لجنة التحقيق البرلمانية من يُحاكم من؟! | صحيفة السفير

لجنة التحقيق البرلمانية من يُحاكم من؟!

اثنين, 20/04/2020 - 13:43

في الثلاثين من شهر يناير الماضي؛ تقدمت لجنة الشؤون الاقتصادية في البرلمان الموريتاني بمشروع قانون يتضمن توصية  بإنشاء لجنة تحقيق برلمانية، ويشمل نطاق عمل اللجنة سبع ملفات هي:

صندوق العائدات النفطية.

عقارات الدولة التي تم بيعها في نواكشوط .

نشاطات شركة بولي هوندغ دونغ.

تسيير هيئة أسنيم الخيرية.

صفقة الإنارة العامة بالطاقة الشمسية .

صفقة تشغيل رصيف الحاويات؛ بميناء الصداقة المستقل.

تصفية شركة سونمكس.

وحول معيار اختيار الملفات التي تم التحقيق فيها؛ يرى المدير الناشر لصحيفة بلادي الكاتب الصحفي موسى حامد أن " الاختيار عائد  لمبررات ذكرتها  اللجنة؛ من بينها أن الملفات تشوب حولها تهم فساد فاحش في ظل عشرية الرئيس ولد العزيز"

توسيع عمل اللجنة

ويعد شهرين من عمل اللجنة، الذي قاد إلى الاستماع لشهادات مسؤولين كبار في نظام الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز؛ صادق البرلمان على مقترح بتوسيع عمل اللجنة ليشمل مجالها التحقيق:

صفقات الكهرباء الخاصة بشركة "صوملك",

صفقات البنية التحتية من طرق وموانئ

صفقات الشركة الوطنية للصناعة والمناجم "اسنيم"؛ وسياساتها التجارية؛

ونص التعديل الأخير الذي أضيفت الملفات الجديدة بموجبه؛ على أن الآجال القانونية لعمل اللجنة لن يتأثر بموجبه.

وعن دلالات توسيع عمل اللجنة يرى وزير الشؤون الاقتصادية الأسبق الوزير محمد ولد العابد " أنها واضحة ومقنعة؛ وقد سردتها اللجنة فى عرض مبررات مقترح القانون الهادف إلى توسيع نطاق البحث".

ويضيف الوزير ولد العابد" لقد اتضح للجنة؛ بعد استجواب عدد من المسؤولين السابقين  ـ كما كان مرتقبا حسب المراقبين ـ أن حجم الفساد وتداخل ملفاته يستدعى إدراج ملفات أخرى",

وزير الاقتصاد الأسبق: محمد ولد عابد

ولا يستبعد الوزير ولد العابد إدراج ملفات أخرى في التحقيق مستقبلا" نظرا إلى أن ـ الفساد لم يسلم منه قطاع خلال العشرية المنصرمةـ وأورد في هذا الصدد أن يشمل التحقيق في المستقبل القريب ملفات تتعلق بتسيير البنك المركزي؛ وعملية استبدال العملة والقطاع المصرفي بشكل عام وإفلاس بعض المؤسسات العمومية على سبيل المثال لا الحصر".

مسؤولون في حضرة اللجنة

تحول مقر الجمعية الوطنية في نواكشوط خلال الفترة الماضية لساحة مواجهة؛ بين من تولوا مسؤوليات تنفيذية خلال العشرية الماضية؛ وبين نواب أسند إليهم البرلمان مهمة التحقيق، ولم تعد مشاهد دخول وخروج الوزراء الأولُ وكبار السياسيين لمقر البرلمان تلفت انتباه المارة الذين شاهدوا وبكثير من الذهول سيارات رجالات السلطة الذين أنحسر بريقهم وهم يدلفون بها الى ساحة البرلمان؛ حيث ينتظرهم سبعة نواب هم عدد أعضاء لجنة التحقيق البرلمانية التى  شكلتها السلطة التشريعية  من مختلف الفرق البرلمانية للتحقيق فى ملفات طالما كانت محل جدل فى أوساط الرأي العام الموريتاني.

من أين تستمد اللجنة قوتها القانونية؟

منذ إنشاء اللجنة؛ ظل التساؤل عن طبيعة عملها مثار جدل عند الموريتانيين؛ وحسب الخبير الدستوري الدكتور محمد الأمين ولد داهي؛ فإن لجنة  التحقيق البرلمانية  "هي هيأة مهمة ؛ تستمد قوتها من السلطة التشريعية التى ينص الدستور على مهامها كسلطة لمراقبة العمل الحكومي والاستراتيجات وسياسيات الدولة"؛ ويرى الدستوري داهي أن" هذا هو ما يجعلها لجنة تمتلك صلاحيات كبيرة، وبذلك بإمكانها استدعاء كل المسؤولين الحاليين من وزراء مادام نشاطها يدخل فى هذا الإطار".

السياق السياسي لظهور لجنة التحقيق

الكاتب الصحفي: موسى ولد حامد

بعد تسليم السلطة للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في فاتح أغسطس الماضي؛ لم يكن يدر في خلد الموريتانيين أن مياها كثيرة ستجرى تحت جسر العلاقة التي امتدت بين الرئيسين الحالي والسابق؛ علاقة استمرت منذ أيام الالتحاق بصفوف الجيش وتعمقت  منذ انقلاب 2005 الذي أنهى حكم الرئيس ولد الطابع؛ لكن شهورا ثلاثة من حكم الرئيس ولد الغزواني تكشف فيها عمق التباعد بين طرح ورؤية الرجلين، ويُذكر الوزير السابق محمد  ولد عابد"  أن التحقيق في تسيير نظام الرئيس السابق ولد عبد العزيز كان مطلبا دائما للقوى السياسية المعارضة؛ وللعديد من هيئات المجتمع المدني؛ التي آلمها أن ترى طيلة أحد عشر عاما مقدرات البلد تهدر وخيراته تستنزف.

ويؤصل الكاتب الصحفي ومدير ناشر صحيفة بلادي الصحفي موسى ولد حامد أول ظهور للجنة برلمانية في تاريخنا المعاصر بقوله "أنشأت لجنة برلمانية في العام 2008 للتغلب على معارضة الانقلاب الذي قام به الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز على حكم الرئيس المنتخب سيدي ولد الشيخ عبد الله ؛ وهي لجنة أنشأت حينها كمحاولة لتشريع  ذلك الانقلاب؛ والفرق بينها وبين هذه اللجنة ؛أن الأخيرة أنشأت في وقت يطبعه نوع من التوافق والهدوء على الساحة السياسية".

هل  يمكن أن تسدعي اللجنة الرئيس السابق ولد عبد العزيز؟

ارتفع منسوب المفاجآت بسب الأسماء التي طالها استدعاء لجنة التحقيق البرلمانية؛ وطالع الموريتانيون خبر توجيه دعوة لمثول الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز أمام هذه اللجنة، وأختلف المراقبون في متابعتهم لأخبار الإستداعات كل حسب الزاوية التي ينظر إلى الموضوع منها؛ فتداخل القانوني مع السياسي  زاد من وقع الجدال حول الحدث؛ وأصبحت الأسئلة محل الإجابات؛ الخبير الدستوري الدكتور محمد الأمين ولد داهي قال للسفير حول إمكانية مثول الرئيس السابق أمام اللجنة، من الناحية الدستورية" إن الدستور يمنح الحصانة للرئيس أثناء تأديته لمهامه وقت شغوله للمنصب فقط"  وأضاف الدكتور داهي في هذا الصدد " أن الحصانة تزول بزوال المنصب ويعامل كرئيس سابق " .

الخبير الدستوري: محمد الأمين ولد داهي

ويؤكد الخبير الدستوري داهي أن المسار الإجرائي لتوجيه الاتهام للرئيس بعد انتهاء التحقيق البرلماني " تحدده نوعية الأفعال محل الإتهام ،فهنالك أفعال يمارسها الرئيس بصفته رئيس للجمهورية كما ينص عليها الدستور وهي محددة، و أفعال  أخرى يمارسها لا تدخل في إطار مهام رئيس الجمهورية وتعنى بها المحاكم  العادية ،أما الأفعال المتعلقة بممارسة منصب رئيس الجمهورية فتعنى بها محكمة العدل السامية".

ويرى الباحث عبيد ولد إميجن أنه" ليس من الحصافة ولا بعد النظر استجواب لجنة التحقيق البرلمانية للرئيس السابق أو دعوته للشهادة ؛ ويمكنها الاستناد إلى رأي فقهاء القانون  الدستوري الذين يرون عدم جواز ذلك، نظرا لحصانته كرئيس سابق "

ويضيف ولد إميجن أنه يرى " إرجاء ذلك إلى ما بعد توجيه الاتهام".

ويعتبر الباحث عبيد إميجن أن الرئيس السابق  في حالة استدعائه" سيكون بالفعل سعيدا لو اعتلى منبر تلك اللجنة ليظهر في ثوب مفصل لضحية سياسي يتم استهدافه".

كشف حساب أم تفعيل للعمل الرقابي البرلماني؟

يتذكر الموريتانيون كيف أنشأ البرلمان لجنة للتحقيق عقب انقلاب 2008؛ كانت تهدف لمحاكمة أول رئيس منتخب بتهم لم يسبق للذاكرة السياسية الوطنية التعامل معها؛ هذه الحادثة ألقت بظلالها على عمل اللجنة الحالية؛ ويرى الكاتب الصحفي موسى حامد؛ فرقا بين اللجنتين بقوله" أن  اللجنة الأولى جاءت في بداية حكم معين؛ كان يحاول أن يجد شرعية على كتف النظام الذي سبقه، بينما اللجنة الحالية تحاول أن تتعقب تسيير الرئيس السابق ولد العزيز للعشرية الماضية؛ كما أن هذه اللجنة تتمتع بمساندة الموالاة والمعارضة".

ويرى الباحث عبيد ايميجن أن عمل اللجنة الرامي إلى التحقيق في قضايا فساد"  يعيدنا إلى تلك الشبكة الحلزونية من مغارة المفسدين اللذين يتبؤون حاليا مناصب رفيعة  في جسم الدولة الموريتانية"

ويضيف ولد إميجن " أنهم دائما في صدارة المسؤوليات والتعيينات، لسبب بسيط هو أن شبكتهم تؤمن لهم تبادل المواقع والفوائد".

الباحث والصحفي: عبيد ولد إميجن

ويرى الباحث عبيد "بعض هؤلاء المسؤولين الحاليين؛ متورط في كل ملفات الفساد الموضوعة على طاولة اللجنة البرلمانية، يتبوأ منصب وزير ووظائف دبلوماسية وإدارية حساسة، لذا تقاس جدية الحكومة والجهاز التنفيذي عموما في التعاطي مع لجنة التحقيق البرلمانية بقدرتها على إرغام هؤلاء على الاستقالة والابتعاد عن المشهد حتى ينتهي التحقيق. وبدون ذلك فإننا سنتأكد أن الزاوية الأخلاقية مفقودة لدى أحد الأطراف.

من يحاكم من؟

وينتظر العديد من المراقبين حصيلة التحقيق الذي شارفت مدته على انقضاء نصفها ؛ ويتكرر السؤال هل ستتحول معطيات التحقيق إلى صك اتهام يُشهر في وجه من ثبتت تجاوزاتهم في حق تسيير الشأن العام ؟ وكيف سينجو الذين مازالوا في واجهة المشهد السياسي ويتولون تسيير مهام كانت وما تزال تحوم حولها شبه الفساد.

وستكشف الأيام القادمة النقاب عن تطور مسار التحقيق؛ وستبرز ملفات وحقائق إلى الواجهة بفعل توسيع نطاق التحقيق، وسيطالع الموريتانيون بعد انقضاء التحقيق حقيقة عشرية طالما كانت وقودا لأحاديثهم السياسية التي لانتهى إلا لتبدأ.

 

الموضوع الرئيسي لعدد جريدة "السفير" الصادر اليوم الاثنين 20/04/2020