رغم اعتذار الجيش: هل قطعت حادثة "أمبان" حبل الوًد بين المعارضة والنظام؟! | صحيفة السفير

رغم اعتذار الجيش: هل قطعت حادثة "أمبان" حبل الوًد بين المعارضة والنظام؟!

أربعاء, 03/06/2020 - 16:58
صورة الغلاف

أثار مقتل شاب موريتاني على يد الجيش أثناء الحظر وفي منطقة عسكرية مغلقة قبل أيام، ردود فعل غاضبة من بعض الحركات الحقوقية، واعتبروه جريمة قتل مكتملة الأركان في حق مواطن ممن يفترض على أنهم يسهرون على حمايته، على الرغم من اعتذار مؤسسة الجيش لذوي الفقيد وإصدار بيان يشرح فيه ملابسات الحادثة.

بيد أن رواية لم ترق لبعض الأحزاب السياسية، خصوصاً حزبي تواصل والقيادي في حزب قوى التقدم محمد المصطفى ولد بدر الدين الذي اعتبر أن رواية الجيش "غير مقنعة"، رغم أكتفاء حزبه بضرورة فتح تحقيق مستقل في الحادث، فيما رأى فيها تواصل ثاني اكبر حزب سياسي في البلاد، فعلا بشعاً يظهر فيه استخدام مفرط للقوة.

إلى ذلك طالب حزبا: "التكتل، و إيناد" في بيان مشترك، بفتح تحقيق عاجل، وشفاف، ومستقل للوقوف على حقيقة وملابسات الحادث الذي أودى بحياة الشاب عباس روكي في "أمبان" بولاية لبراكنة، داعين في نفس الوقت كافة المواطنين إلى الوقوف بحزم ضد كل ما من شأنه أن يثير الفتنة والشحناء بين مكونات الشعب وشرائحه.

رواية الجيش:

أوضحت القيادة العليا للأركان في بيانها أنه "وفي إطار تنفيذ مهامها الأمنية المرتبطة بإغلاق الحدود، اعترضت دورية عسكرية يوم الخميس 28 مايو 2020 على الساعة التاسعة ليلا مجموعة من المهربين قرب قرية ويندينك التابعة لمقاطعة أمبان (ولاية لبراكنه).

وقد تمكنت الدورية من القبض على أحد المهربين في حين لاذ الآخرون بالفرار. وخلال ملاحقتهم ترصد أحدهم جنديا بنية الاعتداء عليه فأطلق الجندي طلقة تحذيرية باتجاه المعتدي أصابته للأسف إصابة مميتة".

وأضاف بيان الجيش، أنه تبين من خلال التحريات عقب الحادث أن المتوفى مواطن موريتاني يدعى عباس روكي مطلوب للعدالة وصاحب سوابق.

إن الأركان العامة للجيوش إذ ترفع تعازيها القلبية إلى أسرة الراحل وذويه، تذكر الجميع بأنها ماضية في تنفيذ قرار إغلاق الحدود ومنع عمليات التسلل والتهريب، وتدعو المواطنين للالتزام بهذه القرارات والانصياع لتعليمات الدوريات العسكرية التي تسهر على حمايتهم وأمنهم.

عذر اقبح من ذنب..!

اعتبر نشطاء من حركتي "إيرا، وافلام" عبر صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعي، أن العبارة التي تضمنها بيان الجيش، بوصف الشاب بالمطلوب للعدالة وصاحب سوابق، في غير محلها بل هي، عذر أقبح من ذنب لتبرير قتل مواطن اعزل بدم بارد، في وقت ازدادت فيه في الأيام الأخيرة اعتداءات عناصر من الأمن على مواطنين في خرق سافر لحقوق الإنسان وامتهان لكرامة البشر، غير أن القضية سرعان ما أخذت بعداً عنصرياً في نظر البعض لتعجً مواقع التواصل الاجتماعي بقصص مشابهة كان ضحيتها مواطنين من أصحاب البشرة البيضاء، في حين دافع مدونون عن الجيش باعتباره مؤسسة جمهورية محترمة تخدم البلد بتفانِ وإخلاص. 

بينما ذهب البعض الآخر، إلى اتهام ما اسماهم بالانتهازيين السياسيين والمرضى العرقيين الذين يحاولون تسويق خطاب عنصري تحريضي خطير، وأنه لا يمكن القبول أو السكوت على اللعب بالخطوط الحمراء التي تنسف السلم الأهلي لهذا الشعب.

هل انقطع الوًد؟

رغم حالة الهدوء التي قاربت الانسجام بين المعارضة والنظام، منذ تولي الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني مقاليد الأمور، فإن المعارضة خرجت عن صمتها ربما لأول مرة، وانقدت بحدة حادثة "امبان" وحوادث إهانة مواطنين في الشارع أثناء الحظر، وهو موضوع لاقى شبه إجماع بين أوساط السياسيين والرأي العام، وانتهى بقرار فصل المتهمين، وهم عناصر من تجمع أمن الطرق.

لكن انتقاد حزب  التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل)، بالخصوص وتشكيكيه في رواية الجيش، وهو ما فهم منه تحريض على مؤسسة الجيش لدى البعض، حرك مياها كانت راكدة عند النظام وأخرج بيان ناري من جناحه السياسي، حزب الاتحاد من أجل الجمهورية استنكر فيه، ما وصفها محاولة "جهات" لم يسمها، تضمر خطابات المزايدات وتجارة الأراجيف امتطاء حادث عرضي، في إشارة إلى بعض أحزاب المعارضة والحركات السياسية، في وقت لا يمكن فهمه إلا في سياق البحث عن موطئ قدم في ساحة بدأت تطبعها الجدية والعمل، حسب تعبير بيان الحزب.

وقال الحزب في بيانه: "إنه في الوقت الذي تُقْدِم فيه قيادة الأركان الوطنية، بمهنية على تفصيل ملابسات وفاة المواطن عباس روكى رحمه الله، في إطار مهمة الجيش المتمثلة في غلق الحدود تفاديا لنشاط المتسللين، وفي الوقت الذي يُتوخى من الجميع أن يشد على أيدي قواتنا المسلحة وقوات أمننا، تخرج علينا بعض الجهات مُنغِّصة وقار الهدوء السياسي الذي تعرفه البلاد هذه الأيام، نافخة في كير الفتنة، الذي طالما اقتاتت عليه، ضاربة عرض الحائط بحساسية اللحظة، المشرئبة فيها أعناق الجميع إلى الوحدة الوطنية والعدالة والانسجام واللحمة والتآزر".

من غير المقبول أن تتحامل أحزاب سياسية فاعلة، ومؤثرة في المشهد السياسي الوطني، على مؤسسة عليها شبه إجماع بسبب حادث عرضي، وكانت سباقة لإعلانه وتوضيح ملابساته، وهو ما اعتدنا على نقيضه في السابق، حيث كانت تقع حوادث ولا تصدر بها أي توضيحات خصوصاً في الأمور ذات الطابع الأمني البحت، لكنه من غير المقبول البتة أن تزهق أرواح مواطنين عُزًل وأن تمتهن كرامة آخرين لمجرد أن عسكرياً استخدم ضدهم قوته المفرطة في تحدٍ صارخ للنظم والقوانين، بيد أن كل هذا وذاك لا يبرر قطع ودً بين معارضة ونظام دخلا في انسجام وتهدئة وتشاور لإعادة الأمور إلى نصابها ومنح صيغة حكم تشاورية جديدة تعطي دفعاً للتنمية وبناء الوطن، دون تصادم أو تأزيم.

 

إعداد: سيدي محمد صمب باي

الموضوع الرئيسي لعدد "السفير" رقم 1164 الصادر اليوم الاربعاء 3 يونيو 2020