الزيارة التي قام بها وفد من حركة المقاومة الإسلامية حماس برئاسة مسؤول العلاقات العربية والإسلامية في الحركة “خليل الحية” الى دمشق بعد انقطاع دام لعشر سنوات، اخذت فيه الحركة موقفا مؤيدا لمشروع اسقاط النظام في سورية، واخذت قرار الخروج من سورية، والإقامة في قطر وتركية، وكان هذان البلدان رأس حربة في مشروع اسقاط النظام في دمشق عبر دعم مجموعات مسلحة بالمال والسلاح والاعلام والفتوى.
ثم عدلت حماس موقفها خلال السنوات القليلة الماضية نحو الحياد وعدم التطرق اطلاقا الى الازمة في سورية، واعطت قيادة الحركة توجيهات حينها بعدم التصريح او إعطاء أي موقف يتعلق بسورية، ثم تطور الموقف خلال هذا العام بعد ان طلبت الحركة وساطة حزب الله لاستعادة العلاقة مع دمشق، وتولى الأمين العام لحزب الله السيد “حسن نصر الله ” شخصيا مهمة التقريب بين القيادة السورية وحماس على قاعدة إعادة تماسك ووحدة محور المقاومة. ومهدت الحركة عبر سلسلة بيانات أعلنت فيها موقفا مؤيدا للقيادة في سورية على صعيد مواجهة العدوان الإسرائيلي المتكرر على سورية، والاعتراف بدور سورية الكبير في دعم المقاومة الفلسطينية واحتضانها. هذه المواقف الواضحة مهدت الطريق لزيارة وفد حماس الى دمشق اليوم.
وتشكل هذه الزيارة بلا شك حدثا كبيرا سيكون له اصداؤه على المستوى العربي والإقليمي، وداخل الساحة الفلسطينية، وداخل اجنحة حركة الاخوان المسلمين وفي فضاء الحركات الإسلامية عموما. كما لها صداها لدى المعارضة السورية، والدول الحليفة لحركة حماس والمعادية لسورية، والنخب العربية المنقسمة حول النظرة لما جرى في المنطقة العربية على مدار عشر سنوات. وصف خليل الحية اللقاء مع الأسد بالتاريخي وبانه يوم مجيد، يعني ان الحركة قطعت نهائيا الطريق على الأصوات المعترضة داخل ساحتها الإسلامية.
تتحدث مصادر فلسطينية عن ان اللقاء بين الفصائل ومعهم ممثل حماس والرئيس الأسد كانت ودية للغاية، وان الأسد رحب بخليل الحية وتبادل معه النقاش والحوار، وبالمقابل اعلن الحية امام الأسد موقف قيادة حماس مجتمعة في تثمين والاعتزاز بمواقف سورية تجاه القضية الفلسطينية.
فبرغم قطيعة السنوات العشر وافتراق الخيارات بين الحركة ودمشق الا ان الطرفان كانا حليفين ويعرفان بعضهما جيدا ولسنوات طويلة اقامت فيها قيادة الحركة وعملت على الأراضي السورية.
ثمة ملاحظات يمكن تسجيلها من خلال صور اللقاء، وشكل ومضمون المؤتمر الصحفي لممثل حماس، وتعاطي وسائل الاعلام مع الحدث. أولها ترأس الأمين العام لحركة الجهاد “زياد النخالة” لوفد الفصائل، حيث كان النخالة اول من استقبله الأسد، وجلس النخالة في الكرسي الموازي للرئيس الأسد بينما توزع قادة الفصائل في المقاعد الجانبية. وليس خافيا ان سورية باتت تولي حركة الجهاد وامينها العام أهمية استثنائية، وان مدى العلاقة بين الطرفين تطور بشكل كبير في الآونة الأخيرة.
ومن خلال الصور المنشورة للقاء ظهر الأسد ضاحكا وكذلك الحية، ما أوحى ان الأسد كان مرتاحا لحضور حماس، وان الحية لم يكن متشنجا. وان إمكانية طي صفحة الماضي متاحة وجدية.
اللافت ان وسائل الاعلام الرسمية السورية تجاهلت جوهر الحدث وهو وصول وفد من حماس الى البلاد لأول مرة منذ عشر سنوات، وركزت وسائل الاعلام الرسمية على زيارة وفد الفصائل بشكل عام، ومواقف سورية من القضية الفلسطينية ونتائج المصالحة في الجزائر دون الإشارة الى الاختراق في القطيعة بين دمشق وحماس باعتباره حدثا كبيرا. كما تجاهلت وسائل الاعلام الرسمية نقل المؤتمر الصحفي لممثل حماس خليل الحية مباشرة على الهواء. بينما جاء خبر وكالة سانا الرسمية تحت عنوان ” الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.. سعداء بعودة العلاقة بين سورية وحركة حماس ” نقلت في متن الخبر تصريحات خليل الحية كاملة.
-------------
"رأي اليوم"