدرج في سلم الوظائف، وتقلب في دواليب الأنظمة المتعاقبة في البلد المغاربي. وينحدر ولد الطالب أعمر الذي يلقب بـ "السلطان"، من مقاطعة تمبدغة أقصى شرقي موريتانيا، وهي منطقة تعرف بأنها ذات تأثير انتخابي كبير.
بعد مسار دراسي في ثانويات موريتانيا، توجه (السلطان) نحو جامعات الاتحاد السوفيتي، ليتخرج في ثمانينيات القرن الماضي من جامعة موسكو مهندسا في الكهرباء الميكانيكية، وكان الأول على دفعته ونال آنذاك الشهادة الحمراء التي يمنحها السوفييت للمتميزين.
كان أول ظهور قوي له عندما عينه الرئيس الأسبق معاوية ولد سيد أحمد ولد الطائع عام 2005 وزيرا للتنمية الريفية، ولكن حكومته سرعان ما أطيح بها في الانقلاب العسكري الأبيض منتصف نفس العام.
وفي عهد الرئيس الأسبق محمد ولد الشيخ عبد الله، تم تعيين ولد الطالب أعمر سفيرا لدى الصين، قبل أن يتم تعيينه في عهد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز سفيرا لدى روسيا التي بقي فيها لأكثر من 8 سنوات (2010-2018).
بعد ذلك تم تعيينه سفيرا لدى الأمم المتحدة وسفيرا لدى كندا مقيما في نيويورك، قبل أن يعين منذ أسابيع على رأس إدارة الشركة الوطنية للمياه.
تعهد الرئيس الجديد للحزب الحاكم بخدمة ما وصفه "مشروعنا المشترك"، وتطوير أداء الحزب ليصبح رافعة لتجسيد تطلعات الأجيال الموريتانية". وأكد ولد طالب أنه "سيعمل من أجل أن يساهم الحزب بجد في تدبير الحاضر واستشراف المستقبل المشرق الذي ينتظره ويستحقه كل الموريتانيين والموريتانيات.
ولد الطالب أعمر أكد أنه "لا يساوره أدنى شك في أن حزبا جامعا، مرجعيته رئيس مجمع عليه، ويضم مناضلين مخلصين ومناضلات مخلصات، مؤهل لرفع كل التحديات وتحقيق كل النجاحات المنتظرة".
ورحب ولد الطالب أعمر بالمنضمين الجدد للحزب، مشيرا أن "الحزب يعتبرهم إضافة نوعية للحزب، ويسعد الجميع بالعمل معهم في إطار حزب جامع يقود مشروعا وطنيا رائدا لفائدة كل الموريتانيين".
استقطابات جديدة
شهد هذا المؤتمر انضمام حزب العهد الديمقراطي الذي يقوده رئيس الوزراء السابق، يحيى ولد الوقف، وانضمام جناح "راشدون" المنشق عن حزب التجمع الموريتاني للإصلاح والتنمية المحسوب على الإسلاميين.
أعلن حزب "العهد الوطني للديمقراطية" المعارض، رسميا الاندماج في حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية" الحاكم، وذلك قبل ساعات من موعد انعقاد مؤتمر الحزب الحاكم.
وقال رئيس حزب العهد الوطني للديمقراطية، يحيى ولد الوقف، في مؤتمر صحفي بنواكشوط: إن قرار الاندماج في الحزب الحاكم جاء "تقديرا لمتطلبات المرحلة، وما تقتضيه من دعم لبرنامج الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني".
وتأسس الحزب عام 2007 وكان الحزب الذي حكم البلاد خلال حكم الرئيس الأسبق محمد ولد الشيخ عبد الله، ومنذ الإطاحة بولد الشيخ عبد الله في انقلاب عسكري عام 2008، تحول إلى حزب معارض، ويمثل حاليا في البرلمان بنائبين.
كما أعلنت كتلة الوفاق الوطني والتي تعتبر نفسها أنها تضم الكثير من التكتلات السياسية التي توحدت رؤيتها وقناعتها ببرنامج رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني وشاركت في الحملة الرئاسية الأخيرة بدور متميز تمثل في تأطير الناخبين وتوجيههم وشرح برنامج الرئيس.
وقالت الكتلة في بيان لها: إنه "مع إعلان حزب الاتحاد من أجل الجمهورية ضرورة رص الصفوف واندماج جميع الداعمين في الحزب وجعل الرئيس ولد الشيخ الغزواني مرجعية للجميع كان تكتلنا (الوفاق الوطني) أول المنسجمين والمندمجين في الاتحاد من أجل الجمهورية، حيث سارعنا إلى الانتساب في الحزب وتمت دعوتنا للمؤتمر الوطني وتم تمثيلنا في المجلس الوطني تقديرا منهم لوزن كتلتنا السياسية".
كما أعلن ائتلاف الكتل والتيارات والمبادرات السياسة المؤيدة للرئيس الموريتاني، الذي انتخب مكتبه التنفيذي الجديد مساء 9 يناير /كانون الثاني بعد تشاور واسع مع القوى المنضوية تحت لوائه.
ووفق بيان صادر عن الائتلاف فإنه تم فتح باب النقاش حول مقترح الاندماج في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، والبت في الموضوع بالقبول أو الرفض.