ترك تغييب الصحافة المستقلة عن الخرجة الإعلامية الأولى للمهندس اسماعيل ولد بدًة، أكثر من استفهام، وأعطى انطباعاً سيئاً عن مدى مصداقية الحكومة في شعارها حول انتهاج الشفافية في إطلاع الرأي العام على التسيير العمومي و الأداء الإداري عموماً خلال أزمة جائحة كورونا، خصوصاً وأنه كان ينتظر أن يكون ظهور الوزير الأول أمام مواطنيه بداية مكاشفة لم يعهدها الشعب الموريتاني من قبل.
وعلى الرغم من الزًخم الذي حظيً به المؤتمر، والمتابعة الواسعة من الموريتانيين لمعرفة تفاصيل العمل الحكومي وجهود الدولة في التخفيف من معاناة المواطنين، إثر الإنتشار المخيف لوباء كورونا، ومدى جاهزية الطواقم الصحية، وقدرتها على مواكبة الأسوأ، إلا أن كل تلك التساؤلات ذهبت أدراج الرياح، في وقت احتكرت فيه السهرة من طرف وسائل إعلام الدولة، في حركة استغربها الجميع، وبقيت بلا تفسير، بل وضعت الوزير الأول في حرج كبير وكأنه يخشى من شيئ ما، وهو يخاطب الشعب بأسئلة موظفيه!
أسئلة مُعلًقة ورسائل لم تصل!
تطرق ولد الشيخ سيديا، في مستهل حديثه إلى الانسجام السياسي الذي خلقه الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، منذ تسلمه للحكم والتعاطي مع كافة الفاعلين السياسيين والاجتماعيين بنفس الدرجة من الاحترام والتقدير، للمساهمة في وضع حد لحالة التأزيم التي عاشتها البلاد لسنوات، ويفتح الباب أمام جميع المواطنين للمساهمة في بناء الوطن كل من مكانه،
واستطرد الوزير قائلاً بأن حكومته ظلت عاكفة على التحسين من ظروف المواطنين والسعي لإطلاق مشاريع كبيرى تمتص البطالة وتساهم في انتعاش الاقتصاد الوطني، قبل أن يكشف عن جهود أخرى لا تقل أهمية كانت باستخلاص العبر من الجائحة، وطمأنة المواطنين على أن موريتانيا ما بعد "كورونا" ستكون أكثر ازدهاراً وحركية، من خلال استيراتيجية طموحة لاستغلال الموارد الطبيعة بهدف تحقيق اكتفاء ذاتي في عدة مجالات حيوية، غير أن كل تلك النقاط بقيت دون تفاصيل بسبب عقم المحاورين من جهة، وتركيز اغلبهم على تقارير الجائحة التي يتم الكشف عنها يومياً من الجهات المختصة، ما حوًل المؤتمر إلى حوار "رتيب" كان الأجدى بالقائمين عليه أن يكون مقابلة تلفزيونية تكتفي بمحاور واحد، بدل مجموعة أغلبها يُعيد نفس الأسئلة!
مرر الوزير الأول عدة رسائل كان أهمها إبراز الانسجام الحكومي والتكامل بين مختلف القطاعات المعنية بمحاربة الوباء، وخصوصا قطاعات الصحة، والداخلية، والدفاع، ومدى الجاهزية التي طبعت كل مراحل الجائحة، من الخطوات الإستباقية وصولاً إلى مرحلة التعايش، دون أن يحمًل بعض الإخفاقات لجهة بعينها، في الوقت الذي وضع الكرة في مرمى المواطنين، معتبراً بأن مساهمتهم في السيطرة على الوباء ستكون الأهم في تحقيق الانتصار عليه وتعطي نموذجاً في التكامل بين القمة والقاعدة.
تطرق الوزير كذلك إلى حلً مشكلة العالقين بالخارج وكل التسهيلات التي قيم بها لأجلهم، كما تحدث كذلك عن مبادرة الدول العشرين الأغنى في العالم والقاضية بتجميد سداد ديون الدول الأقل نموا، و نداء رئيس الجمهورية بإسم دول مجموعة الساحل G5 للمطالبة بإلغاء ديونها من اجل التفرغ لمحاربة هذه الجائحة، وهي رسالة أخرى تعكسُ المكانة الدبلوماسية التي تحظى بها موريتانيا اليوم.
لقد كان الرجل مقنعاً في كل ردوده، لكنه ظل يدور في نفس الدائرة معيداً إجاباته تارة، ومحاولاً الاستفاضة والغوص في هموم المواطنين تارة أخرى، لكنه سرعان ما يصطدم بسؤال خشبي مكرر من هنا أو هناك.. وكأنً من أشرفوا على تلك الخرجة لا يريدون له أن يبتعد كثيراً، أو أن يخرج عن ما سطروه هم بأناملهم، فيما يوحي بأن المؤتمر موجه لهم دون غيرهم.
من المسؤول إذن؟!
أُخرج مؤتمر الوزير الأول من سياقه بل افرغ من محتواه، وتم التعتيم عليه وإن ظهر علناً في بث مباشر، شاركت فيه وسائل إعلام الدولة دون غيرها (الوكالة الموريتانية للأنباء، إذاعة موريتانيا، قناة الموريتانية)، فهل يعقل أن يُغيًب صوت المواطن عن حدث يمس حياته اليومية ومستقبل بلده؟!..
تباينت المسؤوليات بعد التنديد الواسع الذي سببه تغيًيب الصحافة المستقلة عن حوار الوزير الأول، وأصبحت كل جهة تحمًل المسؤولية ضمنياً للجهة الأخرى، لكنً ما حدث عَكسه تردد خلية الوزارة الأولى، التي اقترحت في اجتماع عقده أياما قبل المؤتمر، بحسب مصادر "السفير"، حضور أربعة صحفيين ومدون، قبل أن ترسوا على انتقاء ثلاثة فقط، ليبرروا غيابهم فيما بعد بتعذر الاتصال بهم.
من مأمنه يؤتى الحذر!
لا الأمر لا يخلو من مؤامرة أو تآمر إن صح التعبير، ضد الوزير الأول نفسه ومن مستشاريه المقربين، فيبدو أن الرجل ضرب من تحت الحزام من مقربيه، وهم في الحقيقة ليسوا إلا "عصابة" الوزير الأول السابق يحي ولد حدمين، التي رسخ أقدامها بعناية داخل مبنى الحكومة، لتتمدد فيما بعد داخل الوزارة الوصية على الإعلام "وزارة الثقافة والصناعة التقليدية والعلاقات مع البرلمان"، من خلال أحد ابرز صقوره المخلصين.
عموماً تجاوزت المؤامرة حاجز الوزير الأول لتصل لرئيس الجمهورية، وتسفًه وعوده وخطاباته التي كرر خلالها أكثر من مرة سعيه الدؤوب لتمهين الحقل الصحفي، واستهل ذلك بلقاء مفتوح مع الصحفيين، وإعطاء توجيهات بتسهيل عملية سحب الصحف وتمثيل الصحافة في لجنة متابعة تسيير صندوق كورونا، لكن أيادي الأشرار ما تزال كعادتها تعبثُ بكل المكتسبات الوطنية.
الموضوع الرئيسي لعدد السفير رقم 1166 الصادر بتاريخ 16/06/2020