ولد الطايع.. مهندس الدولة الموريتانية الحديثة | صحيفة السفير

ولد الطايع.. مهندس الدولة الموريتانية الحديثة

جمعة, 12/12/2025 - 23:27

‎في مسيرة الأمم، تُخلّد أسماء القادة الذين أرسوا دعائم الدولة وبنوا مؤسساتها، لا بقدر شعاراتهم، بل بقدر إنجازاتهم العملية وجرأتهم في اتخاذ القرارات الحاسمة. ومن بين هؤلاء، يبرز اسم الرئيس معاوية ولد سيد أحمد الطايع، كأحد أبرز صناع التحول المؤسسي في موريتانيا، ومهندس مشروع عصرنة الدولة وتثبيت معالمها الحديثة.

‎لقد تولى الرئيس معاوية السلطة في ظرف سياسي وأمني واقتصادي بالغ التعقيد، لكنّه استطاع، بثبات وهدوء، أن يُدخل البلاد في مرحلة جديدة من بناء مؤسسات الدولة الوطني ، وإعادة صياغة العلاقة بين السلطة والمجتمع على أسس الدولة الحديثة، بعيداً عن الارتجال والتقليد.
‎أبرز إنجازاته في بناء الدولة:
‎1.ترسيخ النظام الجمهوري التعددي
‎ أطلق أول تجربة ديمقراطية تعددية في البلاد، من خلال إصلاحات دستورية عام 1991 مكّنت من إقرار دستور حديث، وانتخابات تشريعية ورئاسية، فتحت المجال للتعبير السياسي السلمي.
‎2. عصرنة الإدارة والمؤسسات
‎ عزّز الطابع المؤسسي للدولة من خلال تطوي القوانين الإدارية والتنظيم، والرفع من كفاءة الموظف العمومي، وخلق جهاز إداري أكثر مهنية وانتشاراً.
‎3. التخطيط الاقتصادي والمالي 
‎ ورغم الأزمات الداخلية ومحاولات الانقلاب والضغوط الإقليمية والدولية، فإن إرث الرئيس معاوية ولد سيد أحمد الطايع لا يزال محوري في فهم نشأة الدول الحديثة في موريتانيا. فقد كان رجل المؤسسات، أول من جعل الدولة فكرة قابلة للتطبيق والاحترام في المخيال الشعبي.
أرسى استقلال السياسة النقدية عبر تثبيت الأوقية كعملة وطنية، وتحرير الاقتصاد تدريجياً من التبعية الفرنسية، مع فتح الباب أمام الاستثمار الوطني والدولي.
4. التعريب وتعزيز الهوي
‎ تبنّى خيار التعريب المنهجي للتعليم والإدارة، دعماً للهوية الوطنية ورفعاً من شأن اللغة العربية، دون إقصاء للتنوع الثقافي، مما أسّس لتوازن لغوي وطني مقبول.
‎5.حماية الحوزة الترابية
‎ واجه تحديات خارجية بحزم، خصوصاً في ملف الحدود مع السنغال ومالي، حيث عمل على حماية السيادة الترابية لموريتاني دون الدخول في مغامرات، مستخدماً الدبلوماسية والردع الأمني في آن،
‎6. تعزيز الوحدة الوطنية
‎ رغم التحديات الإثنية والسياسية، عمل على دمج كافة المكونات ضمن المشروع الوطني، فحافظت البلاد على وحدتها وسلمها الأهلي، في وقت كانت فيه بلدان أخرى مجاورة تغرق في النزاعات.
7. التعليم والبنية التحتي
‎ توسّع التعليم في عهده كماً ونوعاً، مع بناء آلاف المدارس والمعاهد، إلى جانب تعزيز البنية التحتية من طرق وموانئ ومستشفيات ومؤسسات خدمية.
‎8. الجيش والأمن
‎ أعاد هيكلة المؤسسة العسكرية، وربطها بالدولة وليس بالأنظمة، فكانت قوة حماية لا عبئاً على الوطن، مما ساهم في منع الانهيار الأمني طيلة حكمه.
9. السياسة الخارجية المتوازنة
‎ اتّبع سياسة خارجية رزينة، عزّزت علاقات موريتانيا في إفريقيا والعالم العربي، ورفعت من موقعها في المنظمات الدولية، وكرّست سيادة القرار الوطني.
إرث باقٍ رغم التحديات
‎ورغم كل التحديات التي واجهت حكمه، من أزمات داخلية ومحاولات انقلابية وضغوط خارجية، فإن إرث معاوية ولد سيد أحمد الطايع لا يزال. محوري في فهم تشكل الدولة الموريتانية الحديثة. لقد وضع الأسس الصلبة لبناء الدولة التي ما زالت تستفيد منها البلاد حتى اليوم
‎إن إنصاف الحقائق يفرض علينا الاعتراف بأن معاوية لم يكن مجرد رئيس عابر، بل كان مؤسس مرحلة ومُهندس دولة، حمل مشروعاً لبناء موريتانيا المؤسسات، وسط صعوبات كثيرة، فنجح حيث فشل كثيرون.
فإنصافاً للتاريخ، لا يمكن الحديث عن الدولة الموريتانية الحديثة دون ذكر اسم معاوية ولد سيد أحمد الطايع، الذي جسّد مشروع بناء وطني متكامل، لا يزال أثره باقياً في مفاصل الدولة ومؤسساتها، رغم ما تعرّض له من تشويه أو نكران.

 

السفير