حفظا للذاكرة واحتراما لشعور الموريتانيين وضرورة ربط المواطن بتاريخه، مهما كان، نتابع نشر ملفاتنا عن الرؤساء السابقين الذين تركوا بصماتهم على حياة الناس وعلى أرض الواقع شاهدة بصحة النهج الذي سلكوه وتركوا فيه آثارا لا تخضع لسلطة التغيرات السياسية التي تغمط البعض حقه، وتستنير بقاعدة (كلما دخلت أمة لعنت أختها). كان الملف الأول الذي
أعدته السفير في نسختها الورقية عن مؤسس الدولة وأبي الأمة الرئيس الأسبق المختار ولد داداه.
واليوم يأتي الدور على أهم من حكم البلاد منذ اغتصاب العسكر للسلطة منذ 34 سنة.. إنه أبو الديمقراطية والمشاريع المدرة للدخل وتحديث الدولة من خلال ادخال الإنترنيت وتعميم الكهرباء والماء، ونشر دور الكتاب، وجلب التمويلات الضخمة الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطائع.
فالرجل احترم تخصيص الميزانية لرواتب عمال الدولة والعون الاجتماعي للفقراء والمعوزين، وفي ذات الوقت استطاع إقناع الشركاء في التنمية بتقديم القروض والهبات السخية التي تصرف في مشاريع تنموية تعود بالنفع المباشر على عامة الناس، قبل أن يتم إعفاء غالبية تلك الديون بتدخلات خاصة من ولد الطائع.
أما اليوم، ومنذ وصول الرئيس محمد ولد عبد العزيز للسلطة منذ أكثر من أربع سنوات، فقد أسند إنجاز المشاريع إلى ميزانية الدولة، في حين تسلك التمويلات الأجنبية طرقا خاصة دون أن تعرف وجهتها أو البنود التي صرفت فيها في غياب جهات محايدة للتفتيش والرقابة.
وفي مجال الوحدة الوطنية تكفي نظرة خاطفة للوائح الانتخابية وقوائم المترشحين لاستخلاص نتيجة واحدة مفادها أن حابل المكونات الاجتماعية للوطن اختلط بنابله، فترى الأبيض والأحمر والأسود سواسية في الطابور والترشيح والتعيين والاستفادة، فقط لأن الرئيس لا يريد تكديس أموال لنفسه ولا احتكار وظائف لأبناء عمومته.
ورغم أن الرئيس معاوية سليل المؤسسة العسكرية، ووصل للحكم عن طريق انقلاب عسكري إلا أنه كان أبا للديمقراطية ورائدها في شبه المنطقة، ففتح تعدد الأحزاب وحرية الصحافة واحترم آجال الاستحقاقات الانتخابية التي انتظمت خلال 12 سنة متتالية، رغم حداثة التجربة الديمقراطية.
ولا يزال الدستور الذي أنجزه الرئيس معاوية الوحيد الذي يسري به العمل حتى هذه اللحظة، رغم بعض الرتوش التي أدخلت عليه منذ الفترة الانتقالية الأولى، وأهمها تحديد مدة الرئاسة بفترتين، وذلك في أول مراجعة له سنة 2006.
وفي عهد ولد الطائع تم تجريم العبودية من خلال ترسانة من القوانين المنصوصة في الدستور والمراسيم، كما تم حسم هوية البلد.
أما في مجال البنى التحتية فإن أهم وأصعب الطرق التي تربط بين المدن تم إنجازه بإتقان وشفافية تامة في عهد الرئيس معاوية، حيث كانت الدراسات والمناقصات منشورة في وسائل الاعلام، ومفتوحة أمام الجميع، مع تحديد الشركات المنفذة التي لا تمت بصلة لهرم السلطة، وبعد ذلك كله تتم تحت رعاية مكتب مراقبة قبل أن يحدد موعد للتسليم والتدشين.
كل تلك الخطوات شاهدها الجميع وعايشها في طرق نواذيبو - نواكشوط، صنكرافه - تجكجه، نواكشوط - ألاك، نواكشوط - روصو، وبوكي - كيهيدي.
وهناك طريقان أنجزت دراستاهما ورصد تمويلهما قبل الانقلاب على ولد الطائع، أو على الأصح التنكر لجميله، وهما طريقا: سيلبابي وازويرات.
كما تم تشييد شبكة طرق في مدينة أطار باعتبارها العاصمة السياحية للبلاد، وتم ربطها بواحات النخيل المحيطة بها تشجيعا للسياحة وتمكينا للساكنة من توصيل التمور لأسواق المدن الأخرى، هذا فضلا عن تذليل طريق شنقيط - أطار، خاصة في مقطعها الوعر، والذي يمتد أكثر من خمسة كيلومترات في سلسلة جبلية معقدة.
وفي مجال المباني الحكومية تم تشييد مفوضيات للشرطة في كافة مقاطعات نواكشوط، كما تم بناء مساكن لجميع الولاة، فضلا عن بناء 54 دارا للكتاب في مختلف المقاطعات.
وفي مجال استراتيجية توفير المياه، الأولى من نوعها في البلاد، تم تزويد كل تجمع يتألف من 500 شخص بنقطة مياه، وشبكة مياه للتجمعات التي تزيد ساكنتها عن هذا الرقم.
وفي مجال الكهرباء أنارت الكهرباء في عهد الرئيس معاوية على سبيل المثال 120 قرية و60 قرية في جزء لبراكنه الموالي لاترارزه.
وزود ولد الطائع 220 قرية بشبكة مياه متكاملة بتمويل اليابان،وفي المنطقة الشرقية من آفطوط تم في إطار مشروع مكافحة دودة غينيا تم تنفيذ 296 شبكة مائية بالإضافة إلى المكونة المائية المخصصة في مشاريع البيطرة 1 و2 و3، كما تم تزويد مدينة كيفه بالمياه من مسافة 17 كلم.
وتم إعداد دراسة شاملة عن المياه في ادرار سنة 1998، ووصل مشروع آفطوط الساحلي مراحله النهائية بعد رصد التمويل.
وكانت اليابان والبنك الإسلامي والصندوق الكويتي للتنمية أكبر الممولين للمشاريع التنموية خلال حكم ولد الطائع.
وفي عهد الرئيس معاوية تمت كهربة جميع عواصم المقاطعات في البلد، وفي مجال الاتصالات أنجز مشروع دومسات الذي غطى 13 مدينة أضيفت لها البقية لاحقا.
وتجاوز التمدرس سنة 2003 - حسب الوزير الأول حينها اسغير ولد امبارك في آخر ظهور له أمام البرلمان- نسبة 98 بالمائة، قاربت نسبة البنات فيها النصف.
وتم تعميم الخدمات الصحية بحيث أصبح لكل تجمع أو قرية نقطة صحية، مع مجانية الاستشفاء من الأمراض الفتاكة مثل السيدا والسل، وكذلك الأمراض المزمنة، فضلا عن تلقيح الأطفال فيما دون سن الخامسة.
لم يكن ذلك سوى نماذج قليلة، وغيض من فيض، لإنجازات رجل يعتبر الأب الثاني للأمة الموريتانية بعد الأب الأول المختار ولد داداه.. ويكفيه فخرا أنه غادر عاصمة حكم فيها لأكثر من عقدين من الزمن دون أن يسجل المتربصون بحكمه والباحثون عن أخطائه منزلا واحدا أو فندقا أو سوقا أو مؤسسة أو رصيدا في حساب تعود ملكيته للرئيس معاوية ولد الطائع.
وفي الحلقة الثانية سنتعرض لشهادات معاصري ولد الطائع والوثائق الضرورية لاستكمال الملف.
من ارشيف السفير 2012